الباحث القرآني

مصطفى ولا يدل على أن كل مصطفى ولد، فلا يلزم من دلالة هذه الآية على وجود مصطفى كونه ولداً. وأيضاً فالمراد من هذه الآية تبكيت من عبد غير الله من الملائكة، كأنه سبحانه أبطل في الآية الأولى قول عبدة الأوثان، وفي هذه الآية أبطل قول عبدة الملائكة، فبين أن علو درجة الملائكة ليس لكونهم آلهة لأن الله اصطفاهم لمكان عبادتهم، فكأنه تعالى بيَّن أنهم ﴿مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الحج: 74] إذ جعلوا الملائكة معبودة مع الله. ثم بين تعالى: بقوله: ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أنه يسمع ما يقولون، ويرى ما يفعلون ولذلك أتبعه بقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ . قال ابن عباس: ما قدموا وما خلفوا وقال الحسن: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما عملوا، «وَمَا خَلْفَهُم» ما هم عاملون من بعد. ثم قال: ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ إشارة إلى القدرة التامة، والتفرد بالإلهية والحكم، ومجموعهما يتضمن نهاية الزجر عن الإقدام على المعصية. قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا﴾ إلى آخر السورة. لما ذكر الإلهيات ثم النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع، وهو من أربعة أوجه: الأول: تعيين المأمور. والثاني: أقسام المأمور به. والثالث: ذكر ما يوجب تلك الأوامر. والرابع: تأكيد ذلك التكليف. فأما تعيين المأمور به فهو قوله: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ﴾ وهذ خطاب للمؤمنين؛ لأنه صرح بهم، ولقوله: «هُوَ اجْتَبَاكُمْ» ، ولقوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين﴾ ، وقوله ﴿وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾ . وقيل: خطاب لكل المكلفين مؤمناً كان أو كافراً؛ لأن التكليف بهذه الإشارة عامّ في كل المكلفين فلا معنى لتخصيص المؤمن بذلك. وأما فائدة التخصيص، فلأنه لما لم يقبله إلا المؤمنون خصهم بالذكر ليحرضهم على المواظبة على ما قبلوه، وكالتشريف لهم في ذلك الإفراد. وأما المأمور فأربعة أمور: الأول: الصلاة وهو المراد بقوله: «ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا» وذلك لأن أشرف أركان الصلاة هو الركوع والسجود، والصلاة هي المختصة بهذين الركنين، فجرى ذكرهما مجرى ذكر الصلاة، وذكر ابن عباس: أن الناس كانوا في أول إسلامهم يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية. والثاني: قوله: «وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ» قيل: وحدوه. وقيل: اعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات. وقيل: افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات بنية العبادة. الثالث: قوله: «وَافْعَلُوا الخَيْرَ» قال ابن عباس: هو صلة الرحم ومكارم الأخلاق «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» لكي تفوزوا بالجنة. وقيل: كلمة «لَعَلَّ» للترجي، فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة من تقصير، فليس هو على يقين من أن الذي أتى به هل هو مقبول عند الله والعواقب مستورة «وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له» فصل اختلفوا في سجود التلاوة عند قراءة هذه الآية، فذهب عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس: إلى أنه يسجد، وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق لما روى عقبة بن عامر قال: «قلت: يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال:» نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما» وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا يسجد هاهنا. وعدد سجود القرآن أربع عشرة سجدة عند أكثر أهل العلم منها ثلاث في المفصل، وروي عن أبيّ بن كعب وابن عباس: ليس في المفصل سجود، وبه قال مالك. وقد صح عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في «اقْرَأ» و ﴿إِذَا السمآء انشقت﴾ [الانشقاق: 1] . وأبو هريرة متأخر الإسلام. واختلفوا في سجدة ص فروي عن ابن عباس أنها سجدة شكر وهو مذهب الشافعي وعن عمر أنه يسجد فيها، وهو قول الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق. الرابع: قوله: ﴿وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ﴾ يجوز أن يكون «حَقَّ جِهَادِهِ» منصوباً على المصدر، وهو واضح. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، أي جهاداً حق جهاده. وفيه نظر من حيث إن هذا معرفة فكيف يجعل صفة لنكرة. قال الزمخشري: فإن قلت: ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس: حقّ الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه كما قال ﴿وَجَاهِدُوا فِي الله﴾ . قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه، ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله: 3779 - وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِرا ... يعني بالظرف الجار والمجرور كأنه كان الأصل: حق جهاد فيه. فحذف حرف الجر وأضيف المصدر للضمير، وهو من باب هو حقّ عالم وجد، أي: عالم حقاً وعالم جداً. فصل المعنى: جاهدوا في سبيل الله «أعداء اللَّه حَقَّ جِهَادِهِ» هو استفراغ الطاقة فيه. قاله ابن عباس، وعنه قال: لا تخافون لومة لائم. وقال الضحاك ومقاتل: اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته. وقال مقاتل بن سليمان: نسخها قوله: ﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ [التغابن: 16] وهذا بعيد لأن التكليف شرطه القدرة لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ [البقرة: 78] و ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر﴾ [البقرة: 185] . فكيف يقول: ﴿وَجَاهِدُوا فِي الله﴾ على وجه لا يقدرون عليه؟ وقال أكثر المفسرين: حق الجهاد أن يكون بنية صادقة. وقيل: يفعله عبادة لا رغبة في الدنيا من حيث الاسم والغنيمة. وقيل: يجاهدوا آخراً كما جاهدوا أولاً، فقد كان جهادهم في الأول أقوى، وكانوا فيه أثبت نحو صنعهم يوم بدر، روي عن عمر أنه قال لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ «وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله» ؟ قال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء. واعلم أنه يبعد أن تكون هذه الزيادة من القرآن، وإلا لنقل كنقل نظائره، ولعله إن صح ذلك عن الرسول فإنما قاله كالتفسير للآية. وروي عن ابن عباس أنه قرأ: «وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جَهَادِهِ كما جاهدتم أول مرة» فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: من الذي أمرنا بجهاده؟ فقال: قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس، فقال: صدقت. وقيل: معنى الآية: استفرغوا وسعكم في إحياء دين الله، وإقامة حقوقه بالحرب واليد واللسان، وجميع ما يمكن، وردوا أنفسكم عن الهوى والميل وقال ابن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوى، وهو الجهاد الأكبر [وهو حق الجهاد وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما رجع من غزوة تبوك قال: «رجعنا من الجهاد والأصغر إلى الجهاد الأكبر» ] وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس. وأما بيان ما يوجب قبول هذه الأوامر، فهو ثلاثة: الأول: قوله: «هُوَ اجْتَبَاكُمْ» اختاركم لدينه، وهذه من أعظم التشريفات، فأي رتبة أعلى من هذه، وأي سعادة فوق هذا. ثم قال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ وهو كالجواب عن سؤال، وهو أن التكليف وإن كان تشريفاً لكنه شاق على النفس؟ أجاب بعضهم بقوله: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ ، [روي أن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: كيف قال الله ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ ] مع أنه منعنا عن الزنا؟ فقال ابن عباس: بلى، ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنّا. وهذا قول الكلبي، قال المفسرون: معناه لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منها مخرجاً بعضها بالتوبة، وبعضها برد المظالم والقصاص، وبعضها بالكفارات وليس في دين الله ذنب إلا يجد العبد سبيلاً إلى الخلاص من العذاب منه. وقال ابن عباس ومقاتل: هو الإتيان بالرخص، فمن لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل جالساً، ومن لم يستطع ذلك فَلْيُوم، وإباحة الفطر في السفر للصائم، والقصر فيه والتيمم وأكل الميتة عند الضرورة. فصل استدلت المعتزلة بهذه الآية على المنع من تكليف ما لا يطاق، وقالوا: لما خلق الله الكفر والمعصية في الكافر والعاصي، ثم نهاه عنه كان ذلك من أعظم الحرج، وذلك منفي بصريح هذا النص. والجواب أنه لما أمره بترك الكفر، وترك الكفر يقتضي انقلاب علمه جهلاً، فقد أمر المكلف بقلب علم الله جهلاً، وذلك من أعظم الحرج، ولما استوعى العدمان زال السؤال. الموجب الثاني: قوله: «مِلَّةَ أَبِيكُمْ» فيه أوجه: أحدها: أنها منصوبة باتبعوا مضمراً. قاله الحوفي وتبعه أبو البقاء. الثاني: أنها منصوبة على الاختصاص، أي: أعني بالدين ملة أبيكم. الثالث: أنها منصوبة بمضمون ما تقدمها، كأنه قال: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قاله الزمخشري. وهذا أظهرها. الرابع: أنها منصوبة بجعلها مقدراً. قاله ابن عطية. الخامس: أنها منصوبة على حذف كاف الجر، أي: كملة أبيكم. قاله الفراء، وقال أبو البقاء قريباً منه، فإنه قال: وقيل تقديره: مثل ملة، لأن المعنى سهل عليكم الدين مثل ملة أبيكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقوله: «إبراهيم» بدل أو بيان أو منصوب بأعني. فصل والمقصود من ذكر «إِبْرَاهِيم» التنبيه على أن هذه التكاليف والشرائع هي شريعة إبراهيم والعرب كانوا محبين لإبراهيم - عليه السلام - لأنهم من أولاده، فكان ذكره كالسبب لانقيادهم لقبول هذا الدين. فإن قيل: ليس كل المسلمين يرجع نسبه إلى إبراهيم. فالجواب: أن هذا خطاب مع العرب، وهم كانوا من نسل إبراهيم. وقيل: خاطب به جميع المسلمين، وإبراهيم أب لهم على معنى وجوب إكرامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب، فهو كقوله تعالى: «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» ، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «إنما أنا لكم مثل الوالد» فإن قيل: هذا يقتضي أن تكون ملة محمد كملة إبراهيم سواء، فيكون الرسول ليس له شرع مخصوص، ويؤكده قوله: ﴿اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النحل: 123] . فالجواب: إنما وقع هذا الكلام مع عبدة الأوثان، فكأنه قال: عبادة الله وترك الأوثان هي ملة إبراهيم، وأما تفاصيل الشرائع فلا تعلّق لها بهذا الموضع. قوله: «هُو سَمَّاكُمْ» في هذا الضمير قولان: أحدهما: أنه يعود على «إبْرَاهِيمَ» ، لأنه أقرب مذكور إلا أن ابن عطية قال: وفي هذه اللفظة يعني قوله: «وَفِي هَذَا» ضعف قول من قال: الضمير ل «إبراهيم» ولا يتوجه إلا بتقدير محذوف من الكلام مستأنف. انتهى. ومعنى ضعف من قال بذلك أن قوله: «وَفِي هَذَا» عطف على «مِنْ قَبْلُ» و «هَذَا» إشارة إلى القرآن، فيلزم أن «إبْرَاهِيمَ» سمّاهم المسلمين في القرآن، وهو غير واضح؛ لأن القرآن المشار إليه إنما أنزل بعد إبراهيم بمدد طوال، فلذلك ضعف قوله. قوله: إلا بتقدير محذوف الذي ينبغي أن يقدر: وسميتهم في هذا القرآن المسلمين وقال أبو البقاء: قيل: الضمير ل «إبْرَاهِيمَ» فعلى هذا الوجه يكون قوله «وَفِي هَذَا» أي: وفي هذا القرآن سبب تسميتهم وهو قول إبراهيم: ﴿رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ [البقرة: 128] ، فاستجاب الله له، وجعلها أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. والثاني: أن الضمير يعود على الله تعالى، ويدلّ له قراءة أُبيّ «اللَّهُ سَمَّاكُمْ» بصريح الجلالة، أي سماكم في الكتب السالفة وفي هذا القرآن الكريم أيضاً. وهو مرويّ عن ابن عباس ويؤيده قوله: ﴿لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾ . فبيّن أنه سمّاهم بذلك لهذا الغرض، وهذا لا يليق إلا بالله. فقوله: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ» متعلق ب «سَمَّاكُمْ» فبيّن فضلكم على سائر الأمم، وسماكم بهذا الاسم لأجل الشهادة المذكورة، فلما خصكم بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه. وهذا هو الموجب الثالث لقبول التكليف، وتقدم الكلام في أنه كيف يكون الرسول شهيداً علينا وكيف تكون أمته شهداء على الناس في سورة البقرة. وأما ما يجري مجرى المؤكد لما مضى فهو قوله: ﴿فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾ فهي المفروضات، لأنها المعهودة. واعتصموا بحبل الله أي بدلائله العقلية والسمعية. قال ابن عباس: سلو الله العِصمة عن كل المحرمات. وقيل: ثقوا بالله وتوكلوا عليه. وقال الحسن: تمسكوا بدين الله «هُوَ مَوْلاَكُمْ» سيدكم والمتصرف فيكم وناصركم وحافظكم. ﴿فَنِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير﴾ فكأنه تعالى قال: أنا مولاكم بل أنا ناصركم. وحسن حذف المخصوص بالمدح وقوع الثاني رأس آية وفاصلة. فصل احتجت المعتزلة بهذه الآية من وجوه: أحدها: أن قوله: «لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» يدلّ على أنه تعالى أراد الإيمان من الكل؛ لأنه تعالى لا يجعل الشهيد على عباده إلا من كان عدلاً مرضياً، فإذا أراد أن يكونوا شهداء على الناس فقد أراد أن يكونوا جميعاً صالحين عدولاً، وقد علمنا أن منهم فسّاقاً، فدل ذلك على أن الله - تعالى - أراد من الفاسق كونه عدلاً. وثانيها: قوله: «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» وكيف يمكن الاعتصام به مع أن الشر لا يوجد إلا منه. وثالثها: قوله: «فَنِعْمَ المَوْلَى» فإنه لو كان كما يقوله أهل السنة من أنه خلق أكثر عباده ليخلق فيهم الكفر والفساد ثم يعذبهم لما كان نعم المولى، بل كان لا يوجد من شر المولى أحد إلا وهو شرٌّ منه، فكان يجب أن يوصف بأنه بئْس المولى. وذلك باطل فدل على أنه - سبحانه - ما أراد من جميعهم إلا الصلاح. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون نعم المولى للمؤمنين خاصة كما أنه نعم النصير لهم خاصة؟ قلنا: إنه - تعالى - مولى الكافرين والمؤمنين جميعاً، فيجب أن يقال: نعم المولى للمؤمنين وبئس المولى للكافرين، فإن ارتكبوا ذلك فقد ردوا القرآن والإجماع وصرحوا بشتم الله - تعالى - تعالى الله عند ذلك. ورابعها: أن قوله: ﴿سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ﴾ يدل على إثبات الأسماء الشرعية وأنها من قبل الله - تعالى - لأنها لو كانت لغة لما أضيفت إلى الله تعالى على وجه الخصوص. والجواب عن الأول: وهو قولهم إن كونه - تعالى - مريداً لكونه شاهداً يستلزم كونه مريداً لكون عدلاً. فنقول: إن كانت إرادة الشيء مستلزمة لإرادة لوازمه فإرادة الإيمان من الكافر يوجب أن تكون مستلزمة لإرادة جهل الله، ويلزم كونه - تعالى - مريداً لجهل نفسه، وإن لم يكن ذلك واجباً فقد سقط الكلام. وأما قوله: «واعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» فيقال: هذا أيضاً وارد عليكم، فإنه - سبحانه - خلق الشهوة في قلب الفاسق وأكدها وخلق المشتهى وقربه منه ورفع المانع ثم سلط عليه شياطين الإنس والجن، وعلم لا محالة أنه يقع في الفجور والضلال، وفي الشاهد كل من فعل ذلك فإنه يكون بئس المولى. فإن صح قياس الغائب على الشاهد فهذا لازمٌ عليكم وإن بطل سقط كلامكم بالكلية والله أعلم. روى الثعلبي بإسناده عن أُبيّ بن كعب: قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» . سورة المؤمنون
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب