الباحث القرآني

النيل: إدراك الشيء ولحوقه. وقيل: هو العطية. وقيل: هو تناول الشيء باليد، يقال: نِلْتُه، أناله، نَيْلاً، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلا﴾ [التوبة: 120] . وأما النول - بالواو - فمعناه التناول، يقال: نِلتُه، أنوله، أي تناولته، وأنلْته زيداً، وأنوله إياه، أي ناولته إياه، كقولك: عطوته، أعطوه، بمعنى: تناولته، وأعطيته إياه - إذا ناولته إياه. قوله: «حتى تنفقوا» بمعنى إلى أن، و «مِن» في «مما تحبون» تبعيضية يدل عليه قراءة عبد الله: بعض ما تحبون. قال شهاب الدين: «وهذه - عندي - ليست قراءة، بل تفسير معنى» . وقال آخرون: «إنها للتبيين» . [وجوز أبو البقاء ذلك فقال: «أو نكرة موصوفة ولا تكون مصدرية؛ لأن المحبة لا تتفق، فإن جعلت المحبة بمعنى: المفعول، جاز على رأي أبي علي» يعني يَبْقى التقدير: من الشيء المحبوب، وهذان الوجهان ضعيفان والأول أضعف] . فصل لما بيَّن أن نفقتهم لا تنفع ذكَر - هنا - ما ينفع، فإن من أنفق مما يُحِبُّ كان من جملة الأبرار المذكورين في قوله: ﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: 13] ، وغيرها. قال ابن الخطيب: «وفي هذا لطيفة، وهي أنه - تعالى - قال في سورة البقرة -: ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر﴾ [البقرة: 177] وقال - هنا - ﴿لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ والمعنى: لو فعلتم ذلك المتقدم كله، لا تفوزون بالبر حتى تُنْفقوا مما تُحِبُّون، وذلك يدل على أن النفقة من أفضل الطاعات. فإن قيل:» حتى «لانتهاء الغاية، فتقتضي الآية أن من أنفق مما يحب، صار من جملة الأبرار، ونال البر وإن لم يأت بسائر الطاعات. فالجواب: أن المحبوب إنما يُنفق إذا طمع المنفِق فيما هو أشرف منه، فلا ينفق المرءُ في الدنيا إلا إذا أيقن سعادة الآخرة، وذلك يستلزم الإقرار بالصانع، وأنه يجب عليه الانقيادُ لأوامره وتكاليفه، وذلك يعتمد تحصيل جميع الخصال المحمودة في الدين» . فصل قال ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ مَسْعُودٍ ومُجَاهِدٌ: البرّ: الجنة. وقال مقاتل بن حيان: البرّ التقوى. كقوله: ﴿ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر﴾ [البقرة: 177] إلى قوله: ﴿وأولئك هُمُ المتقون﴾ [البقرة: 177] . وقيل: البر «الطاعة. فالذين قالوا: إن البر هو الجنة قال بعضهم: معناه لن تنالوا ثواب البر. ومنهم من قال: المراد بر الله أولياءه، وإكرامه إياهم، وتفضله عليهم، من قولهم: بَرَّني فلان بكذا أو بِرُّ فلان لا ينقطع عني. وقوله:» مما تحبون» قال بعضهم: إنه نفس المال. وقال آخرون: أن تكون الهبة رفيعة جيدة لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُون﴾ [البقرة: 267] . وقال آخرون: ما يكون محتاجاً إليه القوم؛ قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّه﴾ [الإنسان: 8]- في أحد تفاسير الحُبِّ - وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة﴾ [الحشر: 9] . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَصَدَّقْتَ بِهِ وَأنْتَ صَحِيحٌ، شَحِيحٌ، تَأمُلُ الغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ» . روى الضحاك عن ابن عباس: أن المراد به: الزكاة. قال ابْنُ الخَطِيبِ: لو خصصنا الآية بغير الزكاة لكان أوْلَى؛ لأن الآية مخصوصة بإيتاء الأحَبّ، والزكاة الواجبة لا يجب على المزكِّي أن يُخرج أشرف أموال، أو أكرمها، بل الصحيح أن هذه الآية مخصوصة بإيتاء المال على سبيل النَّدْب. ونقل الواحدي عن مجاهد والكلبي، أن هذه الآية منسوخة بإيتاء الزكاة، وهذا في غاية البُعْد؛ لأن إيجاب الزكاة كيف ينافي الترغيب في بَذْل المحبوب لوجه الله. قوله: ﴿وما تنفقوا من شيء﴾ تقدم نظيره في البقرة. فإن قيل: لِمَ قيل: ﴿فإن الله به عليم﴾ على جهة جواب الشرط، مع أن الله يعلمه على كل حال؟ فالجواب م نوجهين: الأول: أن فيه معنى الجزاء، تقديره: وما تُنْفِقُوا من شيء فإن الله مجازيكم به - قَلَّ أم كَثر -، لأنه عليم به، لا يَخْفَى عليه شيء منه، فجعل كونه عالماً بذلك الإنفاق كناية عن إعطاء الثواب، والتعريض - في مثل هذا الموضع - يكون أبلغ من التصريح. الثاني: أنه - تعالى - يعلم الوجه الذي لأجله تفعلونه، ويعلم أن الداعي إليه هو الإخلاص أم الرياء، ويعلم أنكم تنفقون الأحب الأجود أم الأخسّ الأرذل، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله﴾ [البقرة: 197] ، وقوله: ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ الله يَعْلَمُه﴾ [البقرة: 270] أي: يبينه ويجازيكم على قدره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب