قوله: ﴿هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ﴾ .
قد تقدم سببُ النزول، وأن ابن أبي قال: لا تنفقوا على من عند محمد «حتى ينفضوا» أي يتفرقوا عنه، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن خزائن السماوات والأرض له ينفق كيف يشاء.
قال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: ﴿وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض﴾ .
وقال الحسن: «خزائنُ السماوات» الغُيوبُ، وخزائنُ الأرضِ القلوبُ، فهو علاَّمُ الغيوب ومُقلبُ القُلوبِ.
قوله: ﴿يَنفَضُّواْ﴾ .
قرأ العامَّةُ: «ينفضُّوا» من الانفضاضِ وهو التفرقُ.
وقرأ الفضلُ بن عيسى الرقاشي: «يُنْفِضُوا» من أنفض القوم، فني زادهم.
ويقال: نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضَّ.
فيتعدى دون الهمزة ولا يتعدى معها، فهو من باب «كَبَبتهُ فانْكَبَّ» .
قال الزمخشري: وحقيقته جاز لهم أن ينفضوا مزاودهم.
ثم قال تعالى: ﴿ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ﴾ أنه إذا أراد أمراً يسره.
قوله: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل﴾ .
القائل ابن أبيّ، كما تقدم.
وقيل: إنه لما قال: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل﴾ ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات، فاستغفر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وألبسه قميصه، فنزل قوله: ﴿لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ .
وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلُولَ قال لأبيه: والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو الأعزُّ وأنا الأذلُّ، فقاله.
توهموا أن العزة لكثرةِ الأموال والأتباعِ فبيَّن اللَّهُ - تعالى - أنَّ العزَّة والمنَعَة والقُوَّة لله.
قوله: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل﴾ .
قرأ العامَّةُ: بضم الياء وكسر الراء مسنداً إلى «الأعزّ» و «الأذلّ» مفعول به، والأعزُّ بعضُ المنافقين على زعمه.
وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة والمسيبي: «لنُخْرجَنَّ» بنون العظمة، وبنصب «الأعزَّ» على المفعول به، ونصب «الأذَلَّ» على الحالِ.
وبه استشهد من جوز تعريفها.
والجمهور جعلوا «أل» مزيدة على حدّ «أرسلها العراك» و «ادخلوا الأول فالأول» .
وجوَّز أبو البقاء: أن يكون منصوباً على المفعولِ، وناصبه حال محذوفةٌ، أي: مشبهاً الأذلَّ.
وقد خرجه الزمخشري على حذف مضافٍ، أي: خروج الأول أو إخراج الأول.
يعني بحسب القراءتين من «خرج وأخرج» فعلى هذا ينتصب على المصدر لا على الحال.
ونقل الدَّاني عن الحسن أيضاً: «لنخرُجَنَّ» بفتح نون العظمة وضم الراء، ونصب «الأعزَّ» على الاختصاص كقولهم: «نحن العرب أقرى النَّاس للضيفِ» و «الأذلَّ» نصب على الحال أيضاً.
قاله أبو حيان.
وفيه نظر، كيف يخبرون عن أنفسهم أنهم يخرجون في حال الذل مع قولهم: «الأعز» أي: «أخُصُّ الأعزَّ» ويعنون ب «الأعزِّ» أنفسهُم.
وقد حكى هذه القراءة أيضاً أبو حاتم.
وحكى الكسائي والفرَّاء: أن قوماً قرأوا: «ليَخْرُجنَّ» - بفتح الياء وضم الراء - ورفع «الأعزّ» فاعلاً ونصب «الأذل» حالاً.
وهي واضحة.
وقرىء: «ليُخْرجَنَّ» - بضم الياء - مبنيًّا للمفعول، «الأعز» قائم مقام الفاعل «الأذلّ» حال أيضاً.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ","یَقُولُونَ لَىِٕن رَّجَعۡنَاۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ لَیُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"هُمُ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا۟ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ یَنفَضُّوا۟ۗ وَلِلَّهِ خَزَاۤىِٕنُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَا یَفۡقَهُونَ"}