الباحث القرآني
قوله تعالى: «وَلوطاً» إعرابه كإعراب إبراهيم ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ﴾ قرأ أبو عمرو، وحمزة والكسائي وأبو بكر «أَئِنَّكُم» بالاستفهام، وقرأ الباقون بلا استفهام، واتفقوا على استفهام الثانية «لَتَأتُونَ الفاحشة» وهو إتيان الرجال، ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾ يجوز أن تكون استثنافية جواباً لمن سأل عن ذلك وأن تكون حالية أي مبتدعين لها.
فإن قيل: قال إبراهيم لقومه: «اعْبدُو اللَّهَ» ، وقال لوطٌ لقومه هاهنا: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ ولم يأمرهم بالتوحيد، فما الحكمة؟
فالجواب: انه لما ذكر الله لوطاً عند ذكر إبراهيم كان لوط في زمن إبراهيم فلم يذكر عن لوط أنه أمر قومه بالتوحيد مع الرسول لا بدّ أن يقول ذلك فحكاية لوط وغيرها هاهنا ذكرها الله على سبيل الاخْتِصَار فاقتصر على ما اختص به لوط وهو المنع من الفاحشة، ولم يذكر عنه الأمر بالتوحيد، وإن كان قاله في موضع آخر حيث قال: ﴿اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ [هود: 61] ؛ لأن ذلك قدأتى به إبراهيم، وسبقه فصار كالمختصِّ به، وأما المنعُ من علم قوم «لوط» فكان مختصاً «بلوط» فذكر كل واحد بما اختص به، وسبق به غَيْرَهُ.
فصل
دلت الآية على وجوب الحد في اللّواطة، لأنه سماها فاحشةً، وقد ثبت أن إتيان الفاحشة يوجب الحدّ، وأيضاً أن الله تعالى جعل عذاب من أتاها إمطارَ الحجارة عليهم عاجلاً وهو الرَّجْمُ. وتقدم الككلام على قوله: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ﴾ .
قوله: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل﴾ ، قيل: كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم، وقيل: يقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال، كقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء﴾ [الأعراف: 81] [النمل: 55] ، ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر﴾ قال أبو العباس المَقَّرِيّ. ورد لفظ النادي في القرآن بإزاء معنيين:
الأول: النادي مجلس القوم المحدد فيه لهذه الآية.
والثاني: بمعنى الناصر، كقوله تعالى: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ [العلق: 17] ، أي ناصره يعني أبا جهل.
واعلم أن النادي (والنَّديّ) والمُنْتَدَى مجلس القوم ومُتَحَدَّثُهُمْ، روى أبو صالح مولى أُمِّ هانىء بنت أبي طالب «قالت: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن قوله: ﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ قلت: ما المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال: كانوا يخذُفُونَ أهلَ الطرق، ويسخرون منهم.» وروي أنهم كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصًى، فإذا مرّ بهم عابر سبيل حذفُوه فأيهم أصابه كان أولى به. وقيل: إنه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثةَ دراهم، ولهم قاضي بذلك، وقال القاسم بن محمد: كانوا يتضارطون في مجالسهم.
وقال مجاهد: كان يجامع بعضهم بعضاً في مجالسهم.
وعن عبد الله بن سلام: يَبْزُقُ بعضُهم على بَعْض. وعن مكحول قال: من أخلاق قوم لوط مضغ العِلْكِ، وتطريق الأصابع بالحِنَّاء، وحل الإزار، والصَّفيرُ، والخَذْفُ، واللُّوطِيَّةُ.
(قوله) : ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ ، لما أنكر عليهم «لوط» ما يأتون به من القبائح إلا أَنْ قَالُوا له استهزاء ﴿ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أن العذاب نازل بنا فعند ذلك قال لوط: ﴿رَبِّ انصرني عَلَى القوم المفسدين﴾ بتحقيق قولي في العذاب.
فإن قيلَ: قال قوم «إبراهيم» اقتلوه أو حرّقوه، وقال قوم لوط ﴿ائتنا بعذاب الله﴾ وما هددوه (مع) أن «إبْرَاهِيمَ» كان أعظم من «لوط» فإن لوطاً كان من قومه.
فالجوابُ: أن إبراهيم كان يقدح في دينهم ويشتم آلهتهم ويعدد صفات نقصهم بقوله: «لا تُبْصِرُ ولا تَسْمَع ولا تَنْفَعُ، ولا تُغْنِي» ، والقدح في الدين صعب، فجعلوا جزاءه القتل والتحريق، ولوط كان ينكر عليهم فعلهم، وينبههم إلى ارتكاب التحريم وهم ما كانوا يقولون إن هذا واجب من الدين فلم يصعب عليهم مثل ما صعب على قوم إبراهيم كلام إبراهيم وقالوا: إنك تقول: إن هذا حرام والله يعذب عليه ونحن نقول: لا نعذب فإن كنت صادقاً فتِنَا بالعذَابِ.؟
فإن قيل: إن الله قال في موضع آخر: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ [النمل: 56] .
وقال هنا: ﴿فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا﴾ فكيف الجمع؟
فالجوابُ: أن لوطاً كان ثابتاً على الإرشاد مكرراً على النهي والوعيد فقالوا (أولاً) ائتنا (ثم) لما كثر منه ولم يسكت عنهم قالوا: «أخرجوا» . ثم إنَّ لوطاً لما يَئِسَ منهم طلب النُّصْرَةَ من الله وذكرهم بما لا يحب الله فقال «رب انصرني على القوم المفسدين} (فإن الله لا يحب المفسدين) حتى يُنْجِزَ النَّصْرَ.
واعلم أن كُلَّ نبي من الأنبياء ما طلب هلاكٌ قَوْمه إلا إذا علم أن عدمَهُمْ خيرٌ من وجودهم، كما قال نوحٌ ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ [نوح: 27] ، يعني: أن المصلحة إما أن تكون فيهم حالاً، أو بسببها مآلاً ولا مصلحة فيهما، فإنهم ضالون في الحال وفي المآل فإنهم يوصون أولادهم من صغرهم بالامتناع عن الأَتباع وكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال، واشتغلوا بما لا يُرْجَى منهم ولد صالح يعبد الله فطلب المصلحة حالاً ومآلاً، فعدمهم صار خيراً، وطلب العذاب.
{"ayahs_start":28,"ayahs":["وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أَىِٕنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِیلَ وَتَأۡتُونَ فِی نَادِیكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ","قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"],"ayah":"قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِی عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











