الباحث القرآني

كما رَغَّبَ في الجِهَادِ، أتْبَعَ ذلِك ببَيَانِ أحْكَام الجِهَاد، ومن أحْكَامه: التَّحْذِير عن قَتْل المُسْلِمِين على سبيل العَمْدِ والخَطَأ وعلى تأويل الخَطَأ، ثم أتْبَعَهَ بحُكْم آخر؛ وهو بَيان فَضْل المُجَاهِد على غَيْرِه. وقيل: لما عاتبهم على قَتْل المتكَلِّم بالشَّهادة، فلعَلَّه وَقَعَ في قُلُوبهم أن الأوْلى الاحْتِرَاز عن الجِهَادِ؛ للوقوع في مِثْل هذا المَحْذُورِ فذكر عَقِبه فَضْل المُجَاهد على غَيْره؛ إزالَة لهذه الشُّبْهَة. قوله «غير أولي الضرر» قرأ ابن كثير وأبو عَمْرو وحَمْزَة وعَاصِم: «غير» بالرفع، والباقون: بالنَّصْب، والأعْمَش: بالجرِّ. والرَّفع على وجهَيْن: أظهرهما: أنه على البَدَل من «القاعدون» وإنما كان هذا أظْهَر؛ لأن الكَلاَم نفي، والبدلُ معه أرْجَحُ؛ لما قُرِّر في علم النَّحْو. والثاني: أنه رَفْعٌ على الصِّفَة ل «القاعدون» ، ولا بد من تأويل ذلك؛ لأن «غير» لا تتعَرَّفُ بالإضَافَة، ولا يَجُوز اختِلاَفُ النَّعت والمَنْعُوت تعريفاً وتنكيراً، وتأويله: إمَّا بأن القاعِدِين لَمَّا لم يَكُونوا نَاساً بأعْيَانِهِم، بل أُرِيد بهم الجَنْسُ، أشْبَهوا النَّكِرة فَوُصِفوا كما تُوصَف، وإمَّا بأن «غير» قد تَتَعَرَّف إذا وقَعَت بين ضِدَّين، وهذا كما تَقَدَّم في إعْرَاب ﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم﴾ [الفاتحة: 7] في أحَد الأوْجُه، وهذا كلُّه خُرُوج عن الأصُول المقرَّرة، فلذلك اخْتِير الأوّل؛ ومثله: [الرمل] 1866 - وَإذا أقْرِضْتَ قَرْضَاً فَاجْزِهِ ... إنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى غَيْرُ الْجَمَلْ برفع «غير» كذا ذكره أبو عَلِيّ، والرِّوَاية: «لَيْسَ الجَمَلْ» عند غَيْره. وقال الزَّجَّاج: ويجُوزُ أن يكُون «غير» رفعاً على جِهَة الاستِثْنَاءِ، والمعنى: لا يَسْتَوِي القَاعِدُون من المُؤمنين والمُجَاهِدُون، إلا أولي الضَّرَر فإنَّهم يساوون المُجَاهِدِين، أي: الذين أقعدهم عن الجِهَاد الضَّرر، والكَلامُ في رفع المُسْتَثْنَى بعد النفي قد تقدم عِند قوله: ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66] . والنَّصْب على [أحد] ثلاثة أوْجُه: [الأوّل] : النَّصْبُ على الاستِثْنَاء من «القاعدون» [وهو الأظهر؛ لأنه المحدَّثُ عَنْهُ، والمعنى: لا يَسْتَوِي القَاعِدُون] إلا أولِي الضَّرَر، وهو اخْتِيَار الأخْفَش. والثاني: من «المؤمنين» وليس بِوَاضِح. والثالث: على الحَالَ من «القاعدون» [والمعنى: لا يستوي القاعدون] في حَالِ صِحَّتهم والمُجَاهِدون؛ كما يُقَال: جاءَني زيد غير مَرِيضٍ، أيك جاءني زَيْد صَحِيحاً، قاله الزَّجَّاج والفراَّء؛ وهو كقوله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصيد﴾ [المائدة: 1] . والجرُّ على الصفَة للمؤمنين وتأويله كما تقدم في وجه الرفع على الصفة. قال الأخْفَش القراءة بالنَّصْب على الاستثنَاء أوْلَى؛ لأن المَقْصُود منه استِثْنَاء قوم لم يَقْدرُوا على الخُروج؛ كما روي في التَّفْسير أنه لما ذكر الله - تعالى - فضيلة المُجَاهِدِين، جاء قَوْمٌ من أولي الضرر، فقالوا للنَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: حالتنا كما تَرَى، ونحن نَشْتَهِي الجَهِاد، فهل لنا من طَرِيقٍ؟ فنزل ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضرر﴾ فاستثناهم الله - تعالى -. وقال آخرون: القِرَاءة بالرَّفع أولى؛ لأن الأصْل في كلمة «غَيْر» أن تكون صفة، كانت القراءة بالرَّفْع أوْلَى. فالضَّرر النُّقْصَان، سواء كان بالعَمَى أو العَرَج أو المَرَض، أو بسبب عَدَمِ الأهْبَة. فصل روى ابن شهاب عن سَهْل بن سعد السَّاعِدِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -؛ أنه قال: «رأيتُ مَرْوَان بن الحكم جَالِساً في المَسْجِد، فأقَبْلت حَتَّى جلست إلى جَنْبِه، فأخبرنا أن زَيْد بن ثَابتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أخبره؛ أن رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أملَى عَلَيه» لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله «، قال: فجاء ابنُ أمِّ مَكْتُوم وهو يُمْلِيها عليَّ، فقال: يا رسُول الله، لو أستطيعُ الجِهَاد لجَاهَدتُ، وكان رجلاً أعْمَى، فأنزل الله - تعالى - عليه وفخذُهُ على فَخْذِي، فثقلتْ عليّ حَتَّى خشفْتُ أن ترضَّ فَخذِي، ثم سري عنه» ، فأنزل الله: «غير أولي الضرر» في فضل الجهاد والحثِّ عليه. روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -؛ «أنَّ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لمّا رَجَع من غَزْوَة تَبُوك، فَدَنَا من المَدِينَة فقال:» إن في المَدِينَة لأقْوَاماً ما سرتُمْ من مسيرٍ ولا قَطَعْتُم من وَادٍ وإلا كَانُوا مَعَكُم فيه، قالوا: يَا رسُول الله وَهُم بالمَدِينَة؟ قال: نعم وهم بالمدينة حبَسهم العذر» ، وروى مقسم عن ابْن عبَّاس؛ قال: «لا يستوي القاعدون من المؤمنين» عن بَدْر، والخَارِجُون إلى بدر. وقوله: «في سبيل الله بأموالكم» كلا الجارَّيْن متعلِّق ب» المُجَاهِدُون «و» المُجَاهِدُون «عَطْف على القَاعِدُون. فصل اخْتَلَفُوا في هذه الآية: هل تَدُلُّ على أن المُؤمنين القَاعِدِين الضْراء، يُسَاوُون المجاهدين أم لا؟ . قال بعضهم: لا تدل؛ لأنا إن حملنا لفظ» غَيْر «على الصفَة، وقلنا: [إن] التَّخْصِيص باصِّفَة لا يدل على نَفْي الحُكْم عمّا عَدَاه، لم يلزم ذلك، وإن حَمَلْنَاه على الاستِثْنَاء، وقلنا: [إن] الاستثناء من النَّفي ليس بإثْبَات، لم يلزم ذلك، أمَّا إذا حَمَلْنَاه على الاستثناء وقلنا: الاستثناء من النَّفْي إثبات، لزم القَوْل بالمُسَاوَاة. واعلم أن هذه المُسَاواة في حق الأضْرَاء، عند من يَقُول بها مَشْرُوطة بشَرْط آخر ذكره الله - تعالى - في سُورة التَّوْبة، وهو قوله: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى﴾ [التوبة: 91] إلى قوله: ﴿إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: 91] ، ويدل على المُسَاواة ما تقدَّم في حَدِيث غزوة تَبُوكٍ. وتقرير ذلك قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «إن بالمدِينَةِ قَوْماً ما سلكتُم وادِياً إلاَّ كَانُوا مَعَكُم» ، وقال عليه السلام: «إذا مَرِضًَ العَبْدُ قال الله - تعالى -: اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ» . وقال المُفَسَِّرون في قوله - تعالى -: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ [التين: 5، 6] ؛ أن من صَار هرماً، كتب له أجْر عمله قبل هرمه غير مَنْقُوص، وقالوا في تَفْسِير قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - «نِيَّة المُؤْمَن خَيْرٌ من أجْر عَمَلِهِ» إن المُؤْمِن يَنْوِي الإيمان والعمل الصَّالح، لو عاش لهذا لا يحصَّل له ثواب تلك النِّيَّة أبداً. قوله - تعالى -: ﴿فَضَّلَ الله المجاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين دَرَجَةً﴾ لما بيَّن [تعالى] أن المُجاهدين والقاعِدين لا يَسْتَويان، ثم إن عَدَم الاسْتِوَاء يَحْتَمل الزِّيَادة والنُّقْصَان، لا جرم بَيَّنَه الله - تعالى -. قوله: «درجةً» في نصبه أربعة [أوْجُه:] أحدها: أنها مَنْصُوبة على المَصْدر؛ لوقوع «درجة» موقع المَرَّة من التَّفْضِيل؛ كأنه قيل: فَضَّلهم تَفْيلة، نحو: «ضَرَبْتُه سَوْطاً» وفائدة التنكير التَّفْخِيم. الثاني: أنها حَالٌ من «المُجَاهِدِين» أي: ذوي درجة. الثالث: مَنْصُوبة انتصابَ الظَّرْف، أي: في دَرَجَةٍ ومَنْزِلة. الرابع: انْتِصَابها على إسْقَاط الجَارِّ أي: بِدَرَجة. فلما حُذِف الجَارُّ، وَصَل الفِعْل فعَمِل، وقيل: نُصِب على التَّمْيييز. قوله: «وكلاًّ وعد الله الحسنى» «كلاًّ» مَفْعُول أول ل «وَعَد» مُقَدماً عليه، و «الحُسْنَى» مفعول ثان، وقرئ: «وكُلٌّ» على الرَّفْع بالابتداء، والجُمْلَة بعده خبره، وتالعَائشد مَحْذُوف، أي: وعده؛ وهذه كَقِرَاءة ابن عامر في سورة الحديد: ﴿وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ [الحديد: 10] . والمعنى: كلاًّ من القاعِدِين والمُجاهِدِين، فقد وَعَدَه الله الحُسْنَى. قال الفُقَهِاء: وهذا يَدُلُّ على أن الجِهَاد فرض كِفَايَةٍ، وليس على كُلِّ واحدٍ بِعَيْنِه؛ لأنه - تعالى - وعد القاعِدِين الحُسْنَى كما وعَد المُجَاهِدِين، ولو كان الجِهَادُ واجِباً على كلِّ أحدٍ على التَّعْيين، لما كان القَاعِدُ أهْلاً لوعد الله إيَّاه الحُسْنَى. وقيل: أراد ب «القَاعِدِين» هنا: أولِي الضَّرَر، فضَّل الله المُجَاهشدِين عليهم دَرَجَة؛ لأن المُجَاهِد باشَر الجِهَاد مع النِّيَّة، وأولُوا الضَّرر لهم نِيَّة بلا مُبَاشَرة، فنزلوا عَنْهُم درجَة وعلى هذا نزول الدَّلالة. قوله - تعالى -: ﴿وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً﴾ في انتصاب «أجراً» أربعة أوجُه: أحدها: النَّصْب على المَصْدَر من مَعْنَى الفِعْل الذي قَبْلَه لا من لَفْظَه؛ لأن مَعْنَى «فَضَّلَ الله» : آجرَ؛ فهو كقوله: أطْرُهُم أجْرٌ، ثم قوله - تعالى -: ﴿دَرَجَاتٍ مِّنْهُ [وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً﴾ بدل من قوله: «أجْراً» . الثاني: أنه انْتَصَب على إسْقَاط الخافِضِ، أي: فضلهم بأجْر. الثالث: النَّصْب على أنَّه مَفْعُول ثاني؛ لأنه ضَمَّن فضَّل معنى أعْطَى، أي: أعْطَاهُم أجراً تفضلاً مِنْه. الرابع: أنه حالٌ من درجات] . قال الزمخشري: «وانتصب» أجْراً «على الحَالِ من النّكرة التي هي» دَرَجَاتٍ «مقدَّمةًعليها» وهو غير ظَاهِر؛ لأنه لو تأخَّر عن «دَرَجَاتٍ» لم يَجُز أن يَكُون نعتاً ل «دَرَجَاتٍ» لعدم المطابقة؛ لأنَّ «درجات» جَمْع، و «أجْراً» مفرد، كذا ردَّه بعضهم، وهي غَفْلَة؛ فإنَّ «أجراً» مَصْدرٌ، والأفْصَح فيه يُوَحَّدَ ويُذَكَّر مكلقاً، [وقيل: انتصب على التَّمْيِيز، و «دَرَجَاتٍ» عَطْف بَيَان] . قوله - تعالى - «درجات» فيه سِتَّة أوجه: الأربعة المذكورة في «دَرَجَة» . والخامس: أنه بدلٌ من «أجْراً» . السادس ذكره ابن عَطِيَّة أنه منصوبٌ بإضْمَار فعلٍ، على أن يكون تَأكِيداً للأجْرِ، كما تقول: «لك عليَّ ألفُ دِرْهَمٍ عُرْفاً» كأنك قُلْت: أعْرِفُها عُرْفاً، وفيه نظر، و «مغفرة ورحمة» عطف على «دَرَجَاتٍ» ، ويجُوز فيهما النَّصْب بإضْمَار فِعْلِهِمَا [تَعْظِيماً] ، أي: وغَفَرَ لهم مَغْفِرَةً، ورحِمَهُم رَحْمَةً. فأن قيل: إنه - تعالى - لِمَ ذَكَرَ أولاً «دَرَجَة» وهَهُنَا «دَرَجَاتٍ» ؟ فالجواب من وُجوه: أحدها: ليس المُراد بالًَّدرجة الوَاحِدَةَ بالعَدَدِ، بل الوَاحِدِ بالجِنْسِ، فيدْخُل تحته الكَثير بالنَّوْعِ. وثانيها: أن المُجَاهِد أفضَل [بالضَّروُرة] من القَاعِد المَضْرُور [بدرجَةِ] ومن القَاعِدِ الصَّحيح [بدَرَجَات] وهذا على القَوْل بعدم المُسَاواةِ بينَ المُجَاهِدِين والأضِرَاءِ. وثالثها: فضَّلَ المُجَاهِدين في الدُّنَيَا بدرجَة واحدة، وهي الغَنِيمَة، وفِي الآخِرة بدرجَات كَثيِرة في الجَنَّة. ورابعها: أن المُراد ب «المُجَاهِدين» في الأولى: المُجَاهِدِين بأمْوَالِهِم وأنفُسِهِم، وههنا المراد ب «المُجَاهِدين» : من كان مُجَاهِدَاً على الإطْلاق في كُلِّ الأمُور، وأعنِي: في عمل الظَّاهِرِ؛ كالجهاد بالنفس والمَالِ والحج، وعلى العباداتِ كُلِّها، وفي أعْمَال القلُوب وهو أشرف أنْوَاعِ الجِهَاد؛ لأنه صَرْف القَلْبِ من الالْتِفَات إلى غَيْر الله إلى الاستغَراقِ في طَاعَةِ الله. فصل ذكر المفسِّرون معنى «الدرجات» . قال ابن جبير في هذه الآيةِ هي سَبْعُونَ دَرَجَة، ما بَيْن كل دَرَجَتَيْن عَدْو الفَرَسِ الجَوَادِ المضمر سَبْعين خريفاً. وقيل: الدَّرَجَاتِ هي الإسْلام والهِجْرَةِ والجِهَادِ والشَّهَادَة، فاز بها المُجَاهدُِون. فصل: في حكم الجهاد والجهاد في الجُمْلَةِ فَرضٌ، غير أنه يَنْقَسِم إلى فَرْضِ العَيْنِ وفَرْضِ الكِفَاية، ففرض العَيْنِ أن يَدْخُلَ العَدُوُّ دارَ قوم من المُؤمِنِيِن، فيجب على كُلِّ مكَلَّفِ من الرِّجَالِ ممن لا عُذْرَ له مِنْ أهْلِ تلك البَلْدَةِ الّخُرُوج إلى عَدِّهم، حراً كان او عبداً، غنياً كان أو فقيراً، دفعاً عن أنفسهم وعن جِيِرانِهِم، وهو في حَقِّ من بَعُد مِنْهُم من المُسْلِمين عَوْنُهم، وإن وقعت الكِفَايَة بالنَّازِِلين بهم، فلا فرضَ على الأبْعَدين، ولا يَدْخُل في هذا القِسْم العَبيد والفُقَراء، فإذا كان الكُفَّار قَادِرِين في بِلادهم، فعلى الإمَام ألا يُخَلَّي كلَّ سَنَة عن غَزْوَة يغزوها بِنَفْسِه أو بسَراياه، حتى لا يكُون الجِهَاد مُعَطلاً. فصل: رد شبهة الشيعة قال الشِّيعة: عَلِيُّ كان مِن المُجَاهِدِين، وأبو بكر من القَاعِدِين، فيكون عَلِيٌّ أفْضَل، للآية، فيُقَالُ لهم: مباشَرَة علي للقِتَالِ أكثر مُبَاشَرَةً من النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فيكون أفْضَل منه، وهذا لا يَقُولُه عَاقِلٌ، فإن قالوا: جِهَاد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنه في إظْهَارِ الدِّين بتَقْرير [الأدلة] قُلْنَا: وكذلك أبُو بَكْر، سعى في إظْهَارِ الدِّين في أوّل الإسْلام وضَعْفِه، وجِهَاد عَلِيَّ كان وهو في الدِّين بعد ظُهُور الإسْلام وقُوَّتِه، والأوّل أفضل، وأيضاً: فجهَاد أبِي بكر كان بالدَّعْوَةِ إلى الدِّين، وأكثر أفاضل العَشْرَة أسْلَمُوا على يَدِهِ، وذلك حِرْفَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وجهاد عَلِيٍّ كان بالقَتْل، والأوّل أفضل. فصل: رد شبهة المعتزلة [قالت المعتزلة] لما كان التَّفَاوُت في الثواب بحسب التَّفاوُت في العَمَل، دَلَّ على أن عِلَّة الثَّوابِ هو العَمَل، وأيضاً لو لم يكن العَمَل مُوجِباً للثَّوَاب، لكان الثَّوَاب هِبَةً لا أجراً، والله - تعالى - سمَّاه أجراً. فالجواب: أن العملَ عِلَّةُ الثَّوابِ، بجعل الشَّارع لا بِذَاتِه. فصل: الاشتغال بالنوافل أفضل من النكاح قال الشَّافِعِيّة: دَلَّت الآية على أن الاشتغال بالنَّوافِل، أفْضَل من الاشتغال بالنكاح، لأن من أقَام بالجِهَادِ، سقط الفَرْضُ عن البَاقِين، فلو أُقيموا عليه كان من النَّوافِل، والآية تَقْتَضِي تَفْضِيل جميع المُجَاهِدين من مُفْتَرَضٍ و [من] مُتنَفَّل على القَاعِدِين والمتنقل بالنِّكَاح قاعِد عن الجِهَاد، فثبت أن الاشتَغال بالمَنْدُوب إليه من الجِهَاد أفْضَل من الاشْتِغَال بالنِّكاح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب