الباحث القرآني

قوله: «فَأتِيَاهُ» أعاد التكليف المتقدم فقال: ﴿فأتِيَاهُ فَقُولاَ لَهُ﴾ وذلك أنه تعالى قال أولاًَ ﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ﴾ [طه: 24] وثانياً قال: ﴿اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ﴾ [طه: 42] وقال ثالثاً: ﴿اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ﴾ [طه: 43] . ورابعاً (قال هاهنا «فَأتِيَاهُ» ) . فإن قيل: إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له «قَوْلاً لَيِّناً» ، وهاهنا أمرهما بأن يقولا ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ﴾ وفي هذا تغليظ من وجوه: الأول: «إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ» ) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما، وذلك يعظم على الملك المتبوع. والثاني: قوله: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ﴾ فيه إدخال النقص على ملكه، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا: أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم. والثالث: نهيهم له بقولهم: «وَلاَ تُعَذِّبهُمْ» . والرابع: قوله: ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ . فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً؟ فالجواب: أن الإنسان إذا أظهر اللجاجة فلا بد له من التغليظ. فإن قيل: أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولاَ رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟ فالجواب: بل هذا أولى، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز. قوله: ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ قال الزمخشري: هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي ﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ﴾ مجرى البيان والتفسير، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا بينتهما التي هي مجيء الآية. فإن قيل: إن الله تعالى أعطاه آيتين، وهما العصا واليد ثم قال: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} [طه: 42] ، وذلك يدل على ثلاث آيات وقال هاهنا ﴿قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ﴾ ، وذلك يدل على أنها كانت واحدة (فكيف الجمع) ؟ أجال القفال: بأن معنى الآية هاهنا الإشارة إلى جنس الآيات كأنه قال: جئْنَاك ببيان من عند الله. ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة. وقال غيره: المراد في هذا الموضوع تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال: قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف: 105] ، وقوله: ﴿فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [الأعراف: 106] وقوله: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء: 30] . وتقدم الجواب عن التثنية والجمع، وأن في العصا واليد آيات. قوله: ﴿والسلام على مَنِ اتبع الهدى﴾ يحتمل أن يكون تسليماً منهما ولم يؤمرا به، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب قال بعضهم: إنَّ (عَلَى) بمعنى (اللام) أي والسلام لمن اتبع الهدى كقوله تعالى: ﴿لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سواء الدار﴾ [الرعد: 25] أي: عليهم اللعنة، وقال تعالى: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت: 46] وقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: 7] . وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام والسلام بمعنى السلامة، كما يقال: رضاع ورضاعة. وقيل: هذا من كلام الله تعالى كأنه قال: «فَقُولاَ إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ وَقُولاَ لَهُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى» ، وليس المراد منه التحية إنما معناه سَلِم من عذاب الله من أسلم. قوله: «أرسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَائيلَ» خلِّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك «وَلاَ تُعَذِّبهُم» لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة. قوله تعالى: ﴿لْعَذَابَ على مَن كَذَّبَ وتولى﴾ هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم، لأن الألف واللام للاستغراق، أو الإفادة (الماهية، وعلى) التقديرين يقتضي انحصار هذا الجنس في «من كذب وتولى) فوجب أن لا تحصل لغير المكذب المتولي. وظاهر هذه الآية يقتضي بأنه لا يعاقب أحداً من المؤمنين بترك العمل به في بعض الأوقات، فجب أن يبقى على أصله في نفي الدوام، ولأن العقاب المتناهي إذا حصل بعد السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب فلذلك يجسن مع حصول ذلك القجر أن يقال: إنه لا عقاب. وأيضاً فقوله: ﴿والسلام على مَنِ اتبع الهدى﴾ يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى، إذا فسَّرنا السلام بالسلامة. والعارف بالله قد اتبع الهدى، فوجب أن يكون صاحب السلامة. ومعنى الآية: إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه. قوله:» أنَّ العَذَابَ «» أنَّ «وما في خبرها في محل رفع لقيامه الفاعل الذي حذف في «أُوْحِيَ إِلَيْنَا» بنائه للمفعول (خوفاً أن يبدر من فرعون بادرة لمن أوحي لو سمياه فطويا ذكره تعظيماً له واستهانة بالمخاطب) .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب