الباحث القرآني
لما وعد على الطاعة والتوبة بالمغفرة والجنة، أتبعه بذكر ما يحملهم على فعل الطاعةِ والتوبةِ، وهو تأمل أحوال القرونِ الخوالي، وهذا تَسْلِيَة من الله تعالى للمؤمنين.
قال الواحدي: أصل الخلُوّ - في اللغة - الانفراد، والمكان الخالي هو المنفرد عمن يسكن فيه، ويُستعمل - أيضاً - في الزمان بمعنى: المُضِيّ؛ لأن ما مضى انفرد عن الوجود، وخلا عنه، وكذا الأمم الخالية.
قوله: ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ يجوز أن يتعلق ب «خَلَتْ» ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من ﴿سُنَنٌ﴾ ؛ لأنه - في الأصل - يجوز أن يكون وَصْفاً، فلما قُدِّمَ نُصبَ حالاً.
والسُّنَن: جمع سُنَّة، وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها، ومنه سُنَّة الأنبياء.
قال خالد الهُذَلِي لخاله أبي ذُؤيب: [الطويل]
1622 - فَلاَ تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةِ أنْتَ سِرْتَهَا ... فَأوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
وقال آخر: [الطويل]
1623 - وَإنَّ الأُلَى بِالطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... تَأسَّوْا، فَسَنُّوا لِلْكِرَامِ التَّآسِيَا
وقال لبيد: [الكامل]
1624 - مِنْ أمَّةٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ ... وَلِكُلِّ قَوْمٍ سُنَّةٌ وَإمامُهَا
وقال المفضَّل: السُّنَّة: الأمة، وأنشد: [البسيط]
1625 - مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُمُ ... وَلاَ رَأوْا مِثْلَكم فِي سَالِفِ السُّنَنِ
ولا دليل فيه؛ لاحتمال أن يكون معناه: أهل السنن.
وقال الخليل: سَنَّ الشيء بمعنى: صوره، ومنه: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر: 28] أي: مُصَوَّر وقيل: سن الماء والدرع إذا صبهما، وقوله: ﴿مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ يجوز أن يكون منه، ولكن نسبة الصب إلى الطين بعيدة.
وقيل: مسنون، أي: متغير.
وقال بعض أهل اللغة: هي فُعْلة من سَنَّ الماء، يسنه، إذا والى صَبَّه، والسَّنُّ: صَبُّ الماء والعرق نحوهما.
وأنشد لزهير: [الوافر]
1626 - نُعَوِّدُهَا الطراد كُلَّ يَوْمٍ ... تُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِهَا الْقُرُونُ
أي: يُصب عليها من العرق، شبَّه الطريقة بالماء المصبوب، فإنه يتوالى جرْيُ الماء فيه على نَهْج واحد، فالسُّنَّة بمعنى: مفعول، كالغُرْفَةِ.
وقيل: اشتقاقها من سننت النَّصْل، أسنّه، سنًّا، إذا حددته [على المِسَن] ، والمعنى: أن الطريقةَ الحسنةَ، يُعْتَنَى بها، كما يُعْتَنَى بالنَّصْل ونحوه.
وقيل: من سَنَّ الإبل، إذا أحسن رعايتها، والمعنى: أن صاحب السنة يقوم على أصحابه، كما يقوم الراعي على إبله، والفعل الذي سَنَّه النبي سُمِّيَ سُنَّةً بمعنى: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحسن رعايته وإدامته. وقد مضى من ذلك جملة صالحة في البقرة.
فصل
قال [أكثر المفسرين] : المراد: سنن الهلاك؛ لقوله تعالى: ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ [الزخرف: 25] ؛ لأنهم لما خالفوا الرُّسُلَ؛ لحرصهم على الدنيا، ثم انقرضوا، ولم يَبْقَ من دنياهم أثر وبقي اللعن في الدنيا، والعقاب في الآخرة عليهم، فرغَّب الله تعالى أمَّةَ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الإيمان بالتداخل في أحوال هؤلاء الماضين، ليصير ذلك داعياً لهم إلى الإيمان بالله ورُسُله، والإعراض عن الرياسة في طلب الدنيا والحياة.
قال الزجاج: المعنى: أهل سنن، فحذف المضاف.
قال مجاهد: بل المراد، سنة الله تعالى في الكافرين والمؤمنين، فإن الدنيا لم تَبْقَ، لا مع المؤمن، ولا مع الكافر، ولكن المؤمن يبقى له بعد موته الثناءُ الجميل في الدنيا، والثواب الجزيل في العُقْبَى، والكافر يبقى اللعن عليه في الدنيا والعقاب في الآخرة.
قوله: ﴿فَسِيرُواْ﴾ جملة معطوفة على ما قبلها، والتسبُّب في هذه الفاء ظاهر، أي: سبب الأمر بالسير لتنظروا - نَظَرَ اعتبار - خُلُوَّ مَنْ قبلكم من الأمم وطرائقهم.
وقال أبو البقاء: «ودخلت الفاء في» فَسِيرُوا «؛ لأن المعنى على الشرط، أي: إن شككتم فسيروا» .
وقوله: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ «كيف» خبر مقدم، واجب التقديم، لتضمُّنه معنى «الاستفهام» ، وهو معلق ل «انْظُرُوا» قبله، فالجملة في محل نصب بعد إسقاط الخافض؛ إذ الأصل: انظروا في كذا.
فصل
والغرض من هذا الكلام: زَجْر الكفار عن الكفر بتأمل أحوال المكذبين، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون﴾ [الصافات: 171 - 173] ، وقوله: ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83] ، وقوله: ﴿أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون﴾ [الأنبياء: 105] وليس المراد منه الأمر بالسير - لا محالة - بل المقصود: تعرف أحوالهم، فإن حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود، ويحتمل أن يقال - أيضاً -: إنَّ مشاهدة آثار المتقدمين لها، أثر أقوى من أثر المساع.
قال الشاعر: [الخفيف]
1627 - إنَّ آثَارَنَا تَدُلُّ عَلَيْنَا ... فَانْظُرُوا بَعْدَنَا إلَى الآثَارِ
فصل
قال المفسرون: وهذا في حرب أحد، يقول: فأنا أمهلهم، وأسْتدرجهم، حتى يبلغ أجلي الذي أجَلألْتُ في نُصْرَة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأوليائه وهلاك أعدائه.
قوله تعالى: ﴿هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ أي: القرآن.
وقيل: ما تقدم من قوله: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ .
وقيل: ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده.
والموعظة: الوعظ وقد تقدم.
قوله: «للناس» يجوز أن يتعلقَ بالمصدر قبلَه، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه وَصْف له.
قوله: ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ يجوز أن يكون وَصْفاً - أيضاً - ويجوز أن يتعلق بما قبله، وهو محتمل لأن يكونَ من التنازع، وهو على إعمال الثاني للمحذوف من الأول.
فصل
في الفرق بين الإبانة وبين الهُدَى، وبين الموعظة؛ لأن العطْفَ يقتضي المغايرة، وذكروا فيه وجهين:
الأول: أن البيان هو الدلالة التي تزيل الشبهة، والهُدَى بيان الطريق الرشيد؛ ليُسْلَك دون طريق الغَيّ، والموعظة هي الكلام الذي يُفِيد الزَّجْر عما لا ينبغي في الدين.
الثاني: أن البيانَ هو الدلالة، وأما الهدى فهي الدلالة بشرط إفْضَائها إلى الاهتداء.
وخصَّ المتقين؛ لأنهم المنتفعون به، وتقدَّم الكلام في ذلك في قوله: «هدى للمتقين» .
وقيل: إن قوله ﴿هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ عَامّ، ثم قوله: ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ مخصوص بالمتقين؛ لأن الهُدَى اسم للدلالة الموصِّلة إلى الاهتداء، وهذا لا يحصُل إلا في حقِّ المتقين.
{"ayahs_start":137,"ayahs":["قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ","هَـٰذَا بَیَانࣱ لِّلنَّاسِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣱ لِّلۡمُتَّقِینَ"],"ayah":"قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنࣱ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق