الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين﴾ . الهاء تعود على القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به. و «تَنْزِيلٌ» بمعنى مُنَزَّلٌ، أو على حذف مضاف أي: ذُو تَنزيل، وقوله: «نَزَلَ» قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص: «نَزَلَ» مخففاً، و «الرُّوحُ الأمينُ» مرفوعان على إسناد الفعل ل «الروج» و «الأمِين» نعته، والمراد به جبريل.
وباقي السبعة: بالتشديد مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى، و «الرُّوح الأَمِين» منصوبان على المفعول به، و «الأَمِين» صفته أيضاً، وقرىء: «نُزِّلَ» مشدداً مبنياً للمفعول، و «الرُّوحُ الأَمِينُ» مرفوعان على ما لم يسم فاعله. و «بِهِ» إمَّا متعلق ب «نَزَل» أو بمحوذف على أنه حال.
قوله: ﴿على قَلْبِكَ لِتَكُونَ﴾ . قال أبو حيان: الظاهر تعلُّق «عَلَى قَلْبِكَ» و «لِتَكُونَ» ب «نَزَل» . ولم يذكر ما يقابل هذا الظاهر. وأكثر ما يتخيَّل أنه يجوز أن يتعلقا ب «تنزيل» أي: وإنه لتنزيل ربِّ العالمين على قلبك لتكون، ولكن فيه ضعفٌ من حبث الفصل بين المصدر ومعموله بجملة: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ» .
وقد يجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أنَّ هذه الجملة اعتراضية، وفيها تأكيد وتشديد، فليست بأجنبية.
والثاني: الاغتفار في الظرف وعديله. وعلى هذا فلا يبعد أن يجيء في المسألة باب الإعمال، فإن كلاًّ من «تَنْزِيل» و «نَزَل» يطلب هذين الجارين.
فصل
لما ذكر قصص الأنبياء لمحمد - عليه السلام - أتبعه بما يدل على نبوته فقال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين﴾ لأنه لفصاحته معجز فيكون من رب العالمين. وأيضاً فلأنه إخبار عن الأمم الماضية من غير تعلم ألبتة، وذلك إلاَّ بوحي من الله تعالى. وأيضاً فقوله ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين﴾ مؤكد لما ذكرنا، لأن ذكر هذه القصص على ما هي في زبر الأولين من غير تفاوت أصلاً مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستفادة دليل على أنه ليس إلا من عند الله، ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ عَلَى قَلْبِكَ يا محمد، أي: فهمك إياه وأثبته في قلبك كي لا تنساه كقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى﴾ [الأعلى: 6] ﴿لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾ : المخوِّفين. وسمي جبريل روحاً، لأنه خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين، فهو كالروح التي تستتبع الحياة. وقيل: لأنه روح كله، لا كالناس في أبدانهم روح. وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه للأنبياء - (عليهم السلام) -.
فصل
روي أنَّ جبريل - عليه السلام - نزل على آدم - عليه السلام - اثنا عشرة مرة، وعلى إدريس أربع مرات، وعلى نوح خمسين مرة، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة، وعلى موسى أربعمائة مرة، وعلى عيسى عشر مرات وعلى محمد - عليه السلام - أربع عشرة ألف مرة.
فإن قيل: لم قال: «عَلَى قَلْبِكَ» وهو إنما أنزل عليه؟
فالجواب: ليؤكد أنّ ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن من قبله لا يجوز عليه التغيير، ولأنَّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار، وأما سار الأعضاء فمسخّرة له، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى: ﴿نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ﴾ [البقرة: 97] ، ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ﴾ ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [ق: 37] واستحقاق الجزاء ليس إلاَّ على ما في القلب، قال تعالى: ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: 225] ﴿لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ﴾ [الحج: 37] والتقوى في القلب لقوله تعالى: ﴿أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى﴾ [الحجرات: 3] وقوله: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور} [العاديات: 10] . وحكى عن أهل النار قولهم: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير﴾ [الملك: 10] والعقل في القلب، والسمع منفذٌ إليه، وقال: ﴿إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36] والسمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب، وقال: ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِي الصدور﴾ [غافر: 19] ولم تخن الأعين إلا بما تضمر القلوب إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الحديث فقوله - عليه السلام -: «أَلاَ وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فسد الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ»
وأما المعقول فإنَّ القلب إذا غشي عليه، فإذا قطع سائر الأعضاء لم يحصل به الشعور، وإذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات.
وأيضاً فإذا فرح القلب أو حزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك. وأيضاً فإن القلب منبع المشيئات الباعثة على الأفعال الصادر عن سار الأعضاء.
قوله: «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ» . يجوز أن يتعلق ب «المُنْذِرينَ» أي: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان العربي، وهم: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد - صلى الله عليه وسلّم - (و) يجوز أن يتعلق ب «نَزَلَ» أي: نزل باللسان العربي لتنذر به، لأنه لو نزل بالأعجمي لقالوا: لم نزل علينا ما لا نفهمه؟ وجوز أبو البقاء أن يكون بدلاً من «بِهِ» بإعادة العامل، قال: أي نزل بلسان عربي، أي: برسالة أو لغة. قال ابن عباس: بلسان قريش ليفهموا ما فيه.
قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأولين﴾ . أي: وإن القرآن. وقيل: وإن محمداً ونعته ﴿لَفِي زُبُرِ الأولين﴾ أي: كتب الأولين. وقيل: المراد وجوه التخويف، لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم، وفيه التفات، إذ لو جرى على ما تقدم لقيل: «وإنك لفي زبر» . وقرأ الأعمش: «زُبْرِ» بسكون الباء، وهي مخففة من المشهور.
{"ayahs_start":192,"ayahs":["وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ","عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ","بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ","وَإِنَّهُۥ لَفِی زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِینَ"],"ayah":"وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











