الباحث القرآني

(p-٣٣٤١)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٢٥ ] ﴿واللَّهُ يَدْعُو إلى دارِ السَّلامِ ويَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [ ٢٦ ] ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦] ﴿واللَّهُ يَدْعُو إلى دارِ السَّلامِ﴾ أيْ يَدْعُو الخَلْقَ بِتَوْحِيدِهِ إلى جَنَّتِهِ ﴿ويَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أيْ دِينٍ قَيِّمٍ يَرْضاهُ، وهو الإسْلامُ. ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] أيْ لِلَّذِينِ أحْسَنُوا النَّظَرَ، فَعَرَفُوا مَكْرَ الدُّنْيا والشَّهَواتِ، فَأعْرَضُوا عَنْها، وتَوَجَّهُوا إلى اللَّهِ تَعالى، فَعَبَدُوهُ كَأنَّهم يَرَوْنَهُ، المَثُوبَةُ الحُسْنى، وهي الجَنَّةُ، وزِيادَةً عَلى المَثُوبَةِ، وهي التَّفَضُّلُ كَما قالَ تَعالى: "ويَزِيدُهم مِن فَضْلِهِ"، وأعْظَمُ أنْواعِهِ النَّظَرُ إلى وجْهِهِ تَعالى الكَرِيمِ. ولِذا تَواتَرَ تَفْسِيرُها بِالرُّؤْيَةِ عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ. ورَفَعَها ابْنُ جَرِيرٍ إلى النَّبِيِّ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ أبِي مُوسى وكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وأُبَيٍّ. وكَذا ابْنُ أبِي حاتِمٍ. ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا﴾ [يونس: ٢٦] إلَخْ، وقالَ: «إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأهْلُ النّارِ النّارَ، نادى مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ! إنَّ لَكم عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا، يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُمُوهُ. فَيَقُولُونَ: ما هُوَ؟ ألَمْ يُثَقِّلْ مَوازِينَنا، ألَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنا ويُدْخِلْنا الجَنَّةَ ويُزَحْزِحْنا عَنِ النّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ لَهُمُ الحِجابَ فَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَواللَّهِ! ما أعْطاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ، ولا أقَرَّ لِأعْيُنِهِمْ»» وهَكَذا رَواهُ مُسْلِمٌ. (p-٣٣٤٢)﴿ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهم قَتَرٌ﴾ [يونس: ٢٦] أيْ لا يَغْشاها غَبَرَةٌ سَوْداءُ مِن أثَرِ حُبِّ الدُّنْيا والشَّهَواتِ ﴿ولا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] أيْ أثَرُ هَوانٍ، وكُسُوفُ بالٍ، مِن أثَرِ الِالتِفاتِ إلى ما دُونِ اللَّهِ تَعالى. قالَ النّاصِرُ: وفي تَعْقِيبِ الزِّيادَةِ بِهَذِهِ الجُمْلَةِ مِصْداقٌ لِصِحَّةِ تَفْسِيرِ الزِّيادَةِ بِالرُّؤْيَةِ الكَرِيمَةِ، فَإنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلى إكْرامِ وُجُوهِهِمْ بِالنَّظَرِ إلى وجْهِ اللَّهِ تَعالى، فَجَدِيرٌ بِهِمْ أنْ لا يَرْهَقَ وُجُوهَهم قَتَرُ البُعْدِ، ولا ذِلَّةُ الحِجابِ، عَكْسَ المَحْرُومِينَ المَحْجُوبِينَ، فَإنَّ وُجُوهَهم مُرْهَقَةٌ بِقَتَرِ الطَّرْدِ وذِلَّةِ البُعْدِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ [يونس: ٢٦] أيِ الَّذِينَ أحْسَنُوا ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب