الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين﴾ الآية. الكلام في فاتحة هذه القصة كالكلام في فاتحة قصة نوح. وقوله: «تَعْبَثُون» جملة حالية من فاعل «تبنون» . والرِّيعْ - بكسر الراء وفتحها -: جمع «رِيْعَة» وهو في اللغة: المكان المرتفع، قال ذو الرمّة.
3916 - طِرَاقُ الخَوَافِي مُشْرِقٌ فَوْقَ رِيْعَةٍ ... نَدَى لَيْلِهِ فِي ريْشِهِ يَتَرَقْرَقُ
وقال أبو عبيدة: وهو الطريق، وأنشد للمسيَّب بن علس يصف ظعناً:
3917 - فِي الآلِ يَخْفِضُهَا وَيَرفَعُهَا ... رِيْعٌ يَلُوْحُ كَأَنَّهُ سَحْلُ
والرَّيع - بالفتح -: ما يحصل في الخراج.
فصل
قال الوالبي عن ابن عباس: الرَّيْع: كل شرف. وقال الضحاك ومقاتل: بكل طريق وهو رواية العوفي عن ابن عباس. وعن مجاهد قال: هو الفج بين جبلين وعنه أيضاً أنه المنظر. و «الآية» : العَلَم.
قال ابن عباس: كانوا يبنون بكل ريع علماً يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هود - عليه السلام -. وقيل: كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم، فنهُوا عنه، ونسبوا إلى العبث. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: هي بروج الحمام، لأنهم كانوا يلعبون بالحمام.
قوله: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ قال مجاهد: قصوراً مُشَيَّدة.
واحدتها مَصْنَعة. «لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون» . العامة على تخفيفه مبنياً للفاعل. وقتادة: بالتشديد مبنياً للمفعول، ومنه قور امرىء القيس:
3918 - وَهَلْ يَنْعَمَنْ إِلاَّ سَعِيْدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيْلُ الهُمُوْم مَا يَبيْتُ بِأَوْجَال و «لَعَل» هنا على بابها. وقيل: للتعليل. ويؤيده قراءة عبد الله: «كَيْ تَخْلِدُون» .
وقيل: للاستفهام، قاله زيد بن عليّ، وبه قال الكوفيون. وقيل: معناه التشبيه، أي: كأنكم تخلدون. ويؤيده ما في حرف أبيّ: «كَأَنَّكم تُخلدون» بضم التاء مخففاً ومشدداً. وقرىء: «كأَنَّكُم خَالِدُونَ» ولم يعلم من نصب عليها أنها تكون للتشبيه. والمعنى: كأنكم تبقون فيها خالدين. قوله: «وَإِذَا بَطَشْتُم» أي: وإذا أردتم، وإنما احتجنا إلى تقدير الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء، و «جَبَّارِين» حال. واعلم أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو، وهذه صفات الإِلهية وهي ممتنعة الحصول للعبد ولما ذكر هود هذه الأشياء قال: ﴿فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ﴾ زيادة في دعائهم إلى الآخرة، وزجراً لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والتجبر، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم فقال: ﴿واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: أعطاكم من الخير ما تعلمون، ثم فصل ذلك الإعطاء فقال] : ﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أي: بساتين وأنها، ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ .
قال ابن عباس: «إِن عَصَيْتُمُوني» عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم.
قوله: «أَمَدَّكُم بأَنْعَام» فيه وجهان:
أحدهما: أن الجملة الثانية بيان للأولى وتفسير لها.
والثاني: أن «بأنعام» بدل من قوله: «بِمَا تَعْلَمُون» بإعادة العامل، كقوله: ﴿اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ (أَجْراً) ﴾ [يس: 20 - 21] .
قال أبو حيان: والأكثرون لا يجعلون هذا بدلاً وإنما يجعلونه تكريراً، وإنما يجعلون بدلاً بإعادة العامل إذا كان حرف جر من غير إعادة متعلقه نحو: «مَرَرْتُ بزيد بأخيك» ولا يقولون: «مررت بزيد مررت بأخيط» على البدل.
قوله: ﴿أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين﴾ معادلة لقوله: «أَوَعَظْتَ» . وإنما أتى بالمعادل كذا دون قوله: «أم لم تعظ» لتواخي الفواصل. وأبدى له الزمخشري معنى فقال: وبينهما فرق، لأن المعنى: سواء علينا أفلعت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشريه، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك: «أم لم تعظ» .
وقرأ العامة: «أَوَعَظْتَ» بإظهار الظاء قبل التاء. وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام. وهي ضعيفة، لأن الظاء أقوى، ولا يدغم الأقوى في الأضعف، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو: «زُحْزِحَ عَنْ» و «لَئِنْ بَسَطْتَ» .
فصل
لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابهوه بقولهم: «سَوَاءٌ عَلَيْنَا» أي: مستو عدنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة أكتراثهم بكلامه، ثم قالوا: ﴿إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين﴾ . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وسكون اللام، أي: اختلاق الأولين وكذبهم، كقوله: «وَتَخْلُقُونَ إفْكاً» والباقون بضمتين. فقيل: معناهما: الاختلاق، وهو الكذب. وكذا قرأ ابن مسعود. وقيل: عادة الأولين من قبلنا حياة وموت هو خلق الأولين وعادتهم. وروى الأصمعي عن نافع، وبها قرأ أبو قلابة ضم الخاء وسكون اللام، وهي تخفيف المضمومة. ثم قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أظهروا بذلك تقوية نفسوهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد، فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم، وقد سبق بيان كيفية الهلاك.
{"ayahs_start":123,"ayahs":["كَذَّبَتۡ عَادٌ ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ","إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ","فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِیعٍ ءَایَةࣰ تَعۡبَثُونَ","وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ","وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِینَ","فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُونِ","وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِیۤ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ","أَمَدَّكُم بِأَنۡعَـٰمࣲ وَبَنِینَ","وَجَنَّـٰتࣲ وَعُیُونٍ","إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُمۡ عَذَابَ یَوۡمٍ عَظِیمࣲ","قَالُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡنَاۤ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَ ٰعِظِینَ","إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا خُلُقُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِینَ","فَكَذَّبُوهُ فَأَهۡلَكۡنَـٰهُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"],"ayah":"وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق