الباحث القرآني
«وذلك أن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَلَّم أحْبَارَ اليَهُود: عِبْد اللهِ بن صوريا، وكَعْب بن الأشْرَف، فقال: يا مَعْشَر اليَهُود، اتَّقُوا الله وأسْلِمُوا، والله إنكُم تَعْلَمُون أن الَّذِي جِئْتُم به الحَقّ، قالوا: ما نَعْرِفُ ذلك، وأصَرُّوا على الكُفْرِ؛» فَنَزَلَت هذه الآية.
فإن قيل: كان يَجِبُ أن يأمُرهُم بالنَّظَرِ والتفكُّر في الدَّلاَئِل، حتى يكُون إيمانُهُم استِدْلاليّاً، فلما أمرهُم بالإيمان ابْتِداءً؛ فكأنه - تعالى - أمَرَهُم باٌيمَان على سَبِيل التَّقْليد.
فالجوابُ: أن هذا خِطابٌ مع أهْلِ الكتاب، وكانُوا عَالِمين بِهَا في التَّوْراة؛ ولهذا قال: ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ أي: من الآيَاتِ الموْجُودَة فِي التَّوْرَاة الدَّالة على نُبُوَّة محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.
قوله: ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ﴾ متعلِّق بالأمْرِ في قوله: ﴿آمِنُواْ﴾ ونطمِسُ يكون متعدِّياً ومنه هذه الآية؛ ومثلها: ﴿فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ﴾ [المرسلات: 8] لبنائه للمَفْعُول من غير [حَرْف] جَرٍّ، ويكُون لازِماً، يقال: طَمَسَ المَطَرُ الأعلامَ، وطَمَسَت الأعْلامُ.
قال كعب: [البسيط]
1808 - مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إذَا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأعلامِ مَجْهُولُ
وقرأ الجُمْهُور: ﴿نَّطْمِسَ﴾ بكسر الميم، وأبو رَجَاء بِضَمِّها، وهما لُغَتَان في المُضَارِع، وقدَّر بعضهم مُضافاً أي: «عيون وجوه» ويقوَّيه أن الطَّمْس للأعْيُن؛ قال - تعالى -: ﴿لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: 66] .
* فصل في معنى الطمس والخلاف فيه
الطَمْسُ: المَحْوُ؛ تقول العرب في وصف المفَازَةِ: إنها طَامِسَةُ الأعلامِ، وطَمس الطَّرِيق إذا دَرَسَ، وقد طَمَسَ الله على بَصَرِه؛ إذا أزَالَهُ، وَطَمَست الرِّيحُ الأثَر: إذا مَحَتْهُ، وطَمَسْت الكِتَاب: إذا مَحَوْتَه، واخْتَلَفُوا في المراد بالطَّمْسِ هُنَا.
فقال ابن عباس: نَجْعَلُهَا البَعِير.
وقال قتادة والضَّحَّاك «نُعْميها.
وقيل: نمحو آثارَهَا وما فيها من أعْيُن، وأنفُ، وَفَم، وحَاجِب.
وقيل: نجعل الوُجُوه منابِتَ الشَّعَر، كوُجُوهِ القِرَدَةِ، وقيل: يجعلُ عَيْنَيْهِ في القَفَا؛ فَيَمْشِي القَهْقَرِى، وقيلَ: المرادُ ب» الوجوهِ» : الوجَهَاءُ، والرؤسَاءُ.
ورُوِيَ: أنَّ عبد الله بْنَ سلامٍ، ولمّا سَمِعَ هذه الآية؛ جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل أنْ يأتِيَ أهْلُهُ، ويدَهُ على وَجْهِهِ، وأسْلَم، وقال: يا رسُولَ الله، ما كنتُ أرَى أنْ أصِلَ إليْك؛ حَتَّى يتحولَ وَجْهِي إلى قَفَايَ؛ وكذلك كعبُ الأحْبَارِ، لَمَّا سَمِعَ هذه الآيةَ، أسْلَمَ في زَمَنِ عُمَرَ، فقال: يا رَبِّ، آمَنْتُ، يا رَبِّ، أسلمتُ؛ مخافَةَ أنْ يُصِيبَه - وعيدُ هذه - الآية.
فإن قيلَ: قد أوعدهم بالطمْسِ إنْ لم يُؤمِنُوا، ولَمْ يَفْعَلْ ذلك بِهم؟
فالجوابُ: أنَّ الوَعِيدَ باقٍ، ويكونُ طَمْسٌ، ومَسخٌ في اليهود، قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وقيل: إنَّه جَعَل الوِعيدَ: إمَّا الطمسَ، وإمَّا اللَّعْنَ، وقد فَعَلَ أحَدَهُمَا، وهو اللَّعْنُ.
وقيل: كان هذا وَعيداً بشرطٍ فلما أسْلَمَ عبد الله بن سلام، وأصحابُه، رفع ذلك عن الباقينَ، وقيل: أرَادَ بِهِ في القيامةِ.
وقال مُجَاهِدٌ: أراد بقوله ﴿نَّطْمِسَ وُجُوهاً﴾ ، أيْ: يترُكهُم في الضَّلاَلَة، فيكون المرادُ طَمْسَ وَجْهِ القَلْبِ، والردَّ عن الهُدَى.
وقال ابنُ زَيْدٍ: نَمْحُو آثَارَهُمْ مِنْ وجُوهِهِم، ونَوَاصيهم التي هم بها وقد لحقَ اليهودَ، ومضى، وتأويل ذلك في إجْلاءِ قُُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ إلى الشَّام، فردَّ اللهُ وُجُوهَهُم على أدْبَارِهم، حين عادوا إلى أذْرِعَاتٍ، وأريحاء من الشامِ.
قوله: ﴿على أَدْبَارِهَآ﴾ فيه وَجْهَانِ:
أظهرهُمَا: أنَّهُ متعلقٌ ب ﴿فَنَرُدَّهَا﴾ .
والثَّاني: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ؛ لأنه حالٌ من المفعولِ في «نلعنهم» يَعُودُ على الوُجُوهِ، على حَذْفِ مُضَاف إلَيْهِ: أيْ: وُجُوم قَوْم، أوْ عَلَى أن يُرادَ بِهمُ: الوُجَهَاءَ والرؤساءَ، أو يعودَ على الَّذين أوتُوا الكِتَابَ، ويطونُ ذلك التِفاتاً مِنْ خَطَابٍ إلى غَيْبَةٍ، وفيه اسْتِدْعاؤهُم للإيمانِ؛ حيثُ لم يُوَاجِهْهُمْ باللَّعْنَةِ بَعْدَ أن شَرَّفَهُم بكوْنِهم مِنْ أهْل الكتابِ.
* فصل في المراد باللعن
قال مُقَاتِلٌ، وغَيْرهُ: المرادُ باللَّعْنِ: مَسْخُهُمْ قِرَدَةً، وخَنَازِير، فإنْ قيل: قد كان اللَّعْنُ حَاصِلاً قبل هذا الوعيد. فالجوابُ: إنَّ اللَّعْنَةَ بعد الوعيد، أزْيَدُ تأثيراً في الخِزْيِ، وقيل: المرادُ بهذا اللَّعْن، الطَّرْدُ، والإبْعَادُ [و] قولهُ ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله﴾ : أمرٌ واحدٌ أُريدَ به الأمُورُ، وقيل: هو مصدرٌ واقعٌ موقعَ المفعولِ به، أيْ: مَأمُوره، أي: ما أوْجَدَه كائِنٌ لا مَحَالَة.
قال ابنُ عبَّاس: يريدُ لا رَادَّ لِحُكْمَه، ولا ناقِضَ لأمْرِه، وعلى [مَعْنَى] أنه لا يَبْعُدُ عليه شَيءٌ [يُريدُ] أن يَفْعَلهُ، وإنَّما قال: ﴿وَكَانَ﴾ إخباراً عن جريان عادةِ اللهِ في الأنْبِياءِ المتقدَّمِينَ، أنَّه مَتَى أخْبَرَهم بإنْزَال العَذَابِ عليْهم فعل ذلك لا مَحَالة.
فصل: دفع شبهة الجبائي
احتجَّ الجُبَّائِيُّ بهذه الآيةِ على أنَّ كلامَ اللهِ مُحْدَثٌ؛ لأنَّ المفعولَ مَخْلُوقٌ.
فالجوابُ: أنَّ الأمْرَ في اللُّغَةِ، جاءَ بمعنى الشَّأنِ، والطَّريقَةِ، والفِعْلِ؛ قال تعالى: ﴿وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: 97] .
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ ءَامِنُوا۟ بِمَا نَزَّلۡنَا مُصَدِّقࣰا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبۡلِ أَن نَّطۡمِسَ وُجُوهࣰا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰۤ أَدۡبَارِهَاۤ أَوۡ نَلۡعَنَهُمۡ كَمَا لَعَنَّاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلسَّبۡتِۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق