الباحث القرآني
في تعلُّق هذه الآية بما قَبْلَها وجوه: أحدها: أنه - تعالى - لمَّا أمَر الرَّسُول -[عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ]- بأن يحرَّض الأمَّة على الجِهَاد، وهو طاعَةٌ حَسَنةٌ، بيَّن في هذه الآية أنَّ من يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ له نَصِيبٌ مِنْهَا، والغَرَض مِنْه: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - يستَحِقُّ بالتَّحْرِيضِ على الجِهَاد أجْراً عَظِيماً.
وثانيها: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يوصِيهم بالقِتَال، ويبالِغُ في تَحْرِيضهم عليه، فكان بَعْضُ المُنَافِقِين يَشْفَع إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أن يأذَن لَهُم في التَّخَلُّف عن الغَزْوِ، مَعْصِيَةٍ، كانت مُحَرَّمَة.
وثالِثُها: أنَّه يجُوز أن يَكُون بعض المُؤمِنين راغباً في الجِهَاد، ولا يَجِد أهْبَة الجِهاد، فصار غَيْرُهُ من المُؤمِنين شَفِيعاً له إلى مُؤمِنٍ آخر؛ ليعيِنه على الجِهَاد، وهو طاعَةٌ حَسَنةٌ، بيَّن في هذه الآية انَّ من يَشْفَع شَفَاعة حَسَنَة يَكُنْ له نَصِيبٌ مِنْها، والغَرَض مِنْه: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - يستَحِقُّ بالتَّحْرِيضِ على الجِهَاد أجْراً عَظِيماً.
وثانيها: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يوصِيهم بالقِتَال، ويبالِغُ في تَحْرِيضهم عليه، فكان بَعْضُ المُنَافِقِين يَشْفَع إلى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في أن يأذَن لَهُم في التَّخَلُّف عن الغَزْوِ، فنهى [الله] عن مثل هَذِه الشَّفَاعَة، وبيَّن أن [هَذِه] الشَّفاعة إذا كَانَت وَسِيلَة إلى مَعْصِيَةٍ، كانت مُحَرَّمَة.
وثالِثُها: أنَّه يجُوز أن يَكُون بعض المُؤمنِين راغباً في الجِهَاد، والشَّفَاعَة مأخُوذَةٌ من الشَّفْع وهو الزَّوْج من العَدَد، ومنه الشَّفِيع، [وهو] أن يَصِير الإنْسَان [نفسه] شَفْعاً لِصَاحب الحَاجَة؛ حتى يجْتَمِع معه على المسألة فِيهَا، [ومنه نَاقَةٌ شَفُوعٌ: إذا جمعت بين مِحْلَبَيْن في حَلبةٍ واحدةٍ، وناقة شَفِيعٌ: إذا اجْتَمع لها حَمْلٌ وولَدٌ يَتْبَعُها، والشُّفْعَةُ: ضم مِلْكِ الشَّريك إلى ملكك، والشَّفَاعة إذا ضَمَّ غَيْرك إلى جاهك، فهي على التَّحقِيق إظهار لمنزلة الشَّفِيع عند المُشْفِّع، وإيصَال المَنْفَعَة إلى المَشْفُوع له] فيكون المُرَادُ: تَحْرِيض النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إيَّاهم على الجِهَاد؛ لأنه إذا أمَرهُم بالغدو، فقد جَعَل نَفْسَهُ شَفْعاً في تَحْصِيل الأغْرَاضِ المتعلِّقةِ بالجِهَادِ، والتَّحْرِيض على الشَّيءِ عبارة عن الأمر به على وجْه الرِّفْقِ والتَّلَطُّفِ، وذلك يَجْرِي مُجْرَى الشَّفَاعة.
وقي: المُرَاد ما تَقَدَّم من شفاعة بَعْض المُنَافِقِين النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - في أن يَأذن لِبَعْضِهِم في التَّخَلُّف.
ونقل الوَاحِديُّ عن ابن عبَّاس؛ ما معناه: أن الشَّفَاعة الحَسَنَة هَهُنا، وهي أن يَشْفَع إيمانهُ بالله بقِتَال الكُفَّار، والشفاعة السَّيِّئَة: أن يَشْفَع كفره بِمُوالاَةِ الكُفَّار، وقيل: الشَّفَاعة الحَسَنَة: ما تقدَّم في أن يَشْفَع مؤمِنٌ لمؤمِنٍ [عند مُؤمِنٍ] آخَرِ؛ في أن يُحَصَّلَ له آلات الجِهَاد، ورُوي عن ابن عبَّاس؛ أن الشفاعة الحَسَنة [هي الإصلاح بين النَّاس، والشَّفَاعة السَّيِّئة، هي النَّمِيمة بين النَّاسِ.
وقيل] : هي حُسْنُ القول في النَّاسِ يُنَال به الثَّوَاب والخير، والسَّيِّئَة هي الغَيْبة والقَوْل السيئ في النَّاسِ يُنَال به الشَّرُّ.
والمراد بالكفل: الوِزْر.
قال الحَسَن مُجَاهِد والكَلْبي وابن زَيْدٍ: المراد شَفَاعة النَّاسِ بَعْضهم لِبَعْض، فإن كان في ما يَجُوز، فهو شَفَاعة حَسَنَة، وإن كان فِيمَا لا يجُوز، فهو شَفَاعَة سَيِّئَة.
قال ابن الخَطيب: هذه الشَّفَاعة لا بُدَّ وأن يكُون لها تَعَلُّقٌ بالجِهَاد، وإلاَّ صَارَت الآية مُنْقَطِعَةِ عما قَبْلَهَا، فإن أرَادُوا دُخُول هذه الوُجُوهِ في اللَّفْظِ العَامِ فيجوز؛ لأن خُصوص السَّبَبِ لا يَقْدَح في عُمُوم اللَّفْظِ.
«والكفل» : النَّصِيب، إلا أنَّ استعماله في الشَّرِّ أكثرن عكس النصيب، وأنْ كان قد استُعْمِل الكِفْلُ في الخَيْرِ، قال تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ [الحديد: 28] وأصلُه قالوا: مُسْتَعَارٌ مِنْ كِفْلِ البَعير، وهو كساء يُدَارُ حَوْلَ سِنَامِهِ ليُرْكَبَ، سُمِّي بِذَلِك؛ لأنَّه لم يَعُمَّ ظهرهَ كُلَّه بل نَصِيباً منه، ولغلبةِ استِعْمَالِه في الشَّرِّ، واستعمال النَّصِيب في الخير، غاير بَيْنَهُمَا في هذه الآيَة الكَريمة؛ إذ أتى بالكِفْل مع السَّيِّئَة، والنَّصِيب مع الحَسَنة، و «منها» الظَّاهِر أن «مِنْ» هنا سَببيَّة، أي: كِفْلٌ بِسَبِبها [ونَصِيب بسبِبها] ، ويجُوز أن تكُون ابتدائِيةٌ، والمُقِيت: المُقْتَدَر [قال: ابن عباس: مقتدراً مجازياً] ، قال: [الوافر]
1847 - وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ الْوُدَّ عَنْهُ ... وَكُنْتُ عَلَى إسَاءَتِهِ مٌقِيتًا
أي: مقتدراًن ومنه: [الخفيف]
1848 - لَيْتَ شِعْرِي وأشْعُرَنَّ إذَا مَا ... قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ
ألِيَ الْفَضْلُ أمْ عَلَيَّ إذَا حُو ... سِبْتُ «أنَّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
وأنشد نَضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: [الطويل]
1849 - تَجَلَّد ولا تَعْجَزْ وَكُنْ ذَا حَفِيظَةٍ ... فَإنِّي عَلَى مَا سَاءَهُمْ لَمُقِيتُ
قال النَّحَّاس:» هو مُشْتَقٌ من القُوتِ، وهو مِقْدَارُ ما يَحْفَظ به بَدَنُ الإنْسَانِ من الهَلاَك «فأصل مُقيت: مُقْوِت كَمُقِيم.
[و] يقال: قُتُّ الرَّجُلَ؛ إذا حَفِظْتَ عليه نَفْسهُ» وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقيت «وفي رواية من رَوَاه هَكَذَا، أي: مَن هو تَحْت قُدْرَته وفي قَبْضَتِه من عِيَالٍ وغيره؛ ذكره ابن عَطِيَّة: يقول: [منه: قُتُّهُ] أقوته قُوتاً، وأقَتُّهُ أقِيتُهُ إقَاتَةً، فأنا قَائِتٌ ومُقِيتٌ.
وأمَّا قول الشَّاعِرِ: [الخفيف]
1850 - ... ... ... ... ... ... ..... ... إنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
فقال الطَّبَرِي: إنه من غَيْر هَذا [المعنى المتقدِّم، فإنه بمَعْنَى الموقوفِ،] فأصْل مُقِيت: مُقْوِت كمُقِيم.
وقال مُجَاهِدٌ: معنى مُقِيتاً: شاهداً وقال قتادة: حَفِيظاً، وقيل معناه: على كل حيوان مُقِيتاً، أي: يُوصِل القُوت إلَيْه.
قال القَفَّال: وأي هَذَيْن المعنيين كان فَالتَّأوِيل صَحِيحٌ، وهو أنه - تعالى - قادر على إيصَال النَّصِيب والكفيل من الجَزَاءِ إلى الشَّافِع؛ مثل ما يُوصِلُه إلى المَشْفُوع، إن خيراُ فَخَيْرٌ، وإن شَرَّاً فَشَرٌّ، ولا ينتَقِص بسبَب ما يَصِل إلى الشَّافِع [شيء] من جَزاء المَشْفُوع، وعلى الوَجْه الآخر: أنَّه تعالى - حَافِظُ الأشْيَاء شَاهِدٌ عليها، لا يَخْفَى عليه شَيْءٌ من أحْوَالِهَا، فهو عَالِمٌ بأن الشَّافِع يَشْفَع في حَقِّ [أو في] بَاطِل، حَفِيظٌ عليهم فَيُجَازِي كلاًّ بما عَلِمَهُ منه.
وقوله: ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً﴾ وَلَمْ يقتيه بوقتٍ، والحالُ يدلُّ على أن هذه الصِّفَةِ كانت ثَابِتَة له من الأزَلِ إلى الأبَدِ وليست مُحْدَثة.
{"ayah":"مَّن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةً حَسَنَةࣰ یَكُن لَّهُۥ نَصِیبࣱ مِّنۡهَاۖ وَمَن یَشۡفَعۡ شَفَـٰعَةࣰ سَیِّئَةࣰ یَكُن لَّهُۥ كِفۡلࣱ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقِیتࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











