الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد﴾ الآية. لما استدل بالأشياء المذكورة، وهي من أصول النعم الدنيوية أتبعه بما يدل على أن هذه الدنيا أمرها كذلك يبقى ولا يدوم، وإنما خلقها سبحانه وتعالى للابتلاء والامتحان، وليتوصل بها إلى دار الخلود فقال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد﴾ .
قال مقاتل: إن ناساً كانوا يقولون: إن محمداً لا يكون فنزلت هذه الآية.
وقيل: كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون به في قولهم: نتربص بمحمد ريب المنون، فنفى الله عنه الشماتة بهذه الآية فقال: ﴿أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون﴾ قضى الله تعالى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت ولا هم، وفي هذا المعنى قول القائل:
3713 - فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ... سيلقى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
وقيل: يحتمل أنه لما أظهر أنه عليه السلام خاتم الأنبياء، وجاز أن يقدم مقدر أنه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه، فنبه الله تعالى على أنه حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السلام في الموت.
قوله: ﴿أَفَإِنْ مِّتَّ﴾ تقدم نظيره في آل عمران عند قوله: ﴿أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ [آل عمران: 144] وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه، وهو أنه إذا اجتمع شرط واستفهام أجيب الشرط، فتكون الآية قد دخلت فيها همزة الاستفهام على جملة الشرط، وليست مصبًّا للاستفهام، وزعم يونس أن الاستفهام منصب على الجملة المقترنة بالفاء، وأن الشرط معترض بين الاستفهام وبينها، وجوابه محذوف. وليس بشيء إذ لو كان كما قال لكان التركيب: أفإن مت هم الخالدون بغير فاء. وكان ابن عطية ينحى منحى يونس فإنه قال: وألف استفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط.
قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت﴾ هذا العموم مخصوص فإن له تعالى نفساً لقوله تعالى: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: 116] مع الموت لا يجوز عليه.
قال ابن الخطيب: وكذا الجمادات لها نفوس، وهي لا تموت، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولاً به فيما عدا هذه الأشياء، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت. واعلم أن الذوق ها هنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق، بل الذوق إذ ذاك خاص، فيجوز جعله مجازاً عن اصل الإدراك.
وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه، وحال وجوده يصير الشخص ميتاً، والميت لا يدرك شيئاً والإضافة في ﴿ذَآئِقَةُ الموت﴾ في تقدير الانفصال، لأنه لما يستقبل، كقوله: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصيد﴾ [المائدة: 1] و ﴿هَدْياً بَالِغَ الكعبة﴾ [المائدة: 95] .
قوله: ﴿وَنَبْلُوكُم بالشر والخير﴾ «نَبْلُوكُمْ» نختبركم «بالشَّر والخَيْرِ» بالشدة والرخاء، والصحة والسقم والغنى والفقر.
وقيل: بما تحبون وما تكرهون لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم. وإنما سمي ذلك ابتلاء وهو عالم بما يكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار. قوله: «فِتْنَةً» في نصبه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول من أجله.
الثاني: أنه مصدر في موضع الحال، أي فاتنين.
الثالث: أنه مصدر من معنى العامل لا من لفظه، لأن الابتلاء فتنة، فكأنه قيل: نفتنكم فتنة. ثم قال: «وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» أي: إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته بيّن بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد. وقرأ العامة «ترجعون» بتاء الخطاب مبنياً للمفعول. وغيرهم بياء الغيبة على الالتفات.
قوله: ﴿وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً﴾ المعنى: ما يتخذونك إلا هزواً، وهذا رجوع إلى تهجين كفرهم. قال السدي ومقاتل: «نزلت في أبي جهل قرية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكان أبو سفيان مع أبي جهل، لأبي سفيان: هذا نبيّ عبد مناف، فقال أبو سفيان: وما تنكر أن يكون نبياً في بني عبد مناف. فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قولهما فقال لأبي جهل» ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلته رحمة «فنزلت هذه الآية. فوله:» إنْ يَتَّخِذونَك «» إنْ «هنا نافية، وهي وما في حيزها جواب الشرط بإذا. و» إذا» مخالفة لأدوات الشرط في ذلك، فإن أدوات الشرط متى أجيبت ب (إن) النافية أو ب (ما) النافية وجب الإتيان بالفاء تقول: إن أتيتني فإن أهنتك، أو فما أهنتك، وتقول: إذا أتيتني ما أهنتك بغير فاء يدل له قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الجاثية: 25] و «اتخذ» هنا متعد لاثنين و «هُزُواً» هو الثاني إما على حذف مضاف، وإما على الوصف بالمصدر مبالغة، وإما على وقوعه موقع اسم المفعول.
وفي جواب» إذَا «قولان:
أحدهما: أنه» إِنْ «النافية وقد تقدم.
والثاني: أنه محذوف، وهو القول الذي قد حكي به الجملة الاستفهامية في قوله ﴿أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ إذ التقدير: وإذا رآك الذين كفروا يقولون أهذا الذي، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وبين جوابه المقدر.
قوله: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ﴾ » هُمْ «الأولى مبتدأ مخبر عنه ب» كَافِرُونَ» ، و «بِذِكْرِ» متعلق بالخبر، والتقدير: وهم كافرون بذكر، و «هُمْ» الثانية تأكيد للأول تأكيداً لفظياً، فوقع الفصل بين العامل ومعموله بالمؤكد، وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول.
وفي هذه الجملة قولان:
أحدهما: أنها في محل نصب على الحال من فاعل القول المقدر، أي: يقولون ذلك وهم على هذه الحالة.
والثاني: أنها حال من فاعل «يتخذونك» ، وإليه نحا الزمخشري فإنه قال: والجملة في موضع الحال، أي يتخذونك هزواً وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله.
فصل
والمعنى: أنهم يعيبون عليه كونه يذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء مع أنهم بذكر الرحمن المنعم عليهم الخالق المحيي المميت كافرون، ولا فعل أقبح من ذلك فيكون الهزؤ واللعن والذم عليهم من حيث لا يشعرون. ويحتمل أن يراد «بذكر الرحمن» القرآن. ومعنى إعادة «وهم» أن الأولى إشارة إلى القوم الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل، والثانية إبانة لاختصاصهم به، وأيضاً فإن في إعادتها تأكيداً وتعظيماً لفعلهم.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرࣲ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِی۟ن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَـٰلِدُونَ","كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ","وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا ٱلَّذِی یَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ"],"ayah":"كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَیۡرِ فِتۡنَةࣰۖ وَإِلَیۡنَا تُرۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











