الباحث القرآني
حكي عنهم التلبيسُ، فذكر منه هذا النوع.
قوله: ﴿وَجْهَ النهار﴾ منصوب على الظرف؛ لأنه بمعنى: أول النهار؛ لأن الوجه - في اللغة - مستقبل كل شيء؛ لأنه أول ما يواجَه منه، كما يقال - لأول الثوب -: وجه الثوب.
روى ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابي: أتيته بوجه نهارٍ، وصدر نهار، وشباب نهار، أي: أوله وقال الربيع بن زياد العبسي: [الكامل]
1509 - مَنْ كَانَ مَسْرُوراً بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ
أي: بأوله، وفي ناصب هذا الظرف وجهان:
أظهرهما: أنه فعل المر من قوله ﴿آمِنُواْ﴾ أي: أوْقَعُوا إيمانَكم في أول النهار، وأوقعوا كُفْرَكم في آخره.
والثاني: أنه ﴿وَأَنْزَلَ﴾ أي: آمنوا بالمُنَزَّل في أول النهار، وليس ذلك بظاهر، بدليل المقابلة في قوله: ﴿واكفروا آخِرَهُ﴾ . فإن الضميرَ يعودُ على النهارِ، ومن جوَّز الوجه الثاني جعل الضمير يعود على ﴿بالذي أُنْزِلَ﴾ ، أي: واكفروا آخر المنزَّل، وأسباب النزول تُخالف هذا التأويل وفي هذا البيتِ الذي أنشدناه فائدةٌ، وذلك أنه من قصيدة يرثي بها مالك بن زهير بن خُزَيْمَةَ العبسي، وبعده: [الكامل]
1510 - يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِراً يَنْدُبْنَهُ ... يَبْكِينَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأسْحَارِ
قَدْ كُنَّ يَخْبَأنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّراً ... فَالْيَوْمَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ
يَخْمِشْنَ حرَّاتِ الْوُجُوهِ عَلَى امرئٍ ... سَهْلِ الْخَلِيقَةِ طَيِّبِ الأخْبَارِ
ومعنى الأبيات يحتاج إلى معرفةِ اصطلاح العربِ في ذلك، وهو أنهم ك انوا إذا قُتِلَ لهم قتيلٌ لا تقوم عليه نائحةٌ ولا تَنْدُبُه نادبةٌ، حتى يؤخذَ بثأره، فقال هذا: من سرَّه قَتْلُ مالك، فليأتِ في أول النهارِ يجدنا قد أخذْنَا بثأره، فذكر اللازم للشيء، وهو من باب الكناية.
وحكي أن الشيباني سأل الأصمعي: كيف تنشد قول الربيع: ... . . حين بدأنَ، أو بدَيْنَ؟ فقال الأصمعيّ: بَدأنَ، فقال: أخطأت، فقال: بَدَيْنَ، فقال: أخطأتَ، فغضب الأصمعيُّ، وكان الصواب أن يقول: بدَوْنَ - بالواو - لأنه من باب: بدا يَبْدو، أي: ظهر - فأتى الأصمعي يوماً للشيباني، وقال له: كيف تُصَغِّر مُخْتَاراً؟ فقال: مُخَيتير، فضَحِك منه، وصفَّق بيديه، وشَنَّع عليه في حلقته، وكان الصواب أن يقولَ: مُخَيِّر - بتشديد الياء - وذلك أنه اجتمع زائدان -، الميم والتاء - والميم أولى بالبقاء؛ لعلة ذكرها التصريفيُّون، فأبقاها، وحذف التاء، وأتى بياء التصغير، فقلب - لألها - الألف ياءً، وأدْغمها فيها، فصار: مُخَيِّراً - كما ترى - وهو يحتمل أن يكون اسمَ فاعل، أو اسمَ مفعول - كما كان يحتملها مُكَبَّرهُ، وهذا - أيضاً - يلبس باسم الفاعل خَيَّر فهو مُخَيِّر، والقرائنُ تبينه.
ومفعول ﴿يَرْجِعُونَ﴾ محذوف - أيضاً - اقتصاراً - أي: لعلهم يكونون من أهل الرجوع، أو اختصاراً أي: يرجعون إلى دينكم وما أنتم عليه.
فصل
قال القرطبيُّ: والطائفة: الجماعة - من طاف يطوفُ - وقد يُسْتَعْمَل للواحد على معنى: نفس طائفة، ومعنى الآية يحتمل أن يكون المراد كلَّ ما أنزل، وأن يكون بعضَ ما أنزل أما الاول ففيه وجوهٌ:
الأول: أن اليهودَ والنصارَى استخرجوا حيلةً في تشكيك ضَعَفَةِ المسلمين في صحة الإسلام، وهي أن يظهروا تصديق ما ينزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من الشرائع في بعض الأوقات، ثم يُظهروا بعد ذلك تكذيبه فإن الناس متى شاهدوا هذا التكذيب قالوا: هذا التكذيب ليس لأجل الحَسَدِ والعناد، وإلا لَمَا آمَنُوا في أول الأمر، فإذا لم يكن حَسَداً، وجب أن يكون لأجل أنهم أهل الكتاب وقد تفكَّروا في أمره، واستَقْصَوْا في البحث عن دلائل نبوتِهِ، فلاح لهم - بعد ذلك التأمل التام، والبحثَ الوافي - أنه كذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضَعَفةِ المسلمين في صحة نبوته.
قال الحَسَنُ والسُّدِّيُّ: تواطأ اثنا عشر رجلاً من أحبار خيبر وقُرَى عُرَيْنَة، وقال بَعْضُهُمْ ادخلوا في دين محمدٍ أولَ النهار باللسان دون الاعتقاد، ثم اكفروا آخِرَ النهار، وقولوا: إنّا نظرنا في كتابنا، وشاوَرْنا علماءَنا، فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبُه، فإذا فعلتم ذلك شَكَّ أصحابُه في دينهم، واتهموه، وقالوا: إنهم أهْلُ الكتاب، وهم أعلم منا، فيرجعون عن دينهم، وهذا قول أبي مُسْلِمِ الأصبهانيِّ.
قال الأصمُّ: قال بعضهم لبعض: إن كذبتموه في جميع ما جاء به فإن عوامكم يعلمون كذبكم؛ لأن كثيراً يعلمون ما جاء به حقٌّ، ولكن صَدِّقُوه في بعض، وكَذِّبوه في بعض، حتى يحمل الناسُ تكذيبَكم على الإنصاف، لا على العِناد، فيقبلوا قولكم.
وأما الاحتمال الثاني - وهو الإيمان بالبعض - ففيه وجهان
أحدهما: قال ابنُ عباسٍ: «وَجْهَ النَّهارِ» : أوله، وهو صلاة الصبح، ﴿واكفروا آخِرَهُ﴾ يعني: صلاة الظهر، وتقديره: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يصلي إلى بيت المقدس - بعد أن قدم المدينة - ففرح اليهود بذلك، وطمعوا أن يكون منهم، فلمَّا حوله الله إلى الكعبة - وكان ذلك عند صلاة الظهر - قال كعبُ بن الأشرفِ وغيره: «ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار» يعني آمنوا بالْقِبْلَةِ التي صلى إليها صلاةَ الصبح، فهي الحق، ﴿واكفروا﴾ بالقبلة إلى الكعبة ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ يقولون: إن هؤلاء أهل كتاب، وهم أعلم، فيرجعون إلى قبلتنا.
الثاني: قال بعضُهُمْ لبعض: صَلُّوا إلى الكعبة أولَ النهار ثم اكفروا بهذه القبلةِ في آخر النهار؛ وصلوا إلى الصخرة لعلهم يقولون: إن أهل الكتاب أصحابُ العلم، فلولا أنهم عَرفوا بُطْلانَ هذه الْقِبْلَة لَمَا تركوها، فحينئذٍ يرجعون عن هذه القبلة.
* فصل في فوائد كشف حيلتهم
إخبار الله - تعالى - عن تواطُئِهم على هذه الحيلة فيه فائدةٌ من وُجُوهٍ: الأول: أن ذلك إخبار عن الغيب، فَيَكون مُعْجِزاً؛ لأنها كانت مخفيَّةً فيما بينهم، وما أطْلعوا عليه أحداً من الأجانب.
الثاني: أنه - تعالى - لما أطْلع المؤمنين على هذه الحيلةِ لم يَبْقَ لها أثرٌ في قلوبِ المؤمنين، ولولا هذا الإعلام لكان رُبَّما أثّرت في قلوب بعضِ [المؤمنين الذين] في إيمانهم ضعف.
الثالث: [أن القومَ] لما افتضحوا في هذه الحيلةِ صار ذلك رادِعاً لهم عن الإقدام على أمْثَالِها من الحِيل والتلبيس.
{"ayah":"وَقَالَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ ءَامِنُوا۟ بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوۤا۟ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق