الباحث القرآني
«الوليّ» فعيل بمعنى: فاعل من قولهم: ولي فلان الشَّيء يليه ولاية، فهو وَال وولى، وأصله من الوَلْي الَّذي هو القُرْبُ؛ قال الهُذليُّ: [الكامل]
1188 - ... ... ... ... ... ... ... ..... وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ
ومنه يقال داري تلي دارها، أي: تقرب منها ومنه يُقالُ للمحبّ المقارب ولي؛ لأَنَّهُ يقرب منك بالمحبَّةِ والنُّصرة، ولا يفارقك، ومنه الوالي؛ لأَنَّه يلي القوم بالتَّدبير والأمر والنّهي، ومنه المولى، ومن ثمّ قالوا في خلاف الولاية: العداوة من عدا الشَّيء: إذا جاوزه، فلأجل هذا كانت العَدَاوةُ خلاف الوِلاَية ومعنى قوله تبارك وتعالى: ﴿الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ﴾ ، أي: ناصرهم ومعينهم، وقيل: مُحبهم.
وقيل: متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره.
وقال الحسنُ: ولي هدايتهم.
قوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ ، أي: من الكُفْرِ إلى الإيمان.
قال الواقدي: كلّ ما في القرآن من الظُلُماتِ، والنور فالمرادُ منه: الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [الأنعام: 1] فالمراد منه اللَّيل والنَّهار، سُمي الكفر ظُلمة لالتباس طريقه، وسُمي الإسلام نُوراً، لوضوح طريقه.
وقال أَبو العبَّاس المُقْرىءُ «الظُّلُمَات» على خمسة أوجه:
الأول: «الظُّلُمَاتُ» الكفر كهذه الآية الكريمة.
الثاني: ظُلمة اللَّيلِ قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ يعني اللَّيل والنهار.
الثالث: الظُّلُمَات ظلمات البر والبحر والأهوال قال تعالى: ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر﴾ [الأنعام: 63] أي من أهوالهما.
الرابع: «الظُّلُمَات» بطون الأُمَّهات، قال تعالى: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ [الزمر: 6] يعني المشيمة والرحم والبطن.
الخامس: بطنُ الحُوتِ قال تعالى: ﴿فنادى فِي الظلمات﴾ [الأنبياء: 87] أي في بطنِ الحوت.
* فصل في سبب النُّزولِ
ظاهر الآية يقتضي أنهم كانُوا في الكفر، ثم أخرجهم اللهُ تعالى من ذلك الكُفْرِ إلى الإِيمان، وها هنا قولان:
الأول: أَنَّ هذه الآية مختصَّةٌ بمن كان كافراً، ثم أَسلم، وذكر في سبب النُّزول روايات:
أحدها: قال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية في قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث اللهُ سبحانه وتعالى محمداً - عليه الصَّلاة والسَّلام - آمن به من كفر بعيسى وكفر به من آمن بعيسى.
وثانيتهما: أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - على طريقة النَّصَارى، ثم آمنوا بعده بمحمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فقد كان إِيمانهم بعيسى حين آمنوا به كفراً، وظلمةً، لأَنَّ القول بالاتِّحاد كفرٌ باللهِ تعالى، أخرجهم من تِلْكَ الظُّلمات إلى نور الإِسلامِ.
وثالثتها: أنها نزلت في كُلِّ كافر أسلم وآمن بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
القول الثاني: أَنْ يحمل اللَّفظ على كُلِّ مَنْ آمن بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سواء كان ذلك الإيمان بعد كُفْرٍ، أو لم يكن؛ لأنه إخراج من ظُلُمات الكفر إلى نور الإِسلامِ؛ لقوله تعالى:
﴿وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا﴾ [آل عمران: 103] ومعلومٌ أَنهم ما كانوا في النار أَلْبَتَّةَ، وقال في قِصَّة يُوسُف عليه الصَّلاة والسَّلام ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 37] ولم يكن فيها قطّ، وسمي النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إنساناً يقولُ: أشهد ألا إله إِلا الله، فقال: «عَلَى الفِطْرَةِ» ، فلما قال: أشهَدُ أَنَّ محمداً رسول اللهِ قال: «خَرَجَ مِنَ النَّارِ» ، ومعلوم أنه ما كان فيها.
روي أنه عليه السَّلامُ أقبل على أَصحابه، فقال «تَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ تَهَافُتَ الجَرَادِ، وَهَا أَنَا آخِذٌ بِحُجزِكُم» ومعلوم أَنَّهم ما كانوا متهافتين في النَّارِ.
فصل
استدلَّ بعضُ العُلماء بهذه الآية على أَنَّ الغاية تدخل في المُغيَّا. لقوله تعالى على لسانه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» فلو لم يدخلون في النُّور لم يخرجهم من الظُّلمات إِلى النُّور، ولو لم تدخل الغايةُ في المُغيّا، لما أدخلوهم في النُّور.
فصل
فإن قيل: هذه الآية صريحة في أَنَّ الله سبحانه وتعالى هو الَّذي أخرج الإِنسان من الكُفْر، وأدخله في الإيمان، فيلزمُ أن يكون الإِيمانُ بخلق الله تعالى؛ لأَنَّهُ لو حصل بخلق العبد، لكان العبدُ هو الذي أخرجَ نفسهُ من الكُفر إلى الإِيمان وذلك يناقض صريح الآية.
أَجَاب المعتزلةُ بأَنَّ هذا محمولٌ على نصبِ الأَدلَّةِ وإِرسال الأنبياء، وإِنزالِ الكُتُبِ، والتَّرغيب في الإِيمانِ، والتَّحذير عن الكُفْرِ بأقصى الوجوه:
قال القاضي: وقد نَسَبَ اللهُ الإِضلال إِلى الصَّنَم بقوله تعالى: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس﴾ [إبراهيم: 36] ، لأجل أَنَّ الأَصْنَامَ سبب بوجه ما لضلالهم، فبأن يضاف الإِخراج من الظُّلمات إلى النُّور إلى الله تعالى مع قوَّةِ الأسبابِ التي فعلها بمن يؤمن أولى.
والجواب: من وجهين:
أحدهما: أَنَّ هذا حمل للَّفظ على خلاف حقيقته.
الثاني: أَن هذه التَّرغيبات إِنْ كانت مؤثرة في ترجيح الدَّاعية، صار الرَّاجح واجباً والمرجوح ممتنعاً، وحينئذٍ يبطلُ قولهم، وإن لم تؤثر في التَّرجيح لم يصحّ تسميتها بالإِخراج.
قوله تعالى: ﴿والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت﴾ : «الذين» مبتدأ أولُ، وَأَوْلياؤهم مبتدأ ثانٍ، وَالطَّاغُوتُ: خبرهُ، والجملةُ خبرُ الأَوَّلِ. وقرأ الحسنُ «الطَّوَاغيت» بالجمع، وإن كان أصلُه مصدراً؛ لأنه لمَّا أطلق على المعبود مِنْ دُونِ الله اختلفَت أنواعهُ، ويؤيِّد ذلك عَوْدُ الضميرِ مَجْمُوعاً من قوله: «يُخْرِجونهم» .
قوله: «يُخْرِجونهم» هذه الجُملة وما قبلها من قوله: «يُخْرِجُهم» الأحسنُ ألاَّ يكونَ لها محلٌّ من الإِعرابِ، لأَنَّهُمَا خَرَجا مخرجَ التفسير للولاية، ويجوزُ أن يكونَ «يُخْرِجُهم» خبراً ثانياً لقوله: «الله» وَأَنْ يكونَ حالاً من الضَّمير في «وليُّ» ، وكذلك «يُخْرِجُونَهُم» والعاملُ في الحالِ ما في معنى الطَّاغُوتِ، وهذا نظيرُ ما قاله الفارسيُّ في قوله تعالى:
﴿نَزَّاعَةً للشوى﴾ [المعارج: 16] إنها حالٌ العاملُ فيها «لَظَى» وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى و «مَنْ» [و] «إِلى» مُتعلِّقان بفعلي الإِخراج.
فإن قيل كيف قال «يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلى الظُّلماتِ» وهم كفارٌ لم يكونوا في نور قطّ.
فالجواب هم اليهود كانوا مؤْمنين بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أنْ يُبعث لما يجدون في كتبهم من نعته، فلما بُعث كَفَرُوا به.
وقال مُقاتلٌ: يعني كعب بن الأَشرف وحيي بن أخطب، وسائر رؤوس الضلالة؛ «يُخْرِجُونَهُم» يدعونهم.
وقيل هو على العُموم في حقِّ جميع الكُفَّار، وقالوا: منعهم إياهم من الدخول فيه إخراج، كما يَقُولُ الرَّجُل لأبيه أخرجتني من مالك، ولم يكن فيه، ولما قدَّمنا في التي قبلها.
* فصل في دفع شبهة للمعتزلة
احتجت المعتزلةُ بهذه الآية الكريمة على أَنَّ الكُفْر ليس من الله تعالى، قالوا: لأنه تعالى أضافه إلى الطَّاغوت لا إلى نفسه.
وأُجيبوا بأَنَّ إسناد هذا إلى الطَّاغُوت مجاز بالاتفاق بيننا وبينكم؛ لأن المراد ب «الطَّاغُوت» على أظهر الأقوال هو الصَّنَمُ، وإذا كانت هذه الإضافة مجازية بالاتفاق، خرجت عن أن تكُون حجة لكم.
قوله: ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ يحتمل أَنْ يرجع ذلك إلى الكُفَّار فقط ويحتمل أَنْ يرجع إلى الكُفَّار والطَّواغيت معاً.
{"ayah":"ٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ یُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











