الباحث القرآني
قوله: ﴿إِنَّ هؤلاء لَيَقُولُونَ﴾ يعني مشركي مكة، ليقولون: ﴿هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ بمبعوثين بع موتنا. واعلم أنه رَجَعَ إلى ذكر كفار مكة؛ لأن الكلام كا فيهم حيث قال: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ [الدخان: 9] أي بل هم في شك من البعث والقيامة. ثم بين كيفية إصرارهم على كفرهم ثم بين أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر مثلهم، وبين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ثم رجع إلى كفار مكة وإنكارهم للبعث فقال: ﴿هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى﴾ .
فإن قيل: القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية، فكان من حقهم أن يقولوا: إن هذي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين.
فالجواب: قال الزمخشري: إنه قيل لهم: إنكم تموتون موتةً يَعْقُبُهَا حياةٌ كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد يعقبها حياة، كقوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة: 28] فقالوا: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى﴾ يريدون: مال الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى خاصة، ولا فرق إذن بين هذا الكلام وبين قوله: «إن هِيَ إلاَّ حَيَاتُنا الأُولى» . قال ابن الخطيب: ويمكن وجه آخر وهو أن قوله: ﴿إن هي إلا موتننا الأولى﴾ ، يعنى أنه لا يأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى وهذا الكلام يدل على أنه لا يأتيهم الحاية الثانية ألبتةَ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ . ولا حاجة إلى التكليف الذي ذكره الزمخشري. ثم إنَّ الكفار احتجوا على نفي الحشر، والنشر بأن قالوا: إن كان البعث والنشر ممكناً معقولاً فعجَّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا إن كنتم صادقين في دعوى النبوة والبعث في القيامة.
قيل: طلبوا من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يَدْعُوا الله حتى ينشر قصَيَّ بْن كِلاَب، ليشاوروه في صحة نبوة محمد وفي صحة البعث. ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ وهذا استفهام على سبيل الإنكار قال أبو عبيدة: (ملوك اليمن) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً؛ لأن أهل المدينة كانوا يتبعونه، وموضع ( «تبع» ) في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظِمُ من ملوك العرب قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كان تُبَّعٌ رَجُلاً صالحاً. وقال كَعْبٌ: ذَمَّ الله ولَمْ يَذُمَّه وقال الكلبي: هو أو كرب (أبو) أسعد. وعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لاَ تَسُبُّوا تبَّعاً فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ» وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَا أَدْرِي أَكَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا أَمْ غَيْرَ نَبِيٍّ»
واقل قتادة: هو تبَّعٌ الْحِمْيَريّ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة وبنى سمرقند، وكان من ملوك اليمن يسمى تُبَّعاً لكثرة أتباعه، كل واحد منهم يسمى تبعاً، لأن يتبع صاحبه، وكان هذا يعبد النار، فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام، وهم حِمْيَر. فكذبوه. (قال ابن إسحاق: وكان اسمه بيان أسعد أبو كرب وقصَّتُهُ مسرودة؛ لأ، هـ كان يعبد الأوثان، وأنه أسلم على يد حَبْرَيْنِ عالميْن، وأنه أتى البيت الحرام فطاف به، ونحر عنده، وحلق رأسه، وأقام بمكة ستة أيا ينحر بها للناس ويُطْعِمُ أهلها ويسقيهم العسل، وأُري في المنام أن يكْسُوَ البيت، فكساه الخَصَفَ، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري، ثم أري يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملا والوصائل. وكان تبع أول من كسا البيت وأوصى به ولاته من خزاعة فأمرهم بتطهيره، وأن يقربوه دَماً ولا مِيتةَ، ولامِيلاَثاً، وهي المحايِضُ وجعل له باباً ومفتاحاً، وقصته مع الحَبْرَينِ مشْهُورة وأيضاً وأنه رَجَعَ إلى اليمن وتبع الحبرين على دينهما ولذك كان أصل دين الهيودية باليَمَنِ) .
فإن قيل: ما معنى قوله: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ مع أنه لا خير في الفريقين؟
فالجواب: أن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى: ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾ [القمر: 43] بعد ذكر آلِ فِرْعَوْنَ.
قوله: ﴿والذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون معطوفاً على قوم «تُبَّع» .
الثاني: أن يكون مبتدأ، وخبره ما بعده من: «أَهْلَكْنَاهُمْ» وأما على الأول: «فأَهْلَكْنَاهُمْ» إما مستأنفٌ وإما حال من الضمير المستكنِّ في الصلة.
الثالث: أن يكون منصوباً بفعل مقدر يفسره «أَهْلَكْنَاهُمْ» ولا محلّ ل «أهلكناهم» حينئذ.
قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ﴾ لما أنكر على كفار مكة قولهم ووبخهم بأنه أضعف ممن كان قبلهم ذكر الدليل القاطع على صحة القول بالعبث والقيامة، فقال: ﴿وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين﴾ أي لو لم يحصل البعث لكان هذا الخلق لعباً وعبثاً وقد تقدم تقدير هذا الدليل في أول سورة يونس، وفي آخر سورة المؤمنين عند قوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115] وفي «ص» عند قوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾ [ص: 27] وتقدم أيضاً استدلال المعتزلة بنظير هذه الآية على أنه تعالى لا يخلق الكفر والشرك ولايريدهما وتَقَدّمَ جَوَابُهُمَا.
قوله: «لاَعِبِينَ» حال. وقرأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْد: وَمَا بَيْنَهُنَّ، لأن السموات والأرض جمعٌ. والعامة: «بينهما» باعتبار النوعين.
قوله «إلاَّ بالْحَقِّ» حال إما من الفاعل وهو الظاهر وإما من المفعول أي إلاَّ مُحِقِّينَ أو ملتبسين بالحق ثم قال: ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يعني أهل مكة) .
{"ayahs_start":34,"ayahs":["إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ لَیَقُولُونَ","إِنۡ هِیَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِینَ","فَأۡتُوا۟ بِـَٔابَاۤىِٕنَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","أَهُمۡ خَیۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعࣲ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ مُجۡرِمِینَ","وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا لَـٰعِبِینَ","مَا خَلَقۡنَـٰهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"إِنۡ هِیَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











