الباحث القرآني
قوله: ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ الآية.
لما بيّن ما للمؤمنين من البشرى أتبعه بما للكفار من سوء العذاب، فقال: ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحة، حتى رأوها حسنة، «فهم يعمهون» يترددون فيها متحيرين. فإن قيل: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته مع أنه أسنده إلى الشيطان في قوله ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأنفال: 48] ؟ .
فالجواب: أما أهل السنة فأجروا الآية على ظاهرها، لأن الإنسان لا يفعل شيئاً ألبتة إلا إذا دعاه الداعي إلى الفعل والمعقول من الداعي هو العلم والاعتقاد، أو الظن بكون الفعل مشتملاً على منفعة، وهذا الداعي لا بد وأن يكون من فعل الله تعالى لوجهين:
الأول: أنه لو كان لافتقر فيه إلى داع آخر، ولزم التسلسل، وهو محال.
الثاني: أن العلم إما أن يكون ضرورياً، أو كسبياً، فإن كان ضرورياً فلا بد من تصورين والتصور يمتنع أن يكون مكتسباً، لأن المكتسب إن كان شاعراً به، فهو متصور له، وتحصيل الحاصل محال، وإن لم يكن متصوراً، كان غافلاً عنه، والغافل عن الشيء يمتنع أن يكون طالباً له. فإن قيل: هو مشعور به من وجه، قلنا: فالمشعور به غير ما هو غير مشعور به، فيعود التقسم المتقدم في كل واحد من هذين الوجهين.
وإذا ثبت أن التصور غير مكتسب ألبتة، والعلم الضروري هو الذي يكون مكتسباً، فإن كل واحد من تصوُّريه كاف في حصول التصديق، فالتصورات غير مكتسبة فهي مستلزمة التصديقات، فإذن متى حصلت التصورات البديهية، كان التصديق بها بديهياً فهي مستلزمة التصديقات، فإذن متى حصلت التصورات البديهية، كان التصديق بها بديهياً وليس كسبياً. ثم إن التصديقات البديهية إن كانت مستلزمة التصديقات النظرية، كانت كسبية، لأن لازم الضروري ضروري، وإن لم تكن مستلزمة لها لم تكن تلك الأشياء التي فرضناها علوماً نظرية كذلك، بل هي اعتقادات تقليدية، لأنه لا معنى لاعتقاد المقلد إلا اعتقاد تحسيني بفعله ابتداء من غير أن يكون له موجب، فثبت بهذا أن العلوم بأسرها ضرورية، وثبت أن مبادىء الأفعال هي العلوم، وأفعال العباد بأسرها ضرورية فالإنسان مضطر في صورة مختار، فثبت أن الله تعالى هو الذي (زين لكل عامل عمله، والمراد من التزيين هو الذي) المضار والآفات، فثبت بهذه الدلائل العقلية القاطعة وجوب إجراء هذه الآية على ظاهرها. وأما المعتزلة فتأولوها بوجوه:
أحدها: أن المراد بينا لهم أمر الدين، وما يلزمهم أن يتمسكوا به، وزيناه بأن بينا حسنه وما لهم فيه من الثواب، لأن التزيين من الله للعمل ليس إلا وصفه بأنه حسن واجب وحميد العاقبة، وهو المراد من قوله: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾
[الحجرات: 7] .
وقوله: «فَهُمْ يَعْمَهُونَ» يدل على ذلك، إذ المراد: فهم يعدلون ويتخيرون عما زينا من أعمالهم.
وثانيها: أنه تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق، جعلوا إنعام الله عليها بذلك ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وعدم الانقياد لما يلزمهم من التكاليف، فكأنه تعالى زين بذلك أعمالهم، ولذلك أشارت الملائكة عيلهم السلام بقولهم: ﴿ولكن مَّتَّعْتَهُمْ﴾ [الفرقان: 18] ﴿وَآبَآءَهُمْ حتى نَسُواْ﴾ [الفرقان: 18] ﴿الذكر﴾ [الفرقان: 18] .
وثالثها: أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه.
والجواب عن الأول: أن قوله تعالى: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ صيغة عموم، فوجب أن يكون الله تعالى قد زين لهم كل أعمالهم حسناً أو قبيحاً.
وعن الثاني: أن الله تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق فهل لهذه الأمور في ترجيح فاعلية المعصية على تركها أثر، وليس لها أُر، وليس لها أثر فيه، فإن كان الأول فقد دللنا على أن التحصيل متى حصل فلا بد أن ينتهي إلى حد الوجودب والاستلزام وحينئذ يحصل الغرض - وإن لم يكن له فيه أُر - صارت هذه الأشياء بالنسبة إلى أعمالهم كصرير الباب ونعيق الغراب، بالنسبة إلى أعمالهم، وذلك يمنع من إسناد فعلهم إليها، وهذا بعينه هو الجواب عن التأويل الثالث الذي ذكروه.
قوله: ﴿أولئك الذين لَهُمْ سواء العذاب﴾ أي: القتل والأسير يوم بدر، وقيل: المراد مطلق العذاب، سواء كان في الدنيا أو في الآخرة، وسوء العذاب: شدته.
قوله: «الأَخْسَرُونَ» في (أَفَعَلَ) قولان: أظهرهما: أنها على بابها من التفضيل، وذلك بالنسبة إلى الكفار، من حيث اختلاف الزمان والمكان، يعني: أنهم أكثر خسراناً في الآخرة منهم في الدنيا، أي أن خسرانهم في الآخرة أكثر من خسرانهم في الدنيا.
وقال جماعة - منهم الكرماني - هي هنا للمبالغة لا للشَّركة، لأن المؤمن لا يخسران له في الآخرة ألبتة، وقد تقدم جواب ذلك، وهو أن الخسران راجع إلى شيء واحد، باعتبار اختلاف زمانه ومكانه. وقال ابن عطية: «الأَخْسَرُونَ» جمع ( «أَخْسَرَ» ، لأن أفعل صفة لا يجمع إلا أن يضاف، فتقوى رتبته في الأسماء، وفي هذا نظر. قال أبوحيان: ولا نظر في أنه يجمع جمع سلامة أو جمع تكسير إذا كان ب (ال) ، بل لا يجوز فيه إلا ذلك إذا كان قبله ما يطابقه في الجمعية، فيقول: الزيدون هم الأفضلون والأفاضل، والهندات هنّ الفضليات والفضل، وأما قوله: لا يجمع إلا أن يضاف) فلا يتعين إذ ذاك جمعه، بل إذا أضيف إلى نكرة فلا يجوز جمعه، وإن أضيف إلى معرفة جاز فيه الجمع والإفراد.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَهُمۡ یَعۡمَهُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ وَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمُ ٱلۡأَخۡسَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











