الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ﴾ هذاإرشاد للذين قالوا آمنّا؛ بين لهم حقيقة الإيمان فقال: إنْ كُنتمْ تريدون الإيمان فالمؤمن من آمن بالله ورسوله ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾ أي لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأن الإيمان إيقانٌ. و «ثُمَّ» للتراخي في الحكاية كأنه يقول: آمنوا ثم أقول شيئاً آخر لم يرتابوا. ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل، أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الحشر والنَّشْر ﴿وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي ايقنوا أن بعده هذه الدار دارٌ أخرى فجاهدوا طالبين العُقْبَى ﴿أولئك هُمُ الصادقون﴾ في إيمانهم. فإن قيلأ: كيف يجوز أن يكذبوا في الإسلام، والإسلام هو الانقياد وقد وجد منهم قولاً وفعلاً، وإن لم يوجد اعتقاداً أو علماً، وذلك القدر كاف في صدقهم في قولهم: إِنَّا أَسْلَمْنَا؟! . فالجواب: إن التكذيبَ يقع الى وجهين: أحدهما: إن لا يوجد نفس المخبر عنه. والثاني: إن لا يوجد كما أخبر في نفسك، فقد يقول له: ما جئتنا بلْ جئتَ للحاجة، فالله تعالى كذبهم في قولهخم: آمنّا على الوجه الأوَّل أي ما آمنتم أصلاً، ولم يصدقهم في الإسلام على الوجه الثاني فإنهنم انقادوا للحاجة وأخذ الصدقة. فصل لما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَحْلِفُون بالله أنهم مؤمنون صادقون وعرف الله غير ذلك منهم فنزل الله: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ﴾ ، والتعليم ههنا بمعنى الإعْلام فلذلك قال: بِدِينكم، أدخل الباء فيه؛ لأنه منقول بالتضعيف من علمت به بمعنى شعرت به فلذلك تعدت لواحد بنفسها، ولآخر بالباء. والمعنى لا تعرفوا الله بدينكم فإنه عالم به لا يخفى عليه شيء، لأنه يعلم ما في السموات وما في الأرض، ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يحتاج إلى إخباركم. قوله (تعالى) : ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ﴾ يجوزم في قوله: أَنْ أَسْلَمُوا وجهان: أحدهما: أنه مفعول به لأنّه ضمن يمنون معنى يُعِيدُونَ كأنه قيل: يعيدون عليك إسلامهم مانِّين به عليك ولهذا صرح بالمفعول به في قوله: ﴿قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ أي لا تُعيدوا عليَّ إسلامكم. كذا استدل أبو حَيَّان. وفيه نظر، إذ لقائل أن يقول: لا نسلم انتصاب «إِسْلاَمَكُمْ» على المفعول به، بل يجوز فيه المفعول من أجله كما يجوز في محل «أَنْ أَسْلَمُوا» وهو الوجه الثاني فيه أي يمنون عليك لأجل أن أَسْلَمُوا فكذلك في قوله: ﴿لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ ، وشروط النصب موجودة والمفعول له متى كان مضافاً اسْتَوَى جرّه بالحرف ونصبه. قوله: ﴿بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ يعني لا مِنَّةَ لَكُمْ عَلَيْنَا أَصْلاً، بل المنة عليكم حيث بينْتُ لكم الطرق المستقيم. قوله: ﴿أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ﴾ أعرابه كقوله: «أن أَسْلَمُوا» . وقرأ زيد بن علي: إِذْ هَدَاكُمْ بِإِذْ مَكَانَ «أنْ» وهي في مصحف عبد الله كذلك. وهي تفيد التعليل، وجواب الشرط مقدر أي فَهُوَ المَانُّ عليكم لا أَنتم عَلَيْه وعَلَيَّ. فإن قيل: كيف مَنَّ عليهم بالهداية إلى الإيمان مع أنه تبين أنهم لم يؤمنوا؟ . فالجواب من ثلاث أوجه: أحدها: أنه تعالى لم يقل: بل الله يمن عليكم أن رزقكم الإيمانَ بلْ قال: أنْ هَدَاكُمْ للإِيمان. وثانيها: أنَّ إرسال الرسول بالآيات البينات هدايةٌ. ثالثها: أنه تعالى يمنُّ عليهم بما زعموا فكأنه قال: أنتم قلتم آمنا فذلك نعمة في حقكم حيث تخلصتم من النار فقال: هداكم في زعمكم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ . ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ... ﴾ الآية؛ وهذا تقرير لأول السورة حيث قال: «إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ» ، فأخبر ههنا عن علمه وبصره. قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ قرأ ابن كثير بالغيبة، نظراً لوقله: يَمُنُّونَ وما بعده، والباقون بالخطاب، نظراً إلى قوله: لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ إلى آخره، وفي هذه الآية إشارة أنه يُبْصرُ أعمال جوارحكم الظاهرة والباطنة، لا يخفى عليه شيءٌ. قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَة الحُجُرَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الأَجْر عَشْرَ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ مَنْ أَطَاعَ اللهَ وَعَصَاهُ» (انتهى) . سورة ق
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب