الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٧ ] ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأنُّوا بِها والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ [ ٨ ] ﴿أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٨] [ ٩ ] ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهم بِإيمانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ في جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] [ ١٠ ] ﴿دَعْواهم فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ وآخِرُ دَعْواهم أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ أيْ فَلا يَتَوَقَّعُونَ الجَزاءَ ﴿ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأنُّوا بِها والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ أيْ لا يَتَفَكَّرُونَ فِيها ﴿أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٨] ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهم بِإيمانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] أيْ بِسَبَبِهِ، إلى مَأْواهُمْ، وهي الجَنَّةُ، وإنَّما لَمْ تُذْكَرْ تَعْوِيلًا عَلى ظُهُورِها، وانْسِياقِ النَّفْسِ إلَيْها، لا سِيَّما بِمُلاحَظَةِ ما سَبَقَ مِن بَيانِ مَأْوى الكَفَرَةِ ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ في جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] (p-٣٣٢٧)أيْ مِن تَحْتِ مَنازِلِهِمْ أوْ بَيْنَ أيْدِيهِمْ. ﴿دَعْواهم فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] أيْ: دُعاؤُهم هَذا الكَلامُ؛ لِأنَّ "اللَّهُمَّ" نِداءٌ، ومَعْناهُ: اللَّهُمَّ إنَّما نُسَبِّحُكَ، كَقَوْلِ القانِتِ: اللَّهُمَّ إيّاكَ نَعْبُدُ. يُقالُ: دَعا يَدْعُو دُعاءً ودَعْوى، كَما يُقالُ: شَكا يَشْكُو شِكايَةً وشَكْوى، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالدُّعاءِ العِبادَةُ، ونَظِيرُهُ آيَةُ: ﴿وأعْتَزِلُكم وما تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [مريم: ٤٨] ﴿وتَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ﴾ [يونس: ١٠] أيْ ما يُحَيِّي بِهِ بَعْضُهم بَعْضًا، أوْ تَحِيَّةُ المَلائِكَةِ إيّاهُمْ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ﴾ [الرعد: ٢٣] ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرعد: ٢٤] أوْ تَحِيَّةُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لَهُمْ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَلامٌ قَوْلا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] و(التَّحِيَّةُ) التَّكْرِمَةُ بِالحالَةِ الجَلِيَّةِ. أصْلُها: أحْياكَ اللَّهُ حَياةً طَيِّبَةً. و(السَّلامُ) بِمَعْنى السَّلامَةِ مِن كُلِّ مَكْرُوهٍ ﴿وآخِرُ دَعْواهُمْ﴾ [يونس: ١٠] أيْ وخاتِمَةُ دُعائِهِمْ هو التَّسْبِيحُ ﴿أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] أيْ حَمِدَهُ تَعالى: والمُرادُ مِنَ الآيَةِ أنَّ دُعاءَ أهْلِ الجَنَّةِ وعِبادَتَهم هو قَوْلُهُمْ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ. وإيثارُ التَّعْبِيرِ عَنْ "وبِحَمْدِكَ" بِقَوْلِهِ "وآخِرُ" إلَخْ رِعايَةً لِلْفَواصِلِ، واهْتِمامًا بِالحَمْدِ وما مَعَهُ مِنَ النُّعُوتِ الجَلِيلَةِ تَذْكِيرًا بِمُسَمّاها، والآيَةُ تَدُلُّ عَلى سُمُوِّ هَذا الذِّكْرِ؛ لِأنَّهُ دُعاءُ أهْلِ الجَنَّةِ وذِكْرُ المَلائِكَةِ كَما قالُوا: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] ولِذَلِكَ نَدَبَ قِراءَتُهُ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإحْرامِ. قالَ الرّازِيُّ: لَمّا اسْتَسْعَدَ أهْلُ الجَنَّةِ بِذِكْرِ "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ"، وعايَنُوا ما فِيهِ مِنَ السَّلامَةِ عَنِ الآفاتِ والمَخافاتِ، عَلِمُوا أنَّ كُلَّ هَذِهِ الأحْوالِ السُّنِّيَّةِ، والمَقاماتِ القُدْسِيَّةِ، إنَّما تَيَسَّرَتْ بِإحْسانِ الحَقِّ سُبْحانَهُ وإفْضالِهِ وإنْعامِهِ، فَلا جَرَمَ اشْتَغَلُوا بِالحَمْدِ والثَّناءِ. ولَمّا بَيَّنَ تَعالى وعِيدَهُ الشَّدِيدَ، أتْبَعَهُ بِما دَلَّ عَلى أنَّ مِن حَقِّهِ أنْ يَتَأخَّرَ عَنْ هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ لِأنَّ حُصُولَهُ في الدُّنْيا كالمانِعِ مِن بَقاءِ التَّكْلِيفِ فَقالَ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب