الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ﴾ الآية. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهما من المفسرين: لما رأى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء يُنَفِّر عنه، وتمنى ذلك فأنزل الله سورة ﴿والنجم إِذَا هوى﴾ [النجم: 1] ، فقرأها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى بلغ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى﴾ [النجم: 19 - 20] ، ألقى الشيطان على لسانه لما كانت تحدثه به نفسه ويتمنّاه: تلك الغَرَانِيق العُلَى منها الشفاعة ترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به، ومضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في قراءته، وقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون لسجوده، وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حِفْنَةً من البطحاء ورفعاها إلى جبهتهما لأنهما كانا شيخين كبيرين، فلم يستطعا السجود، وتفرقت قريش، وقد سرهم ما سمعوا وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذِّكر، وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمد نصيباً فنحن معه فلما أمسى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أتاه جبريل، فقال: يا محمد مَاذَا صَنَعْتَ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ ما لم أنزل به عن الله عَزَّ وَجَلَّ، وقُلْتَ مَا لَمْ أَقُلْ لَكَ؟ فحزن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حزناً شديداً، وخاف من الله خوفاً عظيمً فأنزل الله هذه الآية يعزيه، وكان به رحيماً. قال ابن الخطيب: وأما أهل التحقيق فقالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة لوجوه من القرآن والسنة والمعقول: أما القرآن فقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾ [الحاقة: 44 - 46] ، وقوله: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ﴾ [يونس: 15] ، وقوله: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى﴾ [النجم: 3 - 4] . فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية قوله: تلك الغرانيق العلى لكان قد ظهر كذب الله في الحال، وذلك لا يقوله مسلم. وقوله: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ [الإسراء: 73] وكلمة «كاد» عند بعضهم قريب أن يكون الأمر كذلك مع أنه لم يحصل، وقوله: ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ [الإسراء: 74] وكلمة «لَوْلاَ» لانتفاء الشيء لانتفاء غيره، فذلك دل على أن الركون القليل لم يحصل، وقوله: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [الفرقان: 32] ، وقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى﴾ [الأعلى: 6] وأما السنة: فروي عن محمد بن إسحاق أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة وصنف فيه كتاباً. وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم قال: رواة هذه القصة مطعونون. وروى البخاري في صحيحه أنه - عليه السلام - قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس وليس فيه ذكر الغرانيق. وروي هذا الحديث من طرق كثيرة، وليس فيها البتة ذكر الغرانيق. وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوَّز على الرسول تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان. وثانيها: أنه - عليه السلام - ما كان عليه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة أمناً لأذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه، وإنما كان يصلي، إذا لم يحضروا ليلاً أو في أوقات خلوة، وذلك يبطل قولهم. وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من غير أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سُجَّداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم. ورابعها: قوله: ﴿فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ﴾ وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها، فإذا أراد الله تعالى إحكام الآيات لئلا يلتبس القرآن بغيره، فبأن يُمْنع الشيطان من ذلك أصلاً أولى. وخامسها: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل الشرائع أن يكون كذلك، ويبطل قوله تعالى: ﴿بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾ [المائدة: 67] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه. فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة. وأما من جهة التفصيل فالتمني جاء في اللغة لأمرين: أحدهما: تمني القلب. والثاني: القراءة، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: 78] أي: إلا قراءة، لأن الأمي لا يعلم القرآن من المصحف، وإنما يعلمه من القراءة. وقال حسان: 3774 - تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ ... وآخِرَها لاقَى حَمَام المَقَادِرِ وقيل: إنما سميت القراءة أمنية لأن القارئ إذا انتهى إلى آية رحمة تمنى حصولها وإذا انتهى إلى آية عذاب تمنى أن لا يُبْتلى بها. وقال أبو مسلم: التَّمَنِّي هو التقدير، وتَمَنَّى هو تَفَعَّل من مَنَيْتُ، والمَنِيَّة وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله، ومَنَّى الله لك أي: قدَّر لك، وإذا تقرر ذلك فإن التالي مقدر للحروف يذكرها شيئاً فشيئاً. فالحاصل أن الأمنية إما القراءة وإما الخاطر، فإن فسرناها بالقراءة ففيه قولان: الأول: أنه تعالى أراد بذلك ما يجوز أن يسهو الرسول فيه ويشتبه على القارئ ما رووه من قوله: تلك الغرانيق العُلَى. والثاني: المراد منه وقوع هذه الكلمة في قراءته، ثم اختلف القائلون بهذا على وجوه: الأول: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتكلم بقوله: تلك الغرانيق العلى، ولا الشيطان تكلم به، ولا أحد تكلم به لكنه - عليه السلام - لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه ما رووه من قولهم: تلك الغَرَانِيقُ العُلَى. وذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال، قاله جماعة وهو ضعيف لوجوه: أحدها: أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما جرت العادة بسماعه، فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه. وثانيها: أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم في بعض هذا لتوهم بعض السامعين دون البعض فإن العادة مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة على خيال واحد فاسد في المحسوسات. وثالثها: لو كان كذلك لم يكن مضافاً إلى الشيطان. الوجه الثاني: قالوا: إن ذلك الكلام كلام الشيطان وذلك بأن يلفظ بكلام من تلقاء نفسه يوقعه في درج تلك التلاوة في بعض وقفاته ليظن أنه من جنس الكلام المسموع من الرسول، قالوا: ويؤيد ذلك أنه لا خلاف أن الجن والشياطين متكلمون فلا يمتنع أن يأتي الشيطان بصوت مثل صوت الرسول، فيتكلم بهذه الكلمات في أثناء كلام الرسول، وعند سكوته، فإذا سمع الحاضرون تلك الكلمة بصوت مثل صوت الرسول، وما رأوا شخصاً آخر ظن الحاضرون أنه كلام الرسول ثم هذا لا يكون قادحاً في النبوة لما لم يكن فعلاً له. وهذا أيضاً ضعيف فإنك إذا جوزت أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول بما يشتبه على كل السامعين كونه كلاماً للرسول بقي هذا الاحتمال في كل ما يتكلم به الرسول فيفضي إلى ارتفاع الوثوق عن كل الشرع. فإن قيل: هذا الاحتمال قائم في الكل، ولكنه لو وقع لوجب في حكمة الله أن يبين الحال فيه كما في هذه الواقعة إزالة للتلبيس. فالجواب لا يجب على الله تعالى إزالة الاحتمالات كما في المتشابهات، وإذا لم يجب على الله ذلك أمكن الاحتمال في الكل. الوجه الثالث: أن يقال: المتكلم بذلك بعض شياطين الإنس، وهم الكفرة فإنه عليه السلام لما انتهى في قراءة هذه السورة إلى هذا الموضع ذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته أنه يعيبها، فقال بعضهم: تلك الغرانيق العُلاَ، فاشتبه الأمر على القوم لكثرة لغط القوم وكثرة مباحثهم، وطلبهم تغليطه، وإخفاء قراءته، ولعل ذلك في صلاته لأنهم كانوا يقربون منه في حال صلاته، ويسمعون قراءته، ويَلْغَوْنَ فيها. وقيل: إنه عليه السلام كان إذا تلا القرآن على قريش توقف في فصول الآيات، فألقى بعض الحاضرين ذلك الكلام في تلك الوقفات، فتوهم القوم أنه من قراءة الرسول، ثم أضاف الله ذلك إلى الشيطان، لأنه بوسوسته يحصل أولاً، أو لأنه سبحانه جعل ذلك المتكلم نفسه شيطاناً. وهذا أيضاً ضعيف لوجهين: أحدهما: أنه لو كان كذلك لكان يجب على الرسول إزالة الشبهة وتصريح الحق، وتبكيت ذلك القائل، وإظهار أن هذه الكلمة صدرت منه، ولو فعل ذلك لنقل، فإن قيل: إنما لم يفعل الرسول ذلك، لأنه كان قد أدى السورة بكمالها إلى الأمة دون هذه الزيادة، فلم يكن ذلك مؤدياً إلى اللبس كما لم يؤد سهوه في الصلاة بعد أن وصفها إلى اللبس. قلنا: لأن القرآن لم يكن مستقراً على حالة واحدة في زمان حياته، لأنه كان تأتيه الآيات فيلحقها بالسور، فلم تكن تأدية تلك السورة بدون الزيادة سبباً لزوال اللبس. وثانيهما: لو كان كذلك لاستحق العتاب على فعل الغير، وذلك لا يليق بالحكيم. الوجه الرابع: أن المتكلم بهذا هو الرسول - عليه السلام - ثم هذا يحتمل ثلاثة أوجه: إما أن يكون قال هذه الكلمة سهواً أو قسراً أو اختياراً. فإن قالها سهواً كما يروى عن قتادة ومقاتل أنهما قالا: إنه عليه السلام كان يصلي عند المقام فنعس وجرى على لسانه هاتان الكلمتان، فلما فرغ من السورة سجد وسجد كل من في المسجد، وفرح المشركون بما سمعوا، وأتاه جبريل واستقرأه فلما انتهى إلى الغرانيق قال: لم آتِكَ بهذا، فحزن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى أن أنزلت هذه الآية. وهذا ضعيف لوجوه: أحدها: أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع، وحينئذ تزول الثقة عن الشرع. وثانيها: أن الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة، وطريقتها ومعناها، فإنا نعلم بالضرورة أن واحداً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها. وثالثها: هب أنه تكلم بذلك سهواً فكيف لا يتنبه لذلك حين قرأها على جبريل وذلك ظاهر. وأما إن تكلم بذلك قَسْراً، كما قال قوم إن الشيطان أجبر النبي على التكلم به وهذا أيضاً فاسد لوجوه: أحدها: أن الشيطان لو قدر على ذلك في حق النبي لكان اقتداره علينا أكثر، فوجب أن يزيل الشيطان الناس عن الدين، ولجاز في أكثر ما يتكلم به أحدنا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان. وثانيها: أن الشيطان لو قدر على هذا الإجبار لارتفع الأمان عن الوحي لقيام هذا الاحتمال. وثالثها: أنه باطل لقوله تعالى حاكياً عن الشيطان ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي﴾ [إبراهيم: 22] ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ﴾ [النحل: 99] وقال: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ [الحجر: 40] ولا شك أنه - عليه السلام - كان سيد المرسلين. وأما إن كان تكلمه بذلك اختياراً وهاهنا وجهان: أحدهما: أن يقول إن هذه الكلمة باطلة. والثاني: أن يقول إنها ليست كلمة باطلة. أما على الأول فذكروا فيه طريقتين: الأول: قال ابن عباس في رواية عطاء: إن شيطاناً يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل وألقى عليه هذه الكلمة فقرأها فلما سمع المشركون ذلك أعجبهم، فجاءه جبريل فاستعرضه، فقرأ السورة، فلما بلغ إلى تلك الكلمة. قال جبريل: أنا ما جئتك بهذا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «أَتَانِي آتٍ عَلَى صُورَتِكَ فَأَلْقَاهُ عَلَى لِسَانِي» . الطريق الثاني: قال بعض الجهال: إنه - عليه السلام - لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه الكلمة من عند نفسه، ثم رجع عنها. وهذان القولان لا يرغب فيهما مسلم ألبتة، لأن الأول يقتضي أنه - عليه السلام - ما كان يميز بين الملك المعصوم والشيطان الخبيث. والثاني يقتضي أنه كان خائناً في الوحي، وكل واحد منهما خروج عن الدين. وأما الوجه الثاني وهو أن هذه الكلمة ليست باطلة فهاهنا أيضاً طرق: الأول: أن يقال: الغرانيق هم الملائكة، وقد كان ذلك قرآناً منزلاً في وصف الملائكة، فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله ذلك. الثاني: أن يقال: المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار، فكأنه قال: أشفاعتهن ترتجى؟ الثالث: أن يقال: ذكر تعالى الإثبات وأراد النفي كقوله ﴿يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ﴾ [النساء: 176] أي: لا تضلوا، كما قد يذكر النفي ويريد به الإثبات كقوله: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً﴾ [الأنعام: 151] والمعنى أن تشركوا. وهذان الوجهان الأخيران يعترض عليهما بأنه لو جاز ذلك بناء على هذا التأويل فلم لا يجوز أن يظهروا كلمة الكفر في جملة القرآن، أو في الصلاة بناء على هذا التأويل، ولكن الأصل في الدين أن لا يجوز عليهم شيئاً من ذلك، لأن الله تعالى قد نصبهم حجة واصطفاهم للرسالة فلا يجوز عليهم ما يطعن في ذلك أو ينفر، ومثل ذلك في التنفير أعظم من الأمور التي حثه الله تعالى على تركها نحو الفظاظة وقول الشعر، فقد ظهر القطع بكذب هذه الوجوه المذكورة في قوله: الغرانيق العلا هذا إذا فسرنا التمني بالتلاوة. فأما إن فسرنا التمني بالخاطر وتمني القلب، فالمعنى أنه - عليه السلام - إذا تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل ويدعوه إلى ما لا ينبغي، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته. ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه: أحدها: أنه تمنى ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم بالثناء قالوا: إنه - عليه السلام - كان يحب أن يتألفهم، فكان يتردد ذلك في نفسه، فعندما لحقه النعاس زاد تلك الزيادة من حيث كانت في نفسه، وهذا أيضاً خروج عن الدين لما تقدم. وثانيها: قال مجاهد إنه - عليه السلام - كان يتمنى إنزال الوحي عليه على سرعة دون تأخير، فنسخ الله ذلك بأن عرفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوادث والنوازل وغيرها. وثالثها: يحتمل أنه - عليه السلام - عند نزول الوحي كان يتفكر في تأويله إذا كان مجملاً، فيلقي الشيطان في جملته ما لم ينزل، فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال ويحكم ما أراده بأدلته وآياته. ورابعها: معنى «إذَا تَمَنَّى» إذا أراد فعلاً مقرباً إلى الله ألقى الشيطان في فكره ما يخالفه، فرجع إلى الله في ذلك، وهو كقوله: ﴿إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201] ، وكقوله: ﴿وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله﴾ [الأعراف: 200] . ومن الناس من قال لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب، لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر ببال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتنة للكفار، وذلك يبطله قوله: ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والقاسية قُلُوبُهُمْ﴾ . والجواب: لا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة للكفار. فصل يرجع حاصل البحث إلى أن الغرض من هذه الآية بيان أن الرسل الذين أرسلهم الله وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر، فالواجب أن لا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم، وذلك هو المحكم. وقال أبو مسلم: معنى الآية أنه لم يرسل نبياً إلا إذا تمنى كأنه قيل: وما أرسلنا إلى البشر ملكاً (وما أرسلنا إليهم نبياً إلا منهم) ، وما أرسلنا من نبي خلا عند تلاوته من وسوسة الشيطان، وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلمه صواب ذلك، وبطلان ما يكون من الشيطان، قال: وفيما تقدم من قوله: ﴿قُلْ يا أيها الناس إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الحج: 49] تقوية لهذا التأويل، كأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين: أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة، ولم يرسل الله قبلي ملكاً، وإنما أرسل رجالاً فقد يوسوس الشيطان إليهم. فإن قيل: هذا إنما يصح لو كان السهو لا يجوز على الملائكة. قلنا: إذا كانت الملائكة أعظم درجة من الأنبياء لم يلزم من استيلائهم بالوسوسة على الأنبياء استيلائهم بالوسوسة على الملائكة. واعلم أنه لما شرح حال هذه الوسوسة أردف ذلك ببحثين: الأول: كيفية إزالتها، وهو قوله: ﴿فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ﴾ والمراد إزالته وإزالة تأثيره، وهو النسخ اللغوي، لا النسخ الشرعي المستعمل في الأحكام. وأما قوله: ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ﴾ فإذا حمل التمني على القراءة فالمراد به آيات القرآن، وإلا فيُحمل على أحكام الأدلة التي لا تجوز فيها الغلط. البحث الثاني: أنه تعالى بين أثر تلك الوسوسة شرح أثرها في حق الكفار أولاً ثم في حق المؤمنين ثانياً، أما في حق الكفار فهو قوله: ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً﴾ ، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك، والمراد به تشديد التبعد، لأن ما يظهر من الرسول - عليه السلام - من الاشتباه في القراءة سهواً يلزمهم البحث عن ذلك ليميزوا السهو من العمد، وليعلموا أن العمد صواب والسهو قد لا يكون صواباً. ثم قال: ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق، وخصهم بذلك، لأنهم مع كفرهم محتاجون إلى التدبر. (وأما المؤمنون فقد تقدم علمهم بذلك فلا يحتاجون إلى التدبر) وأما القاسية قلوبهم فهم المشركون المصرون على جهلهم باطناً وظاهراً. ثم قال: ﴿وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ يريد أن هؤلاء المنافقين والمشركين. والمعنى: وإنهم. فوضع الظاهر موضع المضمر، قضى عليهم بالظلم وأبرزهم ظاهرين للشهادة عليهم بهذه الصفة الذميمة. والشقاق الخلاف الشديد والمعاداة والمباعدة سواء. وأما في حق المؤمنين فهو قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ ولنرجع إلى الإعراب فنقول: قوله: ﴿إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان﴾ في هذه الجملة بعد «إلاّ» ثلاثة أوجه: أحدها: أنها في محل نصب على الحال من «رَسُول» والمعنى: وما أرسلنا من رسول إلا حاله هذه، والحال محصورة. والثاني: أنها في محل الصفة لرسول، فيجوز أن يحكم على موضعها بالجر باعتبار لفظ الموصوف، وبالنصب باعتبار محله، فإن «مِنْ» مزيدة فيه. الثالث: أنها في موضع استثناء من غير الجنس. قاله أبو البقاء، يعني: أنه استثناء منقطع و «إذا» هذه يجوز أن تكون شرطية، وهو الظاهر، وإليه ذهب الحوفي، وأن تكون لمجرد الظرفية. قال أبو حيان: ونصوا على أنه يليها - يعني «إلا» - في النفي المضارع بلا شرط نحو ما زيد إلا يفعل، وما رأيت زيداً إلا يفعل، والماضي بشرط تقدم فعل نحو ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ﴾ [الحجر: 11] ، أو مصاحبة (قد) نحو: ما زيد إلا قد فعل، وما جاء بعد (إلا) في الآية جملة شرطية ولم يلها ماض مصحوب ب (قد) ، ولا عار منها، فإن صح ما نصوا عليه يؤول على أن «إذا» جردت للظرفية، ولا شرط فيها، وفصل بها بين (إلا) والفعل الذي هو «أَلْقَى» ، وهو فصل جائز، فتكون «إلا» قد وليها ماض في التقدير، ووجد شرطه وهو تقدم فعل قبل (إلا) وهو «وَمَا أَرْسَلْنَا» . قال شهاب الدين: ولا حاجة إلى هذا التكليف المخرج للآية عن معناها بل هي جملة شرطية إما حال أو صفة أو استثناء كقوله: ﴿إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ فَيْعَذِّبُهُ﴾ [الغاشية: 23 - 24] وكيف يدعي الفصل بها وبالفعل بعدها بين «إلا» وبين «ألقى» من غير ضرورة تدعو إليه، ومع عدم صحة المعنى. وقوله تعالى: ﴿إِذَا تمنى﴾ إنما أفرد الضمير، وإن تقدمه سببان معطوف أحدهما على الآخر بالواو، لأن في الكلام حذفاً تقديره: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى، ولا نبي إلا إذا تمنى كقوله: ﴿والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: 62] ، والحذف إما من الأول أو الثاني. والضمير في «أُمْنِيَّتِه» فيه قولان: أظهرهما أنه ضمير الشيطان والثاني: أنه ضمير الرسول. قوله: «لِيَجْعَلَ» في متعلق هذه اللام ثلاثة أوجه: أظهرها: أنها متعلقة ب «يُحْكِمُ» ، أي: ثم يُحْكِمُ الله آياته ليجعل، وقوله: ﴿والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ جملة اعتراض، وإليه نحا الحوفي. والثاني: أنها متعلقة ب «يَنْسَخُ» وإليه نحا ابن عطية، وهو ظاهر أيضاً. الثالث: أنها متعلقة ب «أَلْقَى» ، وليس بظاهر. وفي اللام قولان: أحدهما: أنها للعلة. والثاني: أنها للعاقبة. و «ما» في قوله: «ما يُلْقِي» الظاهر أنها بمعنى الذي، ويجوز أن تكون مصدرية. قوله: «والقاسِيَة» أل في «القَاسِيَة» موصولة، والصفة صلتها، و «قُلُوبُهم» فاعل بها، والضمير المضاف إليه هو عائد الموصول، وأُنِّثت الصلة لأن مرفوعها مؤنث مجازي، ولو وضع فعل موضعها لجاز تأنيثه. و «القَاسِيَة» عطف على «الذين» ، أي: فتنة للذين في قلوبهم مرض وفتنة للقاسية قلوبهم. قوله: «وَليَعْلَمَ الَّذِينَ» عطف على «لِيَجْعَلَ» عطف علة على مثلها والضمير في «أنَّه» قال الزمخشري: إنه يعود على تمكين الشيطان، أي: ليعلم المؤمنون أن تمكين الشيطان من ذلك الإلقاء هو الحق. أما على قول أهل السنة فلأنه تعالى يتصرف كيف شاء في مُلكه ومِلكه فكان حقاً وأما على قول المعتزلة فلأنه تعالى حكيم فتكون كل أفعاله صواباً فيؤمنوا به وقال ابن عطية: إنه يعود على القرآن، وهو وإن لم يجر له ذكر فهو في قوة المنطوق، وهو قول مقاتل. وقال الكلبي: إنه يعود إلى نسخ الله ما ألقاه الشيطان. قوله: «فَيُؤْمِنُوا» عطف على «وَليَعْلَمَ» ، و «فَتُخْبِتَ» عطف عليه وما أحسن ما وقعت هذه الفاءان. ومعنى «فَتُخْبِتَ» أي تخضع وتسكن له قلوبهم لعلمهم بأن المقضي كائن وكلٌّ مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَه. فصل ومعنى «أُوتُوا العِلْمَ» أي: التوحيد والقرآن. وقال السُّدِّي: التصديق. «فَيُؤْمِنُوا به» أي: يعتقدوا أنه من الله. قوله: ﴿وَإِنَّ الله لَهَادِ﴾ قرأ العامة «لهَادِ الَّذِينَ» بالإضافة تخفيفاً. وابن أبي عبلة وأبو حيوة بتنوين الصفة وإعمالها في الموصول. والمعنى: أن الله يهدي الذين آمنوا إلى طريق قويم وهو الإسلام. قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ﴾ الآية. لما بين حال الكافرين أولاً ثم حال المؤمنين ثانياً عاد إلى شرح حال الكافرين مرة أخرى، فقال: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ﴾ شك ونفاق «مِنْه» أي: من القرآن، أو من الرسول، أو مم ألقاه الشيطان. والمِرية والمُرية بالكسر والضم لغتان مشهورتان، وظاهر كلام أبي البقاء أنهما قراءتان. قوله: ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة﴾ وهذا يدل على أن الأعْصَار إلى قيام الساعة لا تخلو ممن هذا وصفه. «بغْتَة» أي: فجأة من دون أن يشعروا، ثم جعل الساعة لكفرهمِ، وأنهم يؤمنون عند أشراط الساعة على وجه الإلجاء. وقيل: أراد بالساعة الموت. ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ . قال الأكثرون: هو يوم بدر. وقال عكرمة والضحاك: هو يوم القيامة. والعقيم من العُقْم، وفيه قولان: أحدهما: أنه السد، يقال: امرأة مَعْقُومة الرَّحم أو مسدودته عن الولادة. وهو قول أبي عبيد. والثاني: أن أصله القطع، ومنه (المُلْك عَقِيم) أي: لأنه يقطع صلة الرحم بالتراحم عليه، ومنه العقيم لانقطاع ولادتها. والعقم انقطاع الخبر، ومنه يوم عقيم، قيل: لأنه لا ليلة بعده، ولا يوم فشبه بمن انقطع نسله، وقيل: لأنهم لا يرون فيه خيراً. وقيل: لأن كل ذات حمل تضع حملها في ذلك اليوم، فكيف يحصل الحمل فيه. هذا إن أريد به يوم القيامة. وإن أريد به يوم بدر فقيل: لأن أبناء الحرب تقتل فيه، فكأن النساء لم يلدنهم فيكنّ عُقماً، يقال: رجل عَقِيم وامرأة عَقيم، أي: لا يولد لهما. والجمع عقم. وقيل: لأنه الذي لا خير فيه، يقال: ريح عقيم إذا لم تنشئ مطراً، ولم تلقح شجراً. وقيل: إنه لا مثل له في عظم أمره، وذلك لقتال الملائكة فيه. والقول الأول أولى لأنه لا يجوز أن يقال: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ﴾ ويكون المراد إلى يوم بدر، لأن من المعلوم أنهم في مرية بعد يوم بدر. فإن قيل: لمّا ذكر الساعة، فلو حملتم اليوم العقيم على يوم القيامة لزم التكرار. قلنا: ليس كذلك لأن الساعة مقدمات القيامة، واليوم العقيم كما مر نفس ذلك اليوم على أن الأمر لو كان كما قال لم يكن تكراراً، لأن في الأول ذكر الساعة، وفي الثاني ذكر عذاب ذلك اليوم. وإن أريد بالساعة وقت الموت، وبعذاب يوم عقيم القيامة فالسؤال زائل. قوله: ﴿الملك يَوْمَئِذٍ للَّهِ﴾ ، وهذا من أقوى ما يدل على أن اليوم العقيم هو هذا اليوم، وأراد أنه لا مالك في ذلك اليوم سواه. و «يَوْمَئِذٍ» منصوب بما تضمنه «لِلَّهِ» من الاستقرار، لوقوعه خبراً. و «يَحْكُم» يجوز أن يكون حالاً من اسم الله، وأن يكون مستأنفاً، والتنوين في «يَوْمَئِذٍ» عوض من جملة، فقدرها الزمخشري: يوم يؤمنون. وهو لازم لزوال المِرْيَة، وقدره أيضاً: يوم نزول مِرْيَتِهِم. ثم بيَّن تعالى كيف يحكم بينهم وأنه يصير المؤمنين إلى جنات النعيم والكافرين إلى عذاب مهين. قوله: «والَّذِيْنَ كَفَرُوا» مبتدأ، وقوله: «فأولَئِكَ» وما بعده خبره ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط بالشرط المذكور، و «لَهُم» يحتمل أن يكون خبراً عن «أولَئِكَ» و «عَذَاب» فاعل به لاعتماده على المخبر عنه. وأن يكون خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ، والجملة خبر «أولئك» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب