الباحث القرآني

(p-٣٣٢٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١١ ] ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهم بِالخَيْرِ لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهم فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ ﴿ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ﴾ وهُمُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَهُ تَعالى لِكُفْرِهِمُ ﴿الشَّرَّ﴾ أيِ الَّذِي كانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ، فَإنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] ونَحْوَ ذَلِكَ: ﴿اسْتِعْجالَهم بِالخَيْرِ﴾ أيْ تَعْجِيلًا مِثْلَ اسْتِعْجالِهِمُ الدُّعاءَ بِالخَيْرِ ﴿لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ﴾ أيْ لَأُمِيتُوا وأهْلَكُوا ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أيْ في ضَلالِهِمْ وشِرْكِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ. لَطِيفَةٌ: زَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ مَعْنى اسْتِعْجالِهِمْ بِالخَيْرِ، أيْ تَعْجِيلِهِ لَهُمُ الخَيْرَ، وضَعَ الأوَّلَ مَوْضِعَ الثّانِي إشْعارًا بِسُرْعَةِ إجابَتِهِ لَهُمْ، وإسْعافِهِ بِطُلْبَتِهِمْ، حَتّى كَأنَّ اسْتِعْجالَهم بِالخَيْرِ تَعْجِيلٌ لَهم. وعِنْدِي أنَّهُ صَرْفُ اللَّفْظِ الكَرِيمِ عَنْ ظاهِرِهِ بِلا داعٍ. ولا بَلاغَةَ فِيهِ أيْضًا، وإنْ تُوبِعَ فِيهِ والحِرْصُ عَلى مُوافَقَةِ عامِلِ المَصْدَرِ لَهُ لِيَكُونا مِن بابٍ واحِدٍ، غَيْرُ ضَرُورِيٍّ في العَرَبِيَّةِ، والشَّواهِدُ كَثِيرَةٌ. وجَوَّزَ الرّازِيُّ أنْ يَكُونَ "يُعَجِّلُ" أصْلُهُ يَسْتَعْجِلُ. عَدَلَ عَنْهُ تَنْزِيهًا لِلْجَنابِ الأقْدَسِ عَنْ وصْفِ طَلَبِ العَجَلَةِ، فَوُصِفَ بِتَكْوِينِها، ووُصِفَ النّاسُ بِطَلَبِها؛ لِأنَّهُ الألْيَقُ. ولَعَلَّ الألْيَقَ أنَّ "اسْتِعْجالَهُمْ" مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ، والتَّقْدِيرُ، ولَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِعْجالَهم. وإنَّما حُذِفَ إيجازًا؛ لِلْعِلْمِ بِهِ، ويُوافِقُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيْرِ﴾ [الإسراء: ١١] فَإنَّهُ في مَعْنى ما هُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب