الباحث القرآني
لمَّا عرّفه الدِّين المُستقِيمن عرَّفه كيف يقُوم به ويؤدِّيه، وهذ الآية الكريمة تدلُ على انَّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - مؤدِّي العِبَادة مع الإخْلاص، وأكده بقوله - تبارك وتعالى -: ﴿لاَ شَرِيكَ لَه﴾ وهذا من أقْوَى الدَّلائل على أنَّ شَرْط صحة الصَّلاة: أن يُؤتَى بها مَقْرُونةً بالإخْلاصِ.
واخْتَلَفُوا في المُرَاد بالنُّسُك:
فقيل: المُرَاد به: الذَّبِيحَة بعينها، وجمع بين الصَّلاة وبين النَّحر؛ كما في قوله - تبارك وتعالى -: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر﴾ [الكوثر: 2] فقيل: المراد بالصلاة هاهنا صلاة النَّحْر، وقيل: صلاةُ اللَّيْل.
وروى ثَعْلَب عن ابن الأعْرَابيِّ أنه قال: النُّسُك: سَبَائِك الفِضَّة، كل نَسِيكة منها سَبيكة، وقيل للمُتعَبِّد: نَاسِكٌ، لأنه خلَّص من دنَائِس الآثَم وصفَّاها، كالسَّبيكة المُخَلَّصَة من الخَبَث، وعلى هذا التَّأويل فالنُّسُك: كل ما يُتَقرَّبُ به إلى اللَّه - تبارك وتعالى -، إلاَّ أن الغَالِب عليه في العُرْف: الذَّبْح.
قوله: ﴿وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّه﴾ .
قرأ نافع: «ومَحْيايْ» بسكون ياء المُتكلِّم، وفيها الجَّمع بين سَاكِنَيْن.
قال الفارسي: كقوله: «التَقَتْ حَلْقَتَا البطَانِ» و «لِفُلانٍ ثُلُثَا المَالِ» بثبوت الألفين.
وقد طَعَن بَعْضُ النَّاس على هذه القراءة بما ذَكَرْت من الجَمْع بَيْ السَّاكِنين، وتعجَّبت من كَوْن هذا القَارئ يُحَرك ياء «مُمَاتِيَ» ويُسَكِّن ياء «مَحْيَايْ» وقد نقل بَعضُهُم عن نافع الرُّجوع عن ذلك.
قال أبُو شامة - رَحِمَهُ اللَّهُ عليه -: «فَيَنْبَغِي ألاَّ يَحِلَّ نَقْلُ تسْكِين ياء» مَحْيَايَ «عنه» .
وقرأ نافع في رواية: «مَحْيَاي» بكسر الياءِ، وهي تشبه قراءة حَمْزَة في ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ [إبراهيم: 22] ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى -.
وقرا ابنُ أبي إسحاق، وعيس الجَحْدَرِيُّ: «ومَحْيَيَّ» بإبْدال «الألف» «ياء» ، وإدغَامِها في ياء المُتَكلِّم، وهي لُغة هُذَيْل، أنشد عليها قول أبي ذُؤيْب: [الكامل]
2401 - سَبَقُوا هَوَيَّ وأعْنَاقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخُرِّمُوا ولِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرعُ
اعلم: أن المَحيْا والممَاتِ للَّه لَيْس بمعنى أنَّهُما يُؤتَى بِهِمَا لطاعة الله - عزَّ وجلَّ -، فإن ذلك مُحَال، بَلْ معنى كوْنِهِا للَّه أنَّهُمَا حَاصِلان بِخَلْقِ اللَّه، وذلك مِنْ أدلِّ الدِّلائل على أنَّ طاعة العَبْد مَخْلُوقة منه - تعالى -.
وقال بَعْضُ المفسِّرين: «مَحْيَايَ: بالعمل الصالحن ومَمَاتِي: إذا مِتُّ على الإيمان من رب العَالمِين» .
واعلم: أنَّه - تبارك وتعالى - أمرَ رسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يُبَيِّن أنَّ صلاته، وسَائر عِباداتِه، وحياته، ومَمَاتِه كُلِّها واقعةٌ بخلق اللَّه - تبارك وتعالى - وبقدره، وقضَائه، وحُكْمِه.
وقال القُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ عليه -: قوله: «ومَحْيَايَ» أي: ما أعْمَله في حَيَاتِي، و «مَمَاتِي» أي: ما اوصِي به بَعْد وَفَاتِي «لِلَّهِ ربِّ العَالمِين» أي: أُفْرِدُهُ بالتَّقَرُّب بها إليه، ثمَّ نصَّ على أنَّه لا شَريكَ لَهُ في الخَلْق، والتقدير، ثم قال: «وبذلِك أمِرْتُ» وبهذا التَّوحيد أمِرْت، ثم يقول: «وأنا أول المُسْلِمين» أي: المُستَسْلِمين لِقضَاء اللَّه وقدَره، ومَعْلُوم أنَّه لَيْس أوَّلاً لكلِّ مُسْلِمٍ، فوجب أن يكُون المراد: كَوْنه أوّلاً لِمُسْلِمِي زَمَانه.
* فصل في استفتاح الصلاة بهذا الدعاء
قال القرطبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «ذكر الطبري، عن الشَّافعي - رحمه اله - أن في قوله - تعالى -. ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي ربي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 61] إلى قوله ﴿رَبِّ العالمين﴾ ما يَدُلُّ على افْتِتَاح الصَّلاة بهذا الذِّكْر؛ فإن اللَّه - سبحانه وتعالى - أمر نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ به، وأنْزَله في كِتَابه، ثم ذكر حديث عليِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - كان إذا افْتِتَح الصلاة قال: وجَّهْت وَجْهِي للَّذِي فَطَر السَّموات والأرْضَ حَنِيفاً وما أن من المُشْركِين، إنَّ صَلاَتي ونُسُكي ومَحْيَاي ومَمَاتِي للَّه ربِّ العالمين، لا شَرِيكَ لهُ وبذلك أمِرْت وأنا أوَّل المُسْلِمِين.
{"ayahs_start":162,"ayahs":["قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"],"ayah":"لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











