الباحث القرآني
مكية، وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية، ومائة وثلاثة وسبعون كلمة، وسبعمائة وسبعون حرفا. قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ قد تقدم أن البزي يدخل هاء السكت عوضاً من ألف «ما» الاستفهامية في الوقف.
ونقل عن ابن كثير أنه يقرأ «عمه» - بالهاء - وصلاً، أجرى الوصل مجرى الوقف.
وقرأ عبد الله، وأبي، وعكرمة وعيسى: «عمّا» بإثبات الألف، وقد تقدم أنه يجوز ضرورة وفي قليل من الكلام؛ ومنه قوله: [الوافر]
5067 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمنِي لَئيمٌ ... كَخِنْزيرٍ تَمرَّغَ في رَمَادِ
وتقدم أن الزمخشري جعل منه ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ [يس: 27] في «يس» ، و «عم» فيه قولان:
أظهرهما: أنه متعلق ب «يَتَساءَلون» .
قال أبو إسحاق: الكلام تام في قوله: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ ، ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب، فيقول: يتساءلون عن النبأ العظيم فاقتضى إيجاز القرآن، وبلاغته أن يبادر المحتجّ بالجواب الذي يقتضيه الحال والمجاورة اقتضاءً بالحجة، وإسراعاً إلى موضع قطعهم.
والثاني: أنه متعلق بفعل مقدر، ويتعلق «عن النبأ العظيم» بهذا الفعل الظاهر.
قال الزمخشري: «وعن ابن كثير: أنه قرأ» عمّه «بهاء السكت، ولا يخلو إما أن يجري الوصل مجرى الوقف، وإما أن يقف، ويبتدئ ب» يتساءلون عن النبأ العظيم «على أن يضمر» يتساءلون «؛ لأن ما بعده يفسره كشيء مبهم ثم يفسر» .
* فصل في لفظ عم
قال ابن الخطيب: «عم» أصله: «عن ما» ؛ لأنه حرف جر دخل على «ما» الاستفهامية.
قال حسان بن ثابت: [الوافر]
5068 - عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ ... ... ... ... ... ... ... ..... ... .
والاستعمال الكثير على الحذف، وعلى الأصل قليل، وذكروا في سبب الحذف وجوهاً:
أحدها: قال الزجاج: لأن الميم تشرك النون في الغُنَّة في الأنف فصارا كالحرفين المتماثلين. وثانيها: قال الجرجاني: أنهم إذا وضعوها في استفهام حذفوا ألفها تفرقةً بينها وبين أن يكون اسماً، كقولهم: فيمَ ولِمَ وبِمَ وحتام.
وثالثها: قالوا: حذفت الألف لاتصال «ما» بحرف الجر حتى صارت كالجزء منه لينبئ عن شدة الاتصال.
ورابعها: حذف للتخفيف في الكلام، فإنه لفظ كثير التَّرداد على اللسان.
* فصل في أن السائل والمجيب هو الله تعالى
قال ابن الخطيب: قوله تعالى ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ سؤال، وقوله: «عن النبأ العظيم» جواب، والسائل والمجيب هو الله تعالى، وذلك يدلّ على علمه بالغيب، بل بجميع المعلومات، وفائدة ذكره في معرض السؤال والجواب؛ لأنه أقرب إلى التفهيم والإيضاح، ونظيره قوله تعالى: ﴿لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار﴾ [غافر: 16] .
* فصل في لفظ ما
«ما» لفظة وضعتْ لطلب ماهيَّات الأشياء، وحقائقها، تقول: ما الملك؟ وما الروح؟ وما الجن؟ والمراد طلب ماهياتها، وشرح حقائقها، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً، ثم إنَّ الشيء العظيم الذي يكون لفظه مزيَّة يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول، فحصل بين الشيء المطلوب، وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه، فلذلك سُئل عنه بما استعاره، وكأنه مجهول، ومنه
﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: 1، 2] ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ [المطففين: 8] ، و ﴿مَا العقبة﴾ [البلد: 12] وشبهه.
فصل
قال الفراء: السؤال هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن بينهم سؤال، قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: 50، 51] الآية، وهذا يدل على التحدث.
* فصل في نزول الآية
والضمير في ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ ل «قريش» .
روى أبو صالح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: كانت قريش تجلس لمَّا نزل القرآن، فتتحدث فيما بينهم، فمنهم المصدقُ، ومنهم المكذبُ به، فنزلت ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ .
وقيل: «عم» قسم، فشدد المشركون أين يختصمون، بدليل قوله تعالى: ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبأ: 4، 5] وهذا تهديد، والتهديد لا يليق إلا بالكفار.
فإن قيل: فما تصنع بقوله: ﴿الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ مع أنَّ الكفَّار كانوا متفقين في إنكار الحشر؟ فالجواب: لا نسلم اتفاقهم في إنكار الحشر؛ لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني، وهم جمهور النصارى، وأما المعاد الجسماني، فمنهم من كان شاكَّا فيه لقوله: ﴿وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً﴾ [فصلت: 50] ﴿وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى﴾ [فصلت: 50] .
ومنهم من ينكرهُ، ويقول: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: 29] .
ومنهم من يُقرُّ بهِ لكنه ينكر نبوَّة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد حصل اختلافهم.
وأيضاً فهبْ أنَّهم كانوا منكرين له، لكن لعل اختلافهم في كيفية إنكاره، فمنهم من أنكر؛ لإنكاره الصانع المختار، ومنهم من ينكره؛ لاعتقاده أنَّ إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها، والقادر المختار إنما يكون قادراً على الممكن في نفسه.
وقيل: الضمير في «يتَساءَلُونَ» هم الكفَّار والمؤمنون كانوا جميعاً يتساءلون عنه، فأما المسلمُ فيزداد يقيناً وبصيرةً في دينه، وأمَّا الكافر فاستهزاءٌ وسخريةً، وعلى سبيل إيراد الشكوك، والشُّبهاتِ.
قال ابن الخطيب: ويحتملُ أنهم يسألون الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويقولون: ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة؟
قوله: ﴿عَنِ النبإ﴾ يجوز فيه ما جاء في قوله تعالى: ﴿لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ [المرسلات: 12] في البدليَّة، والتعلُّق بفعلٍ مقدرٍ، ويزيد عليه ها هنا أنَّه يتعلق بالفعل الظاهر، ويتعلق ما قبله بمضمرٍ كما تقدم عن الزمخشري.
وقال ابن عطية: قال أكثر النحاة: «عن النَّبأ العظيم» يتعلق ب «يَتَسَاءَلُونَ» الظاهر كأنه قال: لم يتساءلون عن النبأ، وقوله «عَمَّ» هو استفهام توبيخ وتعظيم.
وقال المهدوي: «هن» ليس تتعلق ب «يَتَسَاءَلُونَ» الذي في التلاوة؛ لأنه كان يلزمُ دخول حرف الاستفهام، فيكون «أعن النبأ العظيم» ؟ كقولك: كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرنا امتناع تعلقه ب «يتساءلون» الذي في التلاوة، وإنما يتعلق ب «يتساءلون» آخر مضمر، وحسُن ذلك لتقدم «يَتَسَاءَلُونَ» .
قال القرطبي: «وذكر بعضهم أن الاستفهام في قوله:» عن» مكرر إلا أنَّه مضمر كأنه قال: «عمَّ يَتَساءَلُون أعنِ النَّبَأ العَظيمِ» ، فعلى هذا يكون متصلاً بالآية الأولى، والنبأ العظيم، أي: الخبر الكبير،» الذي هم فيه مختلفون «أي: يخالف فيه بعضهم بعضاً فيصدقُ واحدٌ ويكذبُ آخر» .
قوله: ﴿مُخْتَلِفُونَ﴾ خبر «هم» والجار متعلق ب «هم» ، والموصول يحتمل الحركات الثلاث إتباعاً وقطعاً رفعاً ونصباً.
* فصل في المراد بهذا النبأ
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «النَّبَأُ» هو القرآن، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ فالقرآن نبأ وخبر وقصص، وهو نبأ عظيم، وكانوا يختلفون فيه، فجعله بعضهم سحراً، وبعضهم شعراً، وبعضهم قال: أساطيرُ الأولين.
وقال قتادة: هو البعث بعد الموت اختلفوا فمصدِّق ومكذِّب، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً﴾ [النبأ: 17] .
وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أنه أَمْرُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، لأنه لما بعث سأله اليهود عن أشياء كثيرة، فأخبره الله باختلافهم، وأيضاً فجعل الكفار يتساءلون فيما بينهم، ما هذا الذي حدث؟ فأنزل الله - تعالى - «عَمَّ يتسَاءَلُون» وذلك أنَّهُم عجبُوا من إرسال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، قال تعالى: ﴿بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [ق: 2] ، وعجبوا أن جاءهم بالتوحيد أيضاً كما قال تعالى: ﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5] ، فحكى الله - تعالى - عن مسألة بعضهم بعضاً على سبيل التعجب بقوله: «عم يتساءلون» .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["عَمَّ یَتَسَاۤءَلُونَ","عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِیمِ","ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ مُخۡتَلِفُونَ"],"ayah":"ٱلَّذِی هُمۡ فِیهِ مُخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











