الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ مبتدأ، خبرُه الجارُّ بعده، ولا بُدَّ من حذفِ مضافٍ، تقديرُه: انتهاكُ حُرْمة الشَّهْر الحرامِ بانتهاكِ حرمةِ الشهرِ، والألفُ واللامُ في الشَّهْر الأوَّل والثَّاني لِلْعهَد؛ أنَّهما معلومان عند المخاطبين؛ فإنَّ الأولَ ذُو القَعْدَةِ من سنة سَبْع، والثاني من سنة سَتٍّ.
وقرئ. «والحُرْمَات» بسكون الراء، ويُعْزَى للحسن وقد تقدَّم عند قوله ﴿فِي ظُلُمَاتٍ﴾ [البقرة: 17] أنَّ جمعَ «فُعْلَةٍ» بشروطِها يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجه: هذان الاثنانِ، وفَتْحُ العين.
* فصل في بيان سبب النُّزول
في سبب نزول الآية ثلاثة أوجه:
أحدها: قال ابنُ عبَّاس ومجاهدٌ، والضَّحَّاك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - أنَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وشَرَّف، وكَرَّم، ومَجَّد، وبَجَّل، وعَظَّم - خرج عام الحُديبية لِلْعُمرة، وذلك في ذي القعدة سنة ستٍّ مِنَ الهجرة، فصدَّه أهلُ مكة عَنْ ذلك ثُمَّ صالحُوه أنْ ينصرف، ويعودَ في العام القابل؛ ويتركُوا له «مكَّةَ» ثلاثة أيَّام؛ حتَّى يقضي عُمْرَتَهُ فانصرَفَ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشَرَّف، وكَرَّم، ومَجَّد، وبَجَّل، وعَظَّم - عامهُ ذلك، ورجع في العام القابل في ذي القعدة سنَة سبعٍ، ودَخَل مَكَّة، واعتَمر؛ فأنزل اللَّهُ تعالى هذه الآية الكريمة يعني إنَّك دخلت مكَّة في الشهر الحرام، والقومُ كانُوا صَدُّوكَ في السنةِ الماضية في هذا الشَّهر؛ فهذا الشهر الحرامُ؛ بذلك الشهرِ الحرامِ.
وثانيها: قال الحسن: إنَّ الكُفَّار سَمِعُوا أنَّ الله تعلاى نهى الرسُولَ - عليه الصَّلاة والسَّلأم - عن المقاتلة في الأشهر الحُرُم؛ وهو قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ الله﴾ [البقرة: 217] فأرادوا مقاتلته، وظنُّوا أنَّهُ لا يُقاتلهم في الأشهر الحُرُم؛ فأنزل اللَّهُ تعالى في هذه الآية؛ لبيان الحُكم في هذه الواقعة فقال: ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ أي من استحلَّ قتالكم من المشركين من الشَّهر الحرام، فاستحلّوه أنتم فيه.
وثالثها: قال بعضُ المتكلِّمين: هو أنَّ الشهر الحرام لما لم يمنعكم عن الكفر بالله، فكيف يمنعنا عن قتالكم؟ فالشهر الحرام من جانبنا مقابل الشهر الحرام جانبكم؛ والحاصل في هذه الوجوه: أنَّ رحمة الشَّهر الحرام لما لم تمنعهُم عن الكفر، والأفعالِ القبيحة، فكيف جعلوه سبباً في منع القتالِ على الكفر والفساد؟!
قوله: «والحرمات قصاصٌ» الحرماتُ: جمع حرمة؛ كظلمات جمع ظلمة، وحجرات جمع حجرة، الحرمة ما منع من انتهاكه، وجمعها؛ لأنَّه أراد حُرمة الشَّهر الحرامِ والبلد الحرام، وحرمة الإحرام. و «القصاص» : المُساوَاةُ والمُمَاثلة.
والمعنى على الوجه الأوَّل في النُّزول لمَّا أضاعوا هذه الحُرمات في سنة ستٍّ، فقد قضيتموها على زعمكم في سنة سبع.
وأما على الثَّاني: فالمراد إن أقدمُوا على مقاتلتكم في الشَّهر الحرام، فقاتلوهم أنتم أيضاً فيه.
قال الزَّجَاج: وعلم الله بهذه الآية: أنه ليس على المسلمين: أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء، بل على سبيل القصاص والمماثلة، وهذا القول أشبه بما قبل هذه الآية الكريمة، وهو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: 191] وبما بعدها؛ وهو قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ .
وأما على القول الثالث: فقوله «والحُرُمَاتُ قِصَاصٌ» يعني: حُرمَةُ كلِّ واحدٍ من الشهرين كحرْمة الآخر، وهما مثلان، والقِصاصُ هو المثلُ، ولَمَّا لم يمنعكُم حرمةُ الشَّهر من الكُفْر، والفِتنة، والقِتال، فكيف يمنعُنا عن القتال؛ فعلى هذا، فقوله: «والحُرُمَاتُ قِصَاصٌ» متَّصلٌ بما قبله.
وقيل: هو مقطوعٌ منه، وهو ابتداء أمرٍ كان في أوَّل الإسلام: أن من انتهك حُرمتك، نِلتَ منه بمثل ما اعتدى عليك، ثم نُسِخً ذلك بالقتال.
وقالت طائفةٌ: ما تناولت الآية الكريمة من التعدِّي بين أمة محمَّد - عليه الصَّلاة والسَّلام - والجنايات ونحوها - لم يُنسَخْ، وجاز لمن تُعُدِّيَ عليه من مال، أو جرح أن يتعدَّى بمثل ما تُعُدِّي به عليه.
وقوله ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ﴾ يجوزُ في «مَنْ» وجهان:
أحدهما: أن تكون شرطيةً، وهو الظاهرُ؛ فتكونَ الفاء جواباً.
والثاني: أن تكونَ موصولةً؛ فتكونَ الفاءُ زائدةً في الخبر، وقد تقدَّم نظيره.
قوله: ﴿بِمِثْلِ مَا اعتدى﴾ في الباء قولان:
أحدهما: أن تكون غير زائدةٍ، بل تكون معلِّقةً ب «اعْتَدُوا» والمعنى: بعقوبةٍ مثْل جنايةٍ اعتدائه.
والثاني: أنها زائدةٌ، أي: مثل ما اعَْدى به؛ فتكون: إمَّا نعتاً لمصدرٍ محذوف، أي: اعتداءً مماثلاً لاعتدائه، وإمَّا حالاً من المصدر المحذوف، كما هو مذهبُ سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - أي: فاعتدوا الاعتداء مُشبِهاً اعتداءُه، و «مَا» يجوزُ أن تكوَ مصدريةً، فلا تفتقر إلى عائدٍ، وأن تكون موصولةً؛ فيكون العائدُ محذوفاً، أي: بمثل ما اعتدى عليكُم به، وجاز حذفه؛ لأنَّ المُضاف إلى الموصول قد جُرَّ بحرفٍ قد جرَّ به العائدُ، واتَّحد المتعلِّقان وقد تقدَّم معنى تسمية المجازاة بالاعتداء.
* فصل في اختلافهم في تسيمة المكافأة عدواناً
قال القرطبيُّ: اختلف النَّاس في المكافأة، هل تُسمَّى عدواناً، أم لا؟ فمن قال: ليس في القرآن مجازٌ، قال: المقابلة عدوانٌ، وهو عدوانٌ مباحٌ، كما أنَّ المجاز في كلام العرب كذبٌ مباحٌ؛ لأن قوله: [الطويل]
719 - فَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ سَمْعاً وَطَاعَةً..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
وقولَهُ: [الرجز]
972 - إِمْتَلأَ الحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... وقوله: [الرجز]
973 - شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ...
ومعلوم أنَّ هذه الأشياء لا تنطق، وحدُ الكَذِب الإخبارُ عن الشَّيء بخلاف ما هو به.
ومن قال: في القُرآن مجازٌ: سمَّى هذا عُدواناً مجازاً على طريق المُقابلة كقوله عمرو بن كلثومٍ: [الوافر]
974 - أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا
وقول الآخر: [الطويل]
975 - ولِي فَرَسٌ لِلْحِلْمِ بِالْحِلْمِ مُلْجَمٌ ... وَلِي فَرَسٌ لِلْجَهْلِ بِالجَهْلِ مُسْرَجُ
وَمَنْ رَامَ تَقْوِيمي فَإِنِّي مُقَوَّمٌ وَمَنْ رَامَ تَعْوِيجي فَإِنِّي مُعَوَّجُ
يريد أُكافىءُ الجاهل والمُعوجَّ لا أنَّه امتدح بالجهل والاعوجاج.
قولُهُ «وَاتَّقُوا» قد تقدَّم معنى «التَّقْوَى» .
وقولُهُ: ﴿واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين﴾ ، أي: بالمعونَةِ، والنُّصرة، والحِفظ، وهذا من أقوى الدَّلائل على أنَّه ليس بجسمٍ، ولا في مكانٍ، إذ لو كان جسماً، لكان في مكانٍ معيَّن؛ فكان إمَّا أن يكون مع أحدٍ منهم، ولم يكن مع الآخر، أو يكون مع كُلِّ واحدٍ من المُتَّقين جزءُ من أجزائهِ، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً.
{"ayah":"ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











