الباحث القرآني
قوله: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، لما ذكر الله - تعالى - أمر الدارين تعجب الكفَِّار من ذلك، فكذبوا وأنكروا، فذكرهم الله صنعته، وقدرته، وأنه - تعالى - قادر على كل شيء، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض، وذكر الإبل أولاً؛ لأنها كثيرة في بلاد العرب، ولم يروا الفيلة، فنبّههم تعالى على عظيم من خلقه، قد ذلله للصغير من خلقه يقوده وينيخه وينهضه، ويحمل عليه الثقيل من الأحمال، وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء وينيخه وينهضه، ويجمل عليه الثقيل من الأحمال، وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره، فأراهم عظيماً من خلقه، يدلهم بذلك على توحيده، وعظيم قدرته تعالى.
وعن بعض الحكماء: أنه حدث عن البعير، وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها، ففكر، ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق.
قال ابنُ الخطيب: الإبل لها خواص، منها أنه - تعالى - جعل الحيوان الذي يقتني أنواعاً، فتارة يقتنى ليؤكل لحمه، وتارة ليشرب لبنه، وتارة ليحمل الناس في الأسفار، وتارة لنقل المتاع من بلد إلى بلد، وتارة للزِّينة والجمال، وهذه المنافع بأسرها حاصلة في الإبل، ثم إنها فاقت في كل خصلة من هذه الخصال غيرها من الحيوان المختص ببعضها، مع صبرها على العطش، وقطع المفاوز بالأحمال الثقيلة، وقناعتها في العلف بنبات البر، ولقد ضللنا الطريق في مفازة، فقدموا جملاً واتبعوه، فهداهم للطريق بعد زمان طويل، مع كثرة المعاطف والتلول، فانظر كيف ثبت واهتدى على ما عجزت عنه ذوو العقول.
ومنها: أنه في غاية القوة والصبر على العمل.
ومنها: أنها مع كونها كذلك منقادة للصَّب الصغير.
ومنها: أنها تحمل وهي باركة، ثم تقوم بحملها، وهذه الصفات توجب على العاقل أن ينظر في خلقها وتركيبها، ويستدل بذلك على وجود الصانع الحكيم جلت قدرته.
فصل
قال قتادةُ ومقاتلٌ وغيرهما: لما ذكر الله - تعالى - السرر المرفوعة، قالوا: كيف نصعدها؟ فأنزل الله هذه الآية، وبيَّن أنَّ الإبل «تبرك» حتى يحمل عليها، ثم تقوم، فكذلك تلك السرر تتطامَنُ، ثم يرتفع.
وقال المبرد: الإبل هنا: القطعُ العظيمة من السَّحاب.
وقال الثعلبي: ولم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمة.
قال القرطبي: قد ذكره الأصمعي أبو سعيد بن عبد الملك بن قريب، قال أبو عمرو: من قرأها: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ بالتخفيف، عنى بها: البعير؛ لأنها من ذوات الأربع، يبرك، فتحمل عليه الحمولة، وغيره من ذوات الأربع، لا يحمل عليه إلا وهو قائم، ومن قرأها بالتثقيل فقال: «الإبل» عنى بها السحاب التي تحمل الماء والمطر.
وقال الماورديُّ: وفي الإبل وجهان:
أظهرهما: أنها «الإبل» .
والثاني: أنها «السحاب» فإن كان المراد بها السحاب، فلما فيها من الآيات الدالة على قدرته، والمنافع العامة لجميع خلقه.
وإن كان المراد بها الإبل من النعم؛ فلأن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوان؛ لأن ضروبه أربعة: حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة، والإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة بها أتم.
وقيل للحسن: الفيل أعظم في الأعجوبة فقال: العرب بعيدة العهدِ بالفيل ثم هو لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره، ولا يحلب درّه.
* فصل في الكلام على الإبل
الإبل: اسم جمع، واحده: بعير، وناقة، وجمل، ولا واحد لها من لفظها، وهو مؤنث، ولذلك تدخل عليه تاء التأنيث تصغيره، فيقال: أبيلة.
قال القرطبيُّ: لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم، وربما قالوا للإبل: إبْل - بسكون الباء - للتخفيف، والجمع: آبال واشتقوا من لفظه، فقالوا: تأبل زيد، أي كثرت إبله. وتعجبوا من هذا، فقالوا: ما آبله ﴿أي: ما أكثر إبله﴾ وتقدم في سورة «الأنعام» .
قوله: «كَيْفَ» : منصوب ب «خُلِقتْ» على حد نصبها في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾ ، والجملة بدل من «الإبل» بدل اشتمال، فتكون في محل جر، وهي في الحقيقة معلقة بالنظر، وقد دخلت «إلى» على «كيف» في قولهم: «انظر إلى كيف يصنع» ، وقد تبدل الجملة المشتملة على استفهام من اسم ليس فيه استفهام، كقولهم: «عرفت زيداً أبو من هو» على خلاف بين النحويين.
وقرأ العامة: «خُلِقَتْ، ورُفِعَتْ، ونُصِبَتْ، وسُطِحَتْ» مبنياً للمفعول، والتاء ساكنة للتأنيث.
وقرأ أمير المؤمنين، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، قال القرطبي: وابن السميفع وأبو العالية: «خلقتُ» وما بعده بتاء المتكلم، مبنياً للفاعل.
والعامة على: «سُطِحَتْ» مخففاً.
وقرأ الحسنُ وأبو حيوة وأبو رجاء: «سُطِّحَتْ» بتشديد الطاء وإسكان التاء.
قال القرطبيُّ: وقدم الإبل في الذكر، ولو قدم غيرها لجاز.
قال القشيريُّ: وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة.
قوله: ﴿وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ ، أي: رفعت عن الأرض بغير عمدٍ بعيدة المدى.
وقيل: رفعت فلا ينالها شيء.
قوله: ﴿وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ نصباً ثابتاً راسخاً لا يميل ولا يزول، وذلك أن الأرض لما دحيت مادت، فأرساها بالجبال، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: 31] .
قوله: ﴿وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ ممهدة، أي: بسطتْ ومدتْ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرةٍ.
قال ابنُ الخطيب: وهو ضعيف؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح.
فإن قيل: ما المناسبة بين هذه الأشياء؟ .
فالجواب: قال الزمخشريُّ: من فسَّر الإبل بالسحاب، فالمناسبة ظاهرة، وذلك تشبيه ومجاز، ومن حملها على الإبل، فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين:
الأول: أن القرآن نزل على العرب، وكانوا يسافرون كثيراً، وكانوا يسيرون عليها في المهامه والقفار، مستوحشين، منفردين عن الناس، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكُّر في الأشياء؛ لأنه ليس معه من يحادثه، وليس هناك من يشغل به سمعه وبصره، فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر، فإذا فكر في تلك الحال، فأوَّل ما يقع بصره فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر , فإذا فكر في تلك الحال , فأوَّل ما يقع بصره على الجمل الذي هو راكبه , فيرى منظراً عجيباً , وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء , وغذا نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال , وإذا نظر إلى تحت لم ير غير الأرض , فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلودِ والانفراد , حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النَّظر.
الثاني: أن جميع المخلوقات دالة على الصانع - جلت قدرته - إلا انها قسمان: منها ما للشهوة فيه حظّ كالوجه الحسن، والبساتين للنُّزهة، والذهب والفضة، ونحوها، فهذه مع دلالتها على الصَّانع، قد يمنع استحسانها عن إكمال النظر فيها.
ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة كهذه الأشياء، فأمر بالنظر فيها، إذ لا مانع من إكمال النظر.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ","وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ","وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ","وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَیۡفَ سُطِحَتۡ"],"ayah":"وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق