الباحث القرآني
قوله: ﴿إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ الآيات لمَّا ذمَّ من تقدّم بقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ﴾ [المؤمنون: 55] ثم قال: ﴿بَل لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: 56] ، بيّن بعده صفات من يُسارع في الخيرات، فقال: ﴿إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ ، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف. وقيل: جمع بينهما للتأكيد. ومنهم من حمل الخشية على العذاب، والمعنى: إن الذي هم من عذاب ربهم مشفقون أي: خائفون من عقابه.
قوله: «مِنْ خَشْيَةِ» فيه وجهان:
أحدهما: أنها لبيان الجنس. قال ابن عطية: هي لبيان جنس الإشفاق.
قال شهاب الدين: وهي عبارة قَلِقَة.
والثاني: أنها متعلقة ب «مُشْفِقُونَ» . قاله الحوفي، وهو واضح.
قوله: ﴿والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ يصدّقون، وآيات الله هي المخلوقات الدالة على وجوده. ﴿والذين هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ﴾ وليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله - تعالى -، لأن ذلك داخل في قوله: ﴿والذين هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ بل المراد منه نفي الشرك الخفيّ، وهو أن يكون مخلصاً في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه.
قوله: ﴿والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ﴾ العامة على أنه من الإيتاء، أي: يعطون ما أعطوا.
وقرأت عائشة وابن عباس والحسن والأعمش: «يَأَتُونَ مَا أَتَوْا» من الإتيان، أي: يفعلون ما فعلوا من الطاعات. واقتصر أبو البقاء في ذكر الخلاف على «أَتَوْا» فقط، وليس بجيّد، لأنّه يوهم أن من قرأ «أَتَوْا» بالقصر قرأ «يُؤْتُونَ» من الرباعي وليس كذلك.
قوله: ﴿وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ هذه الجملة حال من فاعل «يُؤْتُونَ» ، فالواو للحال، والمعنى: يعطون ما أعطوه، ويدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه سواء كان من حقوق الله كالزكوات، والكفارات وغيرها. أو من حقوق الآدميين، كالودائع، والديون وأصناف الإنصاف والعدل. وبيّن أن ذلك إنما ينفع إذا فعلوه «وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» ، أي: إنهم يقدمون على العبادة على وجل من تقصير وإخلال بنقصان.
«روي أن عائشة سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالت: ﴿والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أهو الذي يزني، ويشرب الخمر، ويسرق وهو على ذلك يخاف الله؟ فقال عليه السلام: «لا يا بنت الصديق، ولكن هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق، وهو على ذلك يخاف الله» قوله: «أنَّهُمْ» يجوز أن يكون التقدير: وجلة مِنْ أنَّهُمْ أي: خائفة من رجوعهم إلى ربّهم. ويجوز أن يكون: لأنهم أي: سبب الوجل الرجوع إلى ربهم.
قوله: ﴿أولئك يُسَارِعُونَ﴾ هذه الجملة خبر «إنَّ الَّذِينَ» ، وقرأ الأعمش: «إنَّهُمْ» بالكسر، على الاستئناف، فالوقف على» وَجِلَةٌ «تام أو كاف.
وقرأ الحسن:» يُسْرعُونَ» من أسْرَعَ. قال الزجاج: يُسَارِعُونَ أبلغ. يعني: من حيث إن المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجل المبالغة.
قوله: ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ في الضمير في «لَهَا» أوجه:
أظهرها: أنه يعود على الخيرات لتقدمها في اللفظ.
وقيل: يعود على الجنة. وقال ابن عباس: إلى السعادة. وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات. والظاهر أن «سَابِقُونَ» هو الخبر، و «لَهَا» متعلق به قُدّم للفاصلة وللاختصاص. واللام، قيل: بمعنى (إلى) ، يقال: سبقت له، وإليه، بمعنى ومفعول «سَابِقُون» محذوف، تقديره: سابقون الناس إليها. وقيل: اللام للتعليل، أي: سابقون الناس لأجلها. وتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة قبلها، وهي ﴿يُسَارِعُونَ فِي الخيرات﴾ ، ولأنها تفيد معنى آخر وهو الثبوت والاستقرار بعدما دلَّت الأولى على التجدد.
وقال الزمخشري: أي: فاعلون السَّبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها قال أبو حيان وهذان القولان عندي واحد. قال شهاب الدين: ليسا بواحد إذ مراده بالتقدير الأول: أن لا يقدر السبق مفعول ألبتة، وإنّما الغرض الإعلام بوقوع السبق منهم من غير نظرٍ إلى مَنْ سبقوه كقوله: «يُحْيِي وَيُمِيتُ» ، و «كُلُوا واشْرَبُوا» ، و «يعطي ويمنع» وغرضه في الثاني تقدير مفعول حذف لدلالة، واللام للعلة في التقديرين وقال الزمخشري أيضاً: أو: إيّاها سابقون. أي: ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا. قال شهاب الدين: يعني أن «لَهَا» هو المفعول ب «سَابِقُونَ» ، وتكون اللام قد زيدت في المفعول، وحسن زيادتها شيئان كل منهما لو انفرد لاقتضى الجواز، كَوْن العامل فرعاً، وكونه مقدّماً عليه معموله. قال أبو حيان: ولا يدل لفظ «لَهَا سَابِقُون» على هذا التفسير، لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقديم السابق على المسبوق، فكيف يقول: وهم يسبقون الخيرات، هذا لا يصح. قال شهاب الدين: ولا أدري عدم الصحة من أي جهةٍ، وكأنّه تخيّل أنّ السابق يتقدم على المسبوق فكيف يتلاقيان؟ لكنّه كان ينبغي أن يقول: فكيف يقول: وهم ينالون الخيرات، وهم لا يجامعونها، لتقدمهم عليها إلاّ أن يكون قد سبقه القلم فكتب بدل (وهم ينالون) (وهم يسبقون) وعلى كل تقدير فأين عدم الصحة؟ وقال الزمخشري أيضاً: ويجوز أن يكون ﴿وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ خبراً بعد خبرٍ ومعنى «وَهُمْ لَهَا» كمعنى قوله:
3801 - أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنَ بَيْنِ البَشَر ... يعني: أن هذا الوصف الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة.
فتحصل في اللام ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بمعنى (إلى) .
الثاني: أنها للتعليل على بابها.
والثالث: أنها مزيدة. وفي خبر المبتدأ قولان:
أحدهما: أنه «سَابِقُونَ» وهو الظاهر.
والثاني: أنه الجار كقوله.
3802 - أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنْ بَيْنِ البَشَر ... وهذا قد رجّحه الطبري، وهو مروي عن ابن عباس.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ","وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ","وَٱلَّذِینَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا یُشۡرِكُونَ","وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰجِعُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ"],"ayah":"وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











