قوله تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ الآية.
لمَّا حذَّر من الفتنة بالأموال، والأولاد، رغَّب في التَّقوى الموجبة لترك الميل، والهوى في محبَّة الأموال والأولاد.
فإن قيل: إدخالُ الشَّرط في الحكم إنَّما يحسن في حقِّ من كان جاهلاً بعواقب الأمورِ وذلك لا يليق باللَّهِ تعالى.
فالجوابُ: أنَّ قولنا إن كان كذا كان كذا لا يفيدُ إلاَّ كون الشَّرطِ مستلزماً للجواب، فإمَّا أنَّ وقوع الشَّرط مشكوك فيه، أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللَّفظ، سلَّمنا أنَّه يفيد هذا الشَّك إلاَّ أنه تعالى يُعامل العباد في الجزاء معاملة الشَّاك، وعليه يخرَّج قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين﴾ [محمد: 31] .
قال أبو العباس المقرىء: «الفرقان» على أربعة أوجهٍ:
الأول: الفرقان النور، كهذه الآية أي: يجعل لكم نوراً في قلوبكم تُفرِّقون به بين الحلال والحرام.
والثاني: الحجة.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان﴾ [البقرة: 53] أي: الحجة.
الثالث: القرآنُ. قال تعالى ﴿تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: 1] أي: القرآن.
الرابع: يوم بدر قال تعالى ﴿يَوْمَ الفرقان يَوْمَ التقى الجمعان﴾ [الأنفال: 41] أي: يوم بدر.
فصل
ومعنى الآية: إن تتَّقُوا الله بطاعته وترك معصيته يجعل لكم فرقاناً.
قال مجاهد: «مَخْرَجاً في الدُّنيا والآخرة من الضَّلال» وقال مقاتل: «مَخْرَجاً في الدَِّين من الشُّبهات» .
وقال عكرمة «نجاة، أي: يفرق بينكم وبين ما تخافون» .
وقال الضحاك: «بياناً» .
وقال ابن إسحاق: «فصلاً بين الحق والباطل. يُظهر الله به حقكم ويطفىء باطل من خالفكم» قال مُزرد بن ضرار: [الخفيف]
2695 - بَادَرَ الأفْق أنْ يَغيبَ فَلَمَّا ... أظْلَمَ اللَّيْلُ لَمْ يَجِدْ فُرقَانَا
قال آخر: [الرجز]
2696 - مَا لَك مِنْ طُولِ الأسَى فُرقَانُ ... بَعْدَ قَطِينٍ رَحَلُوا وبَانُوا
وقال آخر: [الطويل]
2697 - وكَيْفَ أرَجِّي الخُلْدَ والمَوْتُ طَالِبِي ... ومَا لِيَ مِنْ كَأسٍش المَنِيَّةِ فُرْقَانُ
والفرقان: مصدر كالرُّجحان والنُّقصان، وتقدم الكلام عليه أول البقرة.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ"}