مكية إلا قوله: ﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ [الشعراء: 224 - 227] إلى آخرها فإنها مدنية وهي مائتان وسبع وعشرون آية، وألف ومائتان وسبع وتسعون كلمة، وخمسة آلاف وخمسمائة واثنان وأربعون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: ﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين﴾ .
أظهر حمزة نُونَ «سِين» قبل الميم، كأنا ناوٍ الوقف، وإلاّ فإدغام مثله واجب والباقون يدغمون. وتقدم إعراب الحروف المقطعة. وفي مصحف عبد الله: «ط س م» مقطوعة من بعضها. قيل: وهي قراءة أبي جعفر، يعنون أنه يقف على كل حرف وقفة يميز بها كل حرف، وإلا لم يتصور أن يلفظ بها على صورتها في هذا الرسم وقرأ عيسى - وتروى عن نافع - بكسر الميم هنا وفي القصص على البناء. وأمال الطاءَ الأخوان وأبو بكر، وقد تقدم. روى عكرمة عن ابن عباس قال: (طسم) عجزت العلماء عن علم تفسيرها. وروى عليّ بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أنه قسم، وهو من أسماء الله تعالى. وقال قتادة: اسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: اسم للسورة. وقال محمد بن كعب القرظي: قسمٌ بطوله وسناه وملكه. «تِلْكَ آيَاتُ» أي: هذه الآيات آيات «الكِتَابِ المُبِينِ» قوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} . قرأ قتادة: «بَاخِعٌ نَفْسِكَ» على الإضافة. والمعنى قاتل نفسك ﴿أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: إن لم يؤمنوا، وذلك حين كذبه أهل مكة فشق عليه ذلك، وكان يحرص على إيمانهم، فأنزل الله هذه الآية، وهذا تسليَة للرسول، أي: لا تبالغ في الحزن والأسف، فصبّره وعزَّاه وعرّفه أن غمه وحزنه لا ينفع، كما أن وجود الكتاب ووضحوه لا ينفع.
قوله: ﴿إِنْ نَّشَأْ نُنَزِّلْ﴾ . العامة على نون العظمة فيهما. وروي عن أبي عمرو بالياء فيهما، أي: إِنْ يَشَأ الله يُنزِّل. و «إن» أصلها أن تدخل على المشكوك فيه أو المحقق المبهم زمانه، والآية من هذا الثاني.
قوله: «فَظَلَّتْ» عطف على «نُنَزِّلْ» فهو في محل جزم. ويجوز أن يكون مستأنفاً غير معطوف على الجزاء. ويؤيد الأول قراءة طلحة: «فَتَظْلَل» بالمضارع مفكوكاً. قوله: «خَاضِعِينَ» . فيه وجهان:
أحدهما: أنه خبر عن «أَعْنَاقُهُمْ» . واستُشكِل جمعه جمع سلامة؛ لأنه مختص بالعقلاء. وأجيب عنه بأوجه:
أحدها: أن المراد بالأعناقِ: الرؤساء كما قيل: لهم وجوه وصدور، قال:
3894 - فِي مَحْفِلٍ من نواصِي الخَيْلِ مَشْهُودِ ... الثاني: أنه على حذف مضاف، أي: فظل أصحاب الأعناق، ثم حذف وبقي الخبر على ما كان عليه قبل حذف المُخْبَرِ عنه مراعاة للمحذوف، وتقدم ذلك قريباً عند قراءة: ﴿وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ [الفرقان: 61] .
الثالث: أنه لما أضيف إلى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم، كما يكتسب التأنيث بالإضافة لمؤنث في قوله: 3895 - كَمَا شَرَقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ ... الرابع: أن «الأعناق» جمع «عُنُقٍ» من الناس، وهم الجماعة، فليس المراد الجارحة البتة، ومنه قوله:
3896 - أَنَّ العِرَاقَ وأَهْلَهُ ... عُنُقٌ إلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا
وهذا قريب من معنى الأول، إلا أن هذا القائل يطلق «الأعناق» على جماعة الناس مطلقاً، رؤساء كانوا أو غيرهم.
الخامس: قال الزمخشري: أصل الكلام: فظلوا لها خاضعين، فأقحمت «الأعناق» لبيان موضع الخضوع، وترك الكلام على أصله كقولهم: ذهَبَتْ أهل [اليمامة، كأن الأهل غير مذكور. قال شهاب الدين: وفي التنظير بقوله: ذهبت أهل اليمامة] نظر، لأن (أهل) ليس مقحماً البتة، لأنه المقصود بالحكم، وأما التأنيث فلاكتسابه التأنيث (بالإضافة) .
السادس: أنها عوملت معاملة العقلاء لمَّا أُسْنِدَ إليهم ما يكون فِعْل العقلاء، كقوله: «سَاجِدِينَ» و «طَائِعِين» في يوسف وفصلت.
وقيل: إنما قال: «خاضِعِينَ» لموافقة رؤوس الآي.
والثاني: أنه منصوب على الحال من الضمير في «أَعْنَاقُهُم» قال الكسائي وضعفه أبو البقاء، قال: لأن «خاضِعِين» يكون جارياً على غير فاعل «ظَلَّتْ» فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل، فكان يجب أن يكون: خاضعين هم.
قال شهاب الدين: ولم يجر «خاضِعِين» في اللفظ والمعنى إلا على من هُوَ له، وهو الضمير في «أَعْنَاقُهُمْ» ، والمسألة التي قالها: هي أن يجري الوصف على غير من هو له في اللفظ دون المعنى، فكيف يلزم ما ألزمه به، على أنه لو كان كذلك لم يلزم ما قاله، لأن الكسائي والكوفيين لا يوجبون إبراز الضمير في هذه المسألة إذا أمن اللبسن فهو (لا) يلتزم ما ألزمه به، ولو ضعف بمجيء الحال من المضاف إليه لكان أقرب، على أنه لا يضعف؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه كقوله: ﴿مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً﴾ [الحجر: 47] .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["طسۤمۤ","تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ","لَعَلَّكَ بَـٰخِعࣱ نَّفۡسَكَ أَلَّا یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ","إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ ءَایَةࣰ فَظَلَّتۡ أَعۡنَـٰقُهُمۡ لَهَا خَـٰضِعِینَ"],"ayah":"طسۤمۤ"}