الباحث القرآني
مكية وهي تسع وأربعون آية، وثلاثمائة واثنتي عشرة كلمة، وألف وخمسمائة حرف. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: ﴿والطور﴾ وما بعده أقسام جوابها ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ والواوات التي بعد الأولى عواطف لا حروف قسم كما تقدم في أول هذا الكتاب عن الخليل.
ونكر الكتابَ تفخيماً وتعظيماً.
فصل
مناسبة هذه السورة لما قبلها من حيث الافتتاح بالقسم وبيان الحشر فيهما، وأول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها، لأن في آخرها قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 60] وفي أول هذه السورة ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ [الطور: 11] وفي آخر تلك السورة قوله: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً﴾ [الذاريات: 59] ؛ وذلك إشارة إلى العذاب، وقال هَهُنَا: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ.
فصل
قيل: المراد بالطور الجبل الذي كلم الله عليه موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بالأرض المقدسة، أقسم الله به. وقيل: هو الجبل الذي قال الله تعالى: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾ [ التين: 2] . وقيل: هو اسم جنس، والمراد بالكتاب المسطور كتاب موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وهو التوراة. وقيل: الكتاب الذي في السماء، وقيل: صحائف أعمال الخلق، وقال تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ [الإسراء: 13] . وقيل: الفرقان. والمراد بالمسطور المكتوب.
قوله: فِي رَقِّ يجوز أن يتعلق «بمَسْطُورٍ» ؛ أي مكتوب في رَقٍّ. وجوَّز أبو البقاء أن يكون نعتاً آخر لكتاب وفيه نظر؛ لأنه يشبه تَهْيئَةَ العَامِلِ للعَمَلِ وقطْعِهِ منْهُ.
والرَّقُّ - بالفتح - الجلد الرقيق يكتب فيه. وقال الرَّاغِب: الرق ما يكتبُ فيه شبه كاغد. انتهى فهو أعم من كونه جلداً أو غيرَهُ. ويقال فيه: رِقٌّ بالكسر. فأما مِلْكُ العبيد فلا يقال إلا رِقٌّ بالكسر. وقال الزَّمخشري: والرَّقُّ الصحيفة. وقيل: الجلد الذي يكتب فيه. انتهى. وقد غلط بعضهم من يقول: كَتَبْتُ في الرِّقّ بالكسر؛ وليس بغلط لثبوته به لُغَةً.
وقد قرأ أبو السَّمَّال: في رِقٍّ، بالكسر.
فإِن قيل: ما الفائدة في قوله تعالى: ﴿فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ﴾ وعظمة الكتاب بلفظه ومعناه لا بخطِّه ورقه؟! .
فالجواب: أن هذا إِشارة إلى الوضع لأن الكتاب المطويَّ لا يعلم ما فيه فقال: في رق منشور أي ليس كالكتب المطويّة أي منشورٌ لكم لا يمنعكم أحدٌ من مُطَالَعتِهِ.
(قوله: «والبيت المعمور» قيل: هو بيت في السماء العليا تحت العرش بِحيَالِ الكَعْبَةِ يقال له: الصّراح حُرْمَتُهُ في السماء كحُرْمَةِ الكعبة في الأرض يدخله كُلَّ يوم سبعونَ ألفاً من الملائكة يطُوفُونَ به ويُصَلُّون فيه، ثم لا يعودون إليه أبداً.
ووصفه بالعمارة لكثرة الطائفين به من الملائكة. وقيل: هو بيت الله الحرام وهو معمورٌ بالحُجَّاج الطائفين به.
وقيل: اللام في «البيت المعمور» لتعريف جنس كأنه يُقْسِمُ بالبيوتِ المَعْمُورة والعمائر المشهورة) .
قوله: «والسَّقْفِ المَرْفُوعِ» يعني السماء. ونظيرِه: ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾
[الأنبياء: 32] .
قوله: «والبَحْر المَسْجُور» قيل: هو من الأضداد، يقال: بَحْرٌ مَسْجُورٌ أي مملوء، وبَحْرٌ مَسْجُورٌ أي فارغٌ. وروى ذو الرمة الشاعر عن ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) - أنه قال: خرجت أُمةٌ لتَسْتَقي فَقَالَتْ: إِن الحَوْضَ مَسْجُورٌ؛ أي فارغ. ويؤيد هذا أن البحار يذهب ماؤها يومَ القيامة.
وقيل: المسجور الممسوك، ومنه ساجُور الكلب لأنه يمسكه ويحبسه. وقال محمد بن كعب القرظيّ والضَّحَّاكُ: يعني الموقَد المحمّى بمنزلة التَّنُّور المُحَمَّى، وهو قول ابن عباس (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -) ؛ لما روى أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً فيزاد بها في نار جهنم كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: 6] .
وروى عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «لاَ يَرْكَبَنَّ رَجُلٌ بَحْراً إلاَّ غَازِياً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ حَاجًّا، فَإِنَّ تَحْتَ البَحْرِ نَاراً وتَحْتَ النَّارِ بَحْراً» وقال الربيع بن أنس: المسجور المختلط العذب بالمالح. وروى الضحاك عن النّزّال بن سَبْرَةَ عن علي أنه قال: البحر المسجور: هو بحر تحت العرش، كما بين سبع سموات إلى سبع أرضين فيه ماء غليظٌ، يقال له: بحرُ الحيوان يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتون في قبورهم. وهذا قول مقاتل.
فصل
قيل: الحكمة في القسم بهذه الثلاثة أشياء أن هذه الأماكن الثلاثة وهي: الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور كانت لثلاثة أنبياء للخلوة بربهم والخلاص من الخلق وخطابهم مع الله. أما الطور فانتقل إليه موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وخاطب الله تعالى هناك وأما البيت المعمور فانتقل إليه محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وقال لربه: «سَلاَمٌ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، لاَ أُحصي ثناءَ عليك أنت كما أثنيتَ على نَفسك» . وأما البحر المسجور فانتقل إليه يونسُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، ونادى في الظلمات: ﴿أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ فصارت هذه الأماكن شريفة بهذه الأسباب فأقسم الله تعالى بها.
وأما ذكر الكتاب فلأن الأنبياء كان لهم في هذه (الأماكن) مع الله تعالى كلام والكلام في الكتاب (واقترانه بالطور أدل على ذلك؛ لأن موسى - عليه السلام - كان له مكتوبٌ ينزل عليه وهو بالطُّور) .
فصل
أقسم في بعض السور بجموع كقوله: ﴿والذاريات﴾ [الذاريات: 1] ﴿والمرسلات﴾ [المرسلات: 1] ﴿والنازعات﴾ [النازعات: 1] وفي بعضها بأفراد كقوله: «والطُّورِ» ولم يقل: والأَطوار والبِحار.
قال ابن الخطيب: والحكمة فيه: أن في أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحركات والريح الواحدة ليست بثابتة بل هي متبدِّلة بأفرادها مستمرة بأنواعها، والمقصود مِنْهَا لا يحصل إلا بالبَدَل والتَّغَيُّر، فقال: «والذاريات» إشارة إلى النوع المستمر، لا الفرد المعين المستقر، وأما الجبل فهو ثابت غير متغير عادة فالواحد من الجبال دائمٌ زماناً ودهراً، فأقسم في ذلك بالواحد، وكذلك في قوله:
﴿والنجم﴾ [النجم: 1] ، ولو قال: «والريح» لما علم المقسَمُ به، وفي الطور عُلِمَ.
قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ نازل وكائن. وقوله: «مِنْ دَافِعٍ» يجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً، وأن تكون صفة لواقع أي واقع غير مدفوع. قال أبو البقاء. و «مِنْ دَافِعٍ» يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ و «مِنْ» مزيدة على الوجهين.
فصل
قال جُبَيْرُ بْنُ مُطْعمٍ: قدمت المدينة لأكلمَ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أُسَارَى بدر فدفعت إليه وهي يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ «والطور» إلى قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾ فكأنما صُدِّع قلبي حين سمعت (هـ) ولم أَكُنْ أُسْلِمُ يومئذ قال: فأسلمتُ خوفاً من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقومَ من مكاني حتى يقع بي العذاب.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلطُّورِ","وَكِتَـٰبࣲ مَّسۡطُورࣲ","فِی رَقࣲّ مَّنشُورࣲ","وَٱلۡبَیۡتِ ٱلۡمَعۡمُورِ","وَٱلسَّقۡفِ ٱلۡمَرۡفُوعِ","وَٱلۡبَحۡرِ ٱلۡمَسۡجُورِ","إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِعࣱ","مَّا لَهُۥ مِن دَافِعࣲ"],"ayah":"وَكِتَـٰبࣲ مَّسۡطُورࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











