قوله: ﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة﴾ .
هذه قراءة العامَّة.
وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر: «حَمَلُوا» مخففاً مبنياً للفاعل.
قوله: ﴿كَمَثَلِ الحمار﴾ .
هذه قراءة العامة.
وقرأ عبد الله: «حِمَارٍ» منكراً، وهو في قوة قراءة الباقين، لأن المراد بالحمار: الجِنْس ولهذا وصف بالجملة بعده، كما سيأتي.
وقرأ المأمون بن هارون الرشيد: «يُحَمَّل» مشدداً مبنيًّا للمفعول.
والجملة من «يَحْمِلُ أو يُحَمَّلُ» فيها وجهان:
أشهرهما: أنه في موضع الحال من «الحمار» .
والثاني: أنها في موضع الصفة للحمار، لجريانه مجرى النكرة، إذ المراد به الجنس.
قال الزمخشري: أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم، في قوله: [الكامل]
4767 - وَلقَدْ أمُرُّ على اللَّئيمِ يسُبُّنِي..... ... ... ... ... ... ... ... ... .
وتقدم تحرير ذلك وأن منه عند بعضهم: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ﴾ [يس: 37] ، وأن «نسلخ» نعت لليل، والجمهور يجعلونه حالاً للتعريف اللفظي.
وأما على قراءة عبد الله: فالجملة وصف فقط، ولا يمتنع أن تكون حالاً عند سيبويه. والأسفار: جمع سفر، وهو الكتاب المجتمع الأوراق.
* فصل في تفسير هذا المثل
هذا مثل ضرب لليهود لما تركوا العمل بالتوراة، ولم يؤمنوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «حُمِّلُوا التَّوراةَ» أي: كلفوا العمل بها. قاله ابن عباس.
وقال الجرجاني: هو من الحمالة بمعنى الكفالة، أي: ضمنوا أحكام التوراة.
وقوله: ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ .
لم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقها ﴿كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ أي: كتباً من العلم، واحدها سفر.
قال الفرَّاء: هي الكتب العظام، لأنها تسفر عما فيها من المعاني إذا قرئت، ونظيره: شبر وأشبار.
يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرأون التوراة ولا ينتفعون بها، لأنهم خالفوا ما فيها.
قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل، كذلك اليهود، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء.
قال الشاعر: [الطويل]
4768 - لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي البَعِيرُ إذَا غَدَا ... بأوسَاقِهِ أوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ قوله: ﴿بِئْسَ مَثَلُ القوم﴾ فيه أوجه:
أحدها: وهو المشهُور أن «مثَلُ القَوْمِ» فاعل «بِئْسَ» والمخصوص [بالذم الموصول بعده، وهذا مشكل؛ لأنه لا بد من تصادق فاعل «نعم وبئس» والمخصوص هنا: «المثل» ليس بالقوم المكذبين]
والجواب: أنه على حذف مضاف، أي: بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا.
الثاني: أن «الَّذينَ» صفة للقوم فيكون مجرور المحلّ، والمخصوص بالذَّم محذوف لفهم المعنى، تقديره: بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء، وهو قريب من الأول.
الثالث: أن الفاعل محذوف، وأن «مثل القوم» هو المخصوص بالذَّم، وتقديره: بئس المثل مثل القوم، ويكون الموصول نعتاً للقوم أيضاً، وإليه ينحو كلام ابن عطية فإنه قال: والتقدير ﴿بئس المثل مثل القوم﴾ .
وهذا فاسد: لأنه لا يحذف الفاعل عند البصريين إلاَّ في مواضع ثلاثة ليس هذا منها، اللهم إلا أن يقول بقول الكوفيين.
الرابع: أن يكون التمييز محذوفاً، والفاعل المفسر به مستتر، تقديره: «بئس مثلاً مثل القوم» وإليه ينحو كلام الزمخشري فإنه قال: «بئس مثلاً مثل القوم» .
فيكون الفاعل مستتراً مفسراً ب «مَثَلاً» ، و «مثلْ القَوْمِ» هو المخصوص بالذم، والموصول صفة له، وحذف التمييز، وهذا لا يجيزه سيبويه وأصحابه ألبتة.
نصوا على امتناع حذف التمييز، وكيف يحذف وهو مبين.
فصل
قال ابن الخطيب: فإن قيل: ما الحكمة في تعيين الحمار من دون سائر الحيوانات؟ .
فالجواب من وجوه:
أحدها: أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة، كما قال تعالى: ﴿والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: 87] ، والزينة في الخيل أظهر وأكثر بالنسبة إلى الركوب والحمل عليه، وفي البغال دون الخيل، وفي الحمير دون البغال، فالحمار كالمتوسط في المعاني الثلاثة، وحينئذ يكون الحمار في معنى الحمل أظهر
{"ayah":"مَثَلُ ٱلَّذِینَ حُمِّلُوا۟ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ یَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ یَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}