الباحث القرآني
(p-٦٢٣٦)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ العادِياتِ
مَكِّيَّةٌ أوْ مَدَنِيَّةٌ. وآيُها إحْدى عَشْرَةَ.
(p-٦٢٣٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١ - ٥] ﴿والعادِياتِ ضَبْحًا﴾ ﴿فالمُورِياتِ قَدْحًا﴾ [العاديات: ٢] ﴿فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾ [العاديات: ٣] ﴿فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ [العاديات: ٤] ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ [العاديات: ٥]
﴿والعادِياتِ ضَبْحًا﴾ إقْسامٌ بِخَيْلِ الغُزاةِ الَّتِي تَعْدُو نَحْوَ العَدُوِّ، فَتُضْبَحُ، و(الضَّبْحُ): صَوْتُ أنْفاسِها إذا عَدَتْ. ولَيْسَ المُرادُ بِالصَّوْتِ الصَّهِيلَ. بَلْ قَوْلُها: (احْ احُ)، كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. ونُصِبَ "ضَبْحًا" إمّا بِفِعْلِهِ المَحْذُوفِ، أوْ بِالعادِياتِ لِإفادَتِهِ مَعْناهُ، أوْ بِالحالِيَّةِ.
﴿فالمُورِياتِ قَدْحًا﴾ [العاديات: ٢] أيْ: تُورِي النّارَ بِحَوافِرِها. والقَدَحُ هو الضَّرْبُ لِإخْراجِ النّارِ، والإيراءُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، لِأنَّهُ إخْراجُ النّارِ وإيقادُها؛ فَإيراؤُها ما يُرى مِن صَدْمِ حَوافِرِها لِلْحِجارَةِ، وتُسَمّى نارَ الحُباحِبِ. ولَمّا كانَ مُرَتَّبًا عَلى عَدْوِها عَطَفَهُ بِالفاءِ، وكَوْنُ المُرادِ بِهِ الحَرْبَ بِعِيدٌ. وفي إعْرابِهِ الوُجُوهُ السّابِقَةُ.
﴿فالمُغِيراتِ صُبْحًا﴾ [العاديات: ٣] أيْ: تُغِيرُ عَلى العَدُوِّ في وقْتِهِ. يُقالُ: (أغارَ عَلى العَدُوِّ)، إذا هَجَمَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ أوْ يَأْسِرَهُ أوْ يَسْتَلِبَ مالَهُ.
قالَ الإمامُ: وهو وصْفٌ عَرَضَ لِلْخَيْلِ مِنَ الغايَةِ الَّتِي أُجْرِيَتْ لَها، أيْ: أنَّها تَعْدُو ويَشْتَدُّ عَدْوُها حَتّى يَخْرُجَ الشَّرَرُ مِن حَوافِرِها، لِتَهْجِمَ عَلى عَدُوٍّ وقْتَ الصَّباحِ، وهو وقْتُ المُفاجَأةِ لِأخْذِ العَدُوِّ عَلى غَيْرِ أُهْبَةٍ.
﴿فَأثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ [العاديات: ٤] أيْ: فَأهَجْنَ بِذَلِكَ الوَقْتِ غُبارًا مِنَ الإثارَةِ، وهي (p-٦٢٣٨)التَّهْيِيجُ وتَحْرِيكُ الغُبارِ ونَحْوَهُ لِيَرْتَفِعَ. والنَّقْعُ: الغُبارُ كَما ذَكَرْنا، ووَرَدَ بِمَعْنى الصِّياحِ، فَجُوِّزَ إرادَتُهُ هُنا بِمَعْنى صِياحِ مَن هَجَمَ عَلَيْهِ، وأوْقَعَ بِهِ. لا صِياحَ المُغِيرِ عَلى المُحارِبِ، وإنْ جازَ عَلى بُعْدٍ فِيهِ، أيْ: هَيَّجْنَ الصِّياحَ بِالإغارَةِ عَلى العَدُوِّ، وضَمِيرُ "بِهِ" لِلْوَقْتِ والباءُ ظَرْفِيَّةٌ. وفِيهِ احْتِمالاتٌ أُخَرُ كَكَوْنِهِ لِلْعَدْوِ أوْ لِلْإغارَةِ، لِتَأْوِيلِها بِالجَرْيِ. فالباءُ سَبَبِيَّةٌ أوْ لِلْمُلابَسَةِ. ويَجُوزُ كَوْنُها ظَرْفِيَّةً أيْضًا. والضَّمِيرُ لِلْمَكانِ الدّالِّ عَلَيْهِ السِّياقُ، لِلْعِلْمِ بِأنَّ الغُبارَ لا يُثارُ إلّا مِن مَوْضِعٍ. وهو الَّذِي اخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قالَ الشِّهابُ: وذَكَرَ إثارَةَ الغُبارِ، لِلْإشارَةِ إلى شِدَّةِ العَدُوِّ وكَثْرَةِ الكَرِّ والفَرِّ. وتَخْصِيصُ الصُّبْحِ لِأنَّ الغارَةَ كانَتْ مُعْتادَةً فِيهِ، أيْ: لِمُباغَتَةِ العَدُوِّ. والغُبارُ إنَّما يَظْهَرُ نَهارًا. و(أثَرْنَ) مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ.
قالَ النّاصِرُ: وحِكْمَةُ الإتْيانِ بِالفِعْلِ مَعْطُوفًا عَلى الِاسْمِ الَّذِي هو العادِياتُ أوْ ما بَعْدَهُ، لِأنَّها أسْماءُ فاعِلِينَ تُعْطِي مَعْنى الفِعْلِ. وحِكْمَةُ مَجِيءِ هَذا المَعْطُوفِ فِعْلًا عَنِ اسْمِ فاعِلٍ، تَصْوِيرُ هَذِهِ الأفْعالِ في النَّفْسِ. فَإنَّ التَّصْوِيرَ يَحْصُلُ بِإيرادِ الفِعْلِ بَعْدَ الِاسْمِ لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّخالُفِ. وهو أبْلَغُ مِنَ التَّصْوِيرِ بِالأسْماءِ المُتَناسِقَةِ. وكَذَلِكَ التَّصْوِيرُ بِالمُضارِعِ بَعْدَ الماضِي.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ [العاديات: ٥] أيْ: فَتَوَسَّطْنَ ودَخَلْنَ في وسَطِ جَمْعٍ مِنَ الأعْداءِ، فَفَرَّقَتْهُ وشَتَّتَهُ. يُقالُ: (وسَطْتُ القَوْمَ) بِالتَّخْفِيفِ، و(وسَّطْتُهُ) بِالتَّشْدِيدِ، و(تَوَسَّطْتُهُ) بِمَعْنًى واحِدٍ. وفي الضَّمِيرِ الوُجُوهُ المُتَقَدِّمَةُ.
قالَ الإمامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أقْسَمَ تَعالى بِالخَيْلِ مُتَّصِفَةً بِصِفاتِها الَّتِي ذَكَرَها آتِيَةً بِالأعْمالِ الَّتِي سَرَدَها؛ لِيُنَوِّهَ بِشَأْنِها ويُعْلِي مِن قَدْرِها في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ أهْلِ العَمَلِ والجِدِّ؛ لِيَعْنُوا بِقِنْيَتِها وتَدْرِيبِها عَلى الكَرِّ والفَرِّ، ولِيَحْمِلَهم أنْفُسَهم عَلى العِنايَةِ بِالفُرُوسِيَّةِ والتَّدَرُّبِ عَلى رُكُوبِ الخَيْلِ، والإغارَةِ بِها؛ لِيَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم مُسْتَعِدًّا في أيِّ وقْتٍ كانَ، لِأنْ يَكُونَ جُزْءًا مِن قُوَّةِ الأُمَّةِ إذا اضْطَرَّتْ إلى صَدِّ عَدُوٍّ، أوْ بَعَثَها باعِثٌ عَلى كَسْرِ شَوْكَتِهِ. وكانَ في هَذِهِ (p-٦٢٣٩)الآياتِ القارِعاتِ، وفي تَخْصِيصِ الخَيْلِ بِالذِّكْرِ في قَوْلِهِ: ﴿وأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠] وفِيما ورَدَ مِنَ الأحادِيثِ الَّتِي لا تَكادُ تَحْصُرُ ما يَحْمِلُ كُلَّ فَرْدٍ مِن رِجالِ المُسْلِمِينَ عَلى أنْ يَكُونَ في مُقَدِّمَةِ فُرْسانِ الأرْضِ مَهارَةٌ في رُكُوبِ الخَيْلِ، ويَبْعَثُ القادِرِينَ مِنهم عَلى قِنْيَةِ الخَيْلِ عَلى التَّنافُسِ في عَقائِلِها، وأنْ يَكُونَ فَنُّ السِّباقِ عِنْدَهم يَسْبِقُ بَقِيَّةَ الفُنُونِ إتْقانًا. أفَلَيْسَ أعْجَبُ العَجَبِ أنْ تَرى أُمَمًا، هَذا كِتابُها، قَدْ أهْمَلَتْ شَأْنَ الخَيْلِ والفُرُوسِيَّةِ، إلى أنْ صارَ يُشارُ إلى راكِبِها بَيْنَهم بِالهُزُؤِ والسُّخْرِيَةِ؟ وأخَذَتْ كِرامَ الخَيْلِ تَهْجُرُ بِلادَهم إلى بِلادٍ أُخْرى.
ثُمَّ قالَ: يُقْسِمُ اللَّهُ بِالخَيْلِ صاحِبَةِ تِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي رَفَعَ ذِكْرَها، لِيُؤَكِّدَ الخَبَرَ الَّذِي جاءَ في قَوْلِهِ:
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا","فَٱلۡمُورِیَـٰتِ قَدۡحࣰا","فَٱلۡمُغِیرَ ٰتِ صُبۡحࣰا","فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعࣰا","فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا"],"ayah":"فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











