الباحث القرآني
في الكلام: حَذْفُ تقديره: «أرْسلْنَا رُسُلاً إلى أممٍ فكذبوا فأخذناهم» وهذا الحذفُ ظاهر جداً.
و «من قَبْلِكَ» متعلِّقٌ ب «أرْسلنا» ، وفي جعله صِفَةً ل «أمم» كلام تقدِّم مِرَاراً، وتقدَّم تفسيرُ ﴿البأسآء والضراء﴾ [البقرة: 177] ولم يُلْفَظُ لهما بِمُذَكِرٍ على «أفْعَل» .
قوله: ﴿ولاا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ .
«إذ» منصوب ب «تضرَّعوا» فَصَلَ به بين حرف التحضيض وما دخل عليه، وهو جائز في المفعول به، تقول: «لولا زيداً ضَرَبْتَ» ، وتقدَّم أن حرفَ التَّخْضِيض مع الماضي يكون معناه التَّوءبِيخَ، والتَّضَرُّع: «تَفَعُّل» من الضَّراعَة؛ وهي الذِّلَّة والهَيْبَة المسببة عن الانْقِيَادِ إلى الطاعة، يقال: «ضَرَعَ يَضْرَعُ ضراعة فهو ضارعٌ وضَرعٌ» .
قال الشاعر: [الطويل] 2174 - ليُبْكَ يَرْيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ
وللسهولة والتَّذَلُّلِ المفهومة من هذه المادة اشْتَقُّوا منها لِلثَّدْي اسماً فقالو له: «ضَرْعاً» .
قوله: ﴿ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُم﴾ «لكنْ» هنا وَاقِعَةٌ بين صدَّيْنِ، وهما اللِّينُ والقَسْوَةُ؛ وذلك أن قوله: «تضرَّعوا» مُشْعِرٌ باللِّينِ والسُّهُولةِ، وكذلك إذا جعلءتَ الضَّراعَةَ عبارة عن الإيمان، والقَسْوَةَ عبارة عن الكُفْرِ، وعبَّرت عن السبب بالمُسَبَّبِ، وعن المُسَبَّبِ بالسبب، ألا ترى أانه تقول: «آمنَ قلبه فتضرَّعُ، وقسا قلبه فكفر» وهذا أحسن من قول أبي البقاء: «ولكن» استدراك على المعنى، أي ما تَضَرَّعُوا ولكن يعني أن التَّخْضِيضَ في معنى النَّفْي، وقد يَتَرَجَّعُ هذا بما قالهُ الزمخشري فإنه قال: مَعْنَاهُ نَفْيُ التضرُّع كأنه قيل: لم يَتَضرَّعوا إذ جاءهم بأسُنَا، ولكنه جاء ب «لولا» ليفيد أنه لم يكن لهم عُذْرٌ في تَرْك التَّضَرُّعِ، إلاَّ قَسْوَة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لهم.
قوله: «وزيَّنَ لَهُم» هذه الجملة تَحْتَمِلُ وجهين:
أحدهما: أن تكون اسْتِئْنَافِيَّةً أخبر تعالى عنهم بذلك.
والثاني: وهو الظاهر -: أنها داخلة في حيَّز الاستدراك فهو نسقٌ على قول: «قَسَتْ قُلُوبهم» وهذا رأي الزمخشري فإن قال: «لم يكن عُذْرٌ في ترك التَّضرُّع إلاَّ قَسْوَةُ قلوبهم وإعابُهُم بأعمالهم» كما تقدَّم و «ما» في قوله: «ما كانوا» يحتمل [أن تكون موصولة اسمية أي: الذي كانوا يعملونه] وأن تكون مصدرية، أي: زيَّنَ لهم عَمْلَهُم، كقوله: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: 4] ويَبْعُدُ جَعْلُها نكرةً موصوفة.
فصل دلت هذه الآية مع الآية التي قبلها على مذهب أهل السُّنةِ، لأنه بيَّن في الآية الأولى أن الكُفار يرجعون إلى الله - تعالى - عند نزول الشَّدائد ثم بيَّن في هذه الآية أنهم لا يَرْجعُونَ إلى الله - تعالى - عند كل ما كان من جِنْسِ الشَّدَائِدِ، بل قد يبقون مُصِرِّينَ على الكُفْرِ غير راجعين إلى الله تعالى، وذلك يَدُلُّ على أنَّ من لم يَهْدِهِ الله لم يَهْتَدِ سواء شَاهَدَ الآيات أوْ لم يُشَاهد.
فإن قيل: ألَيْسَ قوله: ﴿بل إيَّاهُ تَدْعُونَ﴾ يَدُلُّ على أنهم تَضَرَّعُوا، وها هنا يقول: «قَسَتْ قُلوبهم ولم يتضرَّعوا» .
فالجوابُ: أولئك أقْوَامٌ وهؤلاء أقوامٌ آخَرُون، أو نقول: أولئك تَضَرَّعُوا لطلب إزالة البَلِيَّة ولم يَتَضرَّعُوا على سبيل الإخلاصِ لله تعالى، فلهذا القَرْق حَسُنَ الإثْبَاتُ والنفي.
فصل احتج الجُبَّائي بقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون﴾ على أنه - تعالى - إنما أرْسَل الرسل إليهم، وإنما سَلَّطَ البَأسَاءَ والضَّرَّاء عليهم إرادةِ أن يتضرعوا أو يؤمنوا، وذلك يَدُلُّ على أنه - تعالى - أراد الإيمان والطاعة من الكُلِّ.
والجوابُ أن كلمة «لَعلَّ» للتَّرَجِّي والتَّمَنِّين وهو في حق الله - تعالى - مُحَالٌ، وأنتم حملتموه على إرادة هذا المَطْلُوب، ونحن نحمله على أنه - تعالى - عاملهم مُعاملة لو صدرت عن غير الله لكان المَقْصُود منه هذا المعنى، فأمَّا تعليل حكم الله - تعالى - ومشيئته، فذلك مُحَالٌ على ما ثبت بالدَّليل، ثم نقول: إن دَلَّتْ هذه الآية على قولكم من هذا الوَجْهِ، فإنها تَدُلُّ على ضِدِّ قولكم من وجهٍ آخر، وذلك لأنها تَدُلُّ على أنهم إنما لم يَتضَرَّعُوا لِقَسْوَةِ قلوبهم، ولأجلِ أنَّ الشَّيْطَانَ زَيَّنَ لهم أعْمَالَهُمْن فنقول: تلك القَسْوَةُ إن [حصلت بفعلهم احتجاوا في إيجادها إلى سبب آخر ولزم التسلسل وإن] حصلت بفعل الله - تعالى - فالقول قولنا.
وأيضاً: هَبْ أن الكُفَّارَ إنما أقدموا على هذا الفعل القبيح [بسبب تزيين الشيطان، إلاَّ أنا نقول: ولم بقي الشيطان مصراً على هذا الفعل القبيح] ، فإن كان ذلك لأجل شَيْطان آخر تَسَلْسَلَ إلى غير نهاية، وإذا بطلت هذه التَّقَادِيرُ وانتهت إلى أنَّ كُلَّ أحد إنما يُقدِمُ تارةً على الخير وأخْرَى على الشَّرِّ؛ لأجل الدَّوَاعي التي تحصل في قَلْبِهِ ثم ثبت أن تلك الدَّوَاعي لا تحصل إلاَّ بإيجاد الله، فحينئذٍ يَصحُّ قولنا، ويفسدُ قولهم بالكلية، والله أعلم.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ","فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَـٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











