الباحث القرآني
وقد تقدَّم الكلام على نَظِير قوله: «وَلَوْ أنَّ» .
واعلم أنَّهُ تعالى لما بالغَ في ذَمِّهِمْ وتهجين طريقهِم، بيَّن أنهم لو آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واتقَوْا لكفَّرنَّا عنهم سَيِّئاتِهِمْ، ولأدْخلْنَاهُمْ جَنَاتِ النَّعِيم.
فإن قيل: الإيمانُ وحدهُ سبب مسْتَقِلٌّ [باقتضاء تكفير] السَّيِّئَاتِ، وإعْطَاء الحَسَناتِ، فلم ضمَّ إلَيْه شَرْطٌ آخر وهُو التَّقْوَى.
فالجوابُ: أنَّ المُراد كَوْنه آتياً الإيمان لِغَرَض التَّقْوى، والطَّاعة لا لغرضٍ آخر من الأغْرَاض العَاجِلَة كما يفعله المُنَافِقُون.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل﴾ الآية لما بيَّن تعالى في الآية الأولى أنَّهُم لو آمَنُوا لفَازُوا بسَعَادة الآخِرة، بيَّن في هذه الآية أيْضاً، أنَّهُمْ لو آمَنُوا لفَازُوا بسَعَادةِ الدُّنْيَا ووجدُوا طَيِّبَاتِهَا وخَيْرَاتِها، وفي إقَامَةِ التَّوْرَاةِ والإنْجِيل ثلاثةُ أوْجُه:
أحدها: أن يعملوا بما فيهما من الوَفَاءِ بالعُهُودِ، ومن الإقْرَار باشْتِمَالهما على الدَّلائل الدَّالَّة على بَعْثَةِ محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -.
وثانيها: أنَّ المراد إقامَةُ أحْكَامِهِمَا وحُدُودِهمَا، كما يُقَال: أقامَ الصَّلاة إذا قام بِحُدُودِهَا وحُقوقِهَا، ولا يُقَال لمن لم يُوَفِّ بشَرَائِطها أنَّهُ أقَامها.
وثالثها: [أنَّ المراد] جعلوهما نصْبَ أعيْنِهِم، لئلاَّ يَزِلُّوا في شَيْء من حدُودِهِمَا.
وقوله تعالى: ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ يعني: القُرْآن وقيل: كتب أنبياء بني إسرائيلَ مثل كُتُبِ شُعَيْبٍ، وكتاب حَيقُوق، وكتاب دَانْيَال، فإنَّ هذه الكتب مملوءة من البشَارَة بِمَبْعَثِ محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -.
قوله تعالى: ﴿لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ﴾ : مفعولُ الأكْلِ هنا محذوفٌ اقتصاراً، أيْ: لوُجِدَ منهم هذا الفعلُ، و «منْ فوقِهِمْ» متعلِّقٌ به، أي: لأكَلُوا من الجهَتَيْنِ، وقال أبو البقاء: «إنَّ» مِنْ فوْقِهِمْ «صفةٌ لمفعول محذوفٍ، أي: لأكَلُوا رِزْقاً كَائِناً مِنْ فَوْقِهِمْ» .
فصل
اعلم أنَّ اليهود لما أصَرُّوا على تَكْذِيب سيِّدنا محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - أصابَهُمُ القَحْطُ والشِّدَّةُ، وبلغُوا إلى حيث قالوا: ﴿يَدُ الله مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: 64] ، فبيَّن اللَّه لَهُمْ أنَّهُم لو تركوا ذَلِك الكُفْر لانْقَلَب [الأمر] وحصل الخَصْبُ والسَّعَة.
قوله تعالى: ﴿لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ .
قيل: المراد منه المُبالغُة في شرْحِ السَّعَةِ والخَصْب، والمعنى: لأكلوا أكلاً مُتَّصِلاً كثيراً، كما يُقال: «فلان في الخَيْرِ مِنْ فَوْقِهِ إلى قَدَمِهِ» يريدُ كَثْرَةَ الْخَيْرِ عنده؛ قالَهُ الفَرَّاءُ.
وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: المراد «مِنْ فَوْقِهِمْ» نُزُول المَطَرِ، و ﴿وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ خرُوج النَّبَات كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض﴾ [الأعراف: 96] ، وقيل: الأكل من فَوْقٍ كَثْرَة الأشْجَار المُثْمِرة، ومن تَحْتِ الأرْجُل الزُّروع المغلة، وقيل: يَرْزُقُهم الله تعالى الجِنَانَ البَالِغَةَ الأشْجَار المُثْمِرة، ومن تَحْتِ الأرْجُل الزُّروع المغلة، وقيل: يَرْزُقُهم الله تعالى الجِنَانَ البَالِغَةَ الثِّمَار ما يَنْزِلُ مِنْهَا من رُؤوس الشَّجر، ويلتقطون ما تساقَطَ على الأرض مِنْ تَحْت أرجلهم، وهذا إشارة إلى ما جَرَى على اليَهُود من بَني قُرَيْظَة وبني النَّضِير، من قطع نَخِيلهِمِ، وإفساد زُرُوعهم وقوله تعالى: «مِنْهُمْ» خبر مقدَّم، و «أمَّةٌ» فاعلاً بالجار، وقوله:» ﴿مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ تنويعٌ في التفصيل، فأخبر في الجملة الأولى، بالجارِّ والمجرور، ووصف المبتدأ بالاقتصادِ، ووصف المبتدأ في الجملة الثانية ب «مِنْهُمْ» ، وأخبر عنهم بأنَّهم من جملة أهل الكتاب؛ فإنَّ الوصف ألزمُ من الخبر؛ فإنهم إذا أسلموا، زالَ عنهم هذا الاسمُ، وأما الطائفة الثانية، فإنهم وصفوا بكونهم من أهْلِ الكتاب؛ فإنَّ الوصفَ ألزمُ، وهم كفَّار فهم منهم، وأخبر عنهم بالجملة الذَّمِّيَّة، فإنَّ الخبر ليس بلازمٍ، وقد يُسْلِمُ منهم ناسٌ، فيزول عنهم الإخبارُ بذلك.
فصل
المُراد بالأمَّة المُقْتَصِدَة: مؤمِنُو أهْلِ الكِتَاب، كعَبْدِ اللَّهِ بنْ سلام من اليَهُود والنَّجَاشِيِّ من النَّصَارى، «مُقْتَصِدَة» أي: عادِلَةٌ غير غَالِية ولا مقصِّرة، والاقتصادُ في اللُّغَة: الاعتِدَال في العمل من غير غُلُوِّ ولا تَقْصِير.
وقيل: المُرَاد بالأمَّةِ المقْتَصِدَةِ: كُفَّارُ أهل الكتاب الذين يكنون عُدُولاً في دينهِم، ولا يكون فيهم عِنَادٌ شديدٌ ولا غِلْظَةٌ، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: 75] .
{"ayahs_start":65,"ayahs":["وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَـٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق