الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب﴾ الآية. لما قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ المجرمين﴾ [الفرقان: 31] وذكر ذلك في معرض التسلية له، ذكر جماعة من الأنبياء، وعرفه تكذيب أممهم، والمعنى: لست يا محمد بأول من أرسلنا فكذب (وآتيناه الآيات فرُدّ) : فقد آتينا موسى الكتاب، وقوينا عضده بأخيه هارون (ومع ذلك فقد رُدّ) . فإن قيل: كون هارون وزيراً كالمنافي لكونه شريكاً، بل يجب أن يقال: إنه لما صار (شريكاً) خرج عن كونه وزيراً. فالجواب: لا منافاة بين الصنفين، لأنه لا يمنع أن يشركه في النبوة ويكون وزيراً، وظهيراً، ومعيناً له. ولا وجه لقول من قال في قوله: «فَقُلْنَا اذْهَبا» إنه خطاب لموسى عليه السلام وحده بل يجري مجرى قوله: ﴿اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى﴾ [طه: 43] . قوله: «هَارونَ» بدل، أو بيان، أو منصوب على القطع و «وَزِيراً» مفعول ثان، وقيل: حال، والمفعول الثاني قوله «معه» . قال الزجاج: الوزير في اللغة الذي يرجع إليه ويعمل برأيه، والوزر ما يعتصم به، ومنه: ﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ﴾ [القيامة: 11] أي: لا منجى ولا ملجأ. قال القاضي: ولذلك لا يوصف تعالى بأن له وزيراً. قوله: ﴿فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ يعني القبط. قوله: «فَدمَّرْنَاهُمْ» . العامة على «فَدَمَّرْنَا» فعلاً ماضياً معطوفاً على محذوف، أي: فذهب فكذبوهما «فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْميراً» أهلكناهم إهلاكاً. وقرأ عليّ - كرم الله وجهه - «فدمِّراهم» أمر لموسى وهارون، وعنه أيضاً: «فَدَمِّرَانِّهِمْ» كذلك أيضاً، ولكنه مؤكد بالنون الشديدة، وعنه أيضاً: «فدمِّرا بِهِم» بزيادة باء الجر بعد فعل الأمر، وهي تشبه القراءة قبلها في الخط، ونقل عنه الزمخشري «فَدَمَّرْتُهم» بتاء المتكلم. فإن قيل: الفاء للتعقيب، والإهلاك لم يحصل عقيب بعث موسى وهارون إليهم بل بعد مدة مديدة. فالجواب: فاء التعقيب محمولة هنا على الحكم بالإهلاك لا على الوقوع. وقيل: إنه تعالى أراد اختصار القصة فذكر المقصود منها أولها وآخرها، والمراد إلزام الحجة ببعثة الرسل، واستحقاق التدمير بتكذيبهم. واعلم أن قوله: «كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» إن حملنا تكذيب الآيات على تكذيب الآيات الإلهية فلا إشكال، وإن حملناه على تكذيب آيات النبوة، فاللفظ وإن كان للماضي فالمراد به المستقبل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب