الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط﴾ الآية.
لما حثَّهُم على الانْقِيَاد للتَّكَالِيف، وهي مع كثرتها مَحْصُورَةٌ في نَوْعين: التَّعْظِيم لأمر اللَّه، والشَّفقة على خَلْقِ اللَّه.
قوله: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ﴾ إشارةٌ على التَّعْظيم لأمر اللَّه، ومعنى القيام للَّه: هو أن يَقُومَ للَّه بالحقِّ في كلِّ ما يَلْزَمه، وقوله: «شُهَدَاء بالقسطِ» إشارةٌ إلى الشَّفقة على خَلْقِ اللَّه، فيه قولان:
الأوَّل: قال عطاءُ: لا تُحاب من شهادتِكَ أهْل وُدِّك وقَرابتِك، ولا تمنع شهادتك أعداءَك وأضْدَادَك.
الثاني: أمرهم بالصِّدْق في أفْعالهم وأقوالهم، وتقدَّم نَظِيرُها في «النِّسَاء» ، إلاَّ أنَّ هناك قدَّم لَفْظَة «القِسْط» وهنا أخِّرَت، وكأنَّ الغَرَضَ في ذلك - والله أعلم - أنَّ آية «النِّسَاء» جِيء بها في مَعْرِض الإقْرَارِ على نَفْسِهِ ووالِدَيْه وأقَارِبِه، فَبُدِئ فيها بالقِسْطِ الذي هو العَدْلُ من غير مُحَابَاة نَفْسٍ، ولا والِدٍ، ولا قَرَابَةٍ، والَّتِي هنا جِيءَ بها في [مَعْرِض] ترك العداوة، فبُدِئ فيها [بالأمْر] بالقِيام لِلَّه، لأنَّهُ أرْدَعُ لِلْمُؤمنين، ثم ثُنِّي بالشَّهادة بالعَدْلِ، فَجِيءَ في كُلِّ مَعْرضٍ بما يُنَاسِبُه.
وقوله: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ» تقدَّم مثله، وكذلك «شَنَآنُ قَوْمٍ» .
قوله تعالى: ﴿على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ .
أي لا يحملَنَّكُم بُغْضُ قومٍ على أن لا تَعْدلُوا، وأراد: لا تَعْدِلوا فيهم فَحُذِفَ لِلْعِلْم به، وظُهُور حرف الجرِّ هنا يرجحُ تَقْدِيرهُ.
قيل: والمعنى: ولا يَحْمِلَنَّكُم [بُغْضُ] قوم على أن تجُورُوا عَلَيْهم، وتتَجاوزُوا الحدَّ، بل اعْدِلُوا فيهم، وإن أسَاءُوا إلَيْكم، وهذا خِطَابٌ عامٌّ، وقيل: إنَّها مُخْتَصَّةٌ بالكُفَّار، فإنَّها نزلت في قُرَيْشٍ لما صَدُّوا المُسْلِمين عن المَسْجِد الحَرَام.
قوله: ﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ .
نهاهم أوَّلاً عن أن يَحْمِلَهُم البَغْضَاءُ على ترك العدلِ، ثم اسْتَأنَفَ فصرَّح لهم بالأمْر بالعدْل تأكِيداً، ثم ذكر عِلَّة الأمْر بالعَدْل وهو قوله: ﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ، والمَعْنَى: أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من مَعَاصِي اللَّه، وقيل: أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من عَذَابِ اللَّه.
و «هُوَ» ضمير المَصْدرِ المَفْهُوم من الفِعْلِ أي: العدل، وفيه تَنْبِيهٌ على أنَّ وجوب العَدْلِ إذا كان مع الكُفَّار الذين هُمْ أعداءُ اللَّه بهَذِه الصِّفَة من القُوَّة، فَكَيْفَ بوجُوبِهِ مع المُؤمنين الذين هم أوْلِيَاؤُه وأحِبَّاؤُه، ثم ذكر كلاماً كالوعد للمُطِعين والوعيد للمُذْنِبِين، وهو قوله: ﴿اواتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ، يعني: [أنَّه] عالم بجميع المَعْلُومَات، لا يَخْفَى عليه شَيْءٌ من أحْوَالِكُمْ.
ثم ذَكَرَ وعْدَ المُؤمنين فقال: «وَعْدَ اللَّه. .» الآية.
واعلم أن «وَعْد» يتعدَّى لاثْنَيْن:
أوَّلهما: الموْصُولُ.
والثاني: [مَحْذُوف] أي الجنَّة.
وقد صرَّح بهذا المَفْعُول في غير هذا المَوْضِع، وعلى هذا فالجُمْلَةُ من قوله: «لَهُم مَغْفِرَةٌ» لا مَحَلَّ لها؛ لأنَّها مُفَسِّرة لذلك المَحْذُوف تَفْسِير السَّبَب للمُسَبّبِ، فإن الجَنَّة مسببة عن المَغْفِرَة، وحُصُول الأجْرِ العَظِيم، والكلام قبلها تَامٌّ بِنَفْسه.
وذكرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الآيَة احْتِمالاتٌ [أخَر] .
أحدها: أنَّ الجملة من قوله «لَهُم مَّغْفِرَةٌ» [بيان للوعد] ، كأنَّه قال: قدم لهم وَعْداً، فَقِيلَ: أيُّ شيء وَعَدَهُ؟ فقال: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها أيضاً، وهذا أوْلَى من الأوَّل؛ لأنَّ تفسير المَلْفُوظِ به أوْلَى من ادِّعاء تَفْسِير شَيْءٍ مَحْذُوف.
الثاني: أنَّ الجملة مَنْصُوبةٌ بقول محذوف، كأنَّه قيل: وعدهُم، وقال لهم: «مَغْفِرَة» .
الثالث: إجراء الوَعْدِ مجرى القَوْل؛ لأنَّه ضَرْبٌ منه، ويَجْعَل «وَعَدَ» واقعاً على الجُمْلَةِ الَّتِي هي قوله: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» ، كما وقع «تَرَكْنَا» على قوله تعالى: ﴿سَلاَمٌ على نُوحٍ﴾ [الصافات: 79] كأنه قيل: وعدهَمُ هذا القَوْل، وإذا وَعَدَهُمْ من لا يَخْلِفُ المِيعاد فَقَدْ وعدهم مَضْمُونَهُ من المَغْفِرَة والأجْرِ العَظِيم، أي: وعدهُم بهذَا المَجْمُوع، وإجراء الوَعْدِ مَجْرى القَوْل مذهب كُوفِيٌّ.
ثم ذكر وَعِيدَ الكُفَّار فقال: ﴿والذين كَفَرُواْ﴾ الآية.
«الذين كفروا» مبتدأ، و «أولَئِكَ» مُبْتَدأ ثانٍ، و «أصْحَابُ» خبره، والجُمْلَة خَبَرُ الأوَّل، وهذه الجُمْلَة مُسْتَأنَفَةٌ، آُتِي بها اسمية دلالة على الثُّبُوتِ والاسْتِقْرَارِ، ولم يُؤتَ بِها في سِيَاقِ الوعيد، كما أتى بالجُمْلَةِ قَبْلَها في سِيَاقِ الوَعْدِ حَسْماً لرَجَائهم، وأجاز بَعْضُهُمْ أن تكون هذه الجُمْلَة داخِلَةً في حَيِّز الوَعْد على ما تقدم تقريره في الجُمْلَةِ قبلها.
قال: لأنَّ الوعيدَ اللاَّحِقَ بأعْدائِهم ممَّا يَشْفِي صُدورهُمْ، ويُذْهِب ما كانوا يَجِدُونَهُ من أذَاهُمْ، ولا شَكَّ أن الأذى اللاَّحقِ للعَدُوِّ، مما يَسُرُّ، ويفرح ما عند عَدُوِّهِ، وفيه نظر، فإن الاسْتِئنَاف وافٍ بهذا المَعْنَى، فإن الإنْسَان إذا سَمِعَ خبراً يَسُوء عَدُوَّهُ سُرَّ بذلك، وإن لم يُوعد به، وقد يتقوى [صاحب] هذا القول المُتقدِّم بأن الزَّمَخْشَرِيَّ قد نحَا إلى هذا المَعْنَى في سورة ﴿سُبْحَانَ﴾ [الإسراء: 9، 10] .
قال: فإن قُلْتَ، علام عَطَف ﴿وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [الإسراء: 10] .
قلت: على ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ [الإسراء: 9] على أنه بُشرى للمؤمنين ببشارتيْن بثوابِهِم، وبعقَابِ أعْدَائهم، فجعل عِقاب أعدائِهِم داخِلاً في حَيِّز البشارَة فالبشارة هناك كالوَعْدِ هُنَا.
وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الخُلود في النَّار لَيْس إلا للكُفَّار؛ لأنَّ قوله: ﴿أولئك أَصْحَابُ الجحيم﴾ يفيدُ الحَصْر، والمُصَاحَبَةُ تَقْتَضِي المُلازَمَةَ، كما يقال: أصْحَاب الصَّحراء، أي: المُلازِمُون لها.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ","وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرٌ عَظِیمࣱ","وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق