الباحث القرآني

فالجواب: يحتمل أن يكون المراد أنَّهم لو ردُّوا إلى الكفر، وبقوا مظهرين له، فقد يميل بهم ذلك غلى الكفر، ويصيروا كافرين حقيقة، فكان تخوُّفهم من هذا الاحتمال. قوله : ﴿وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ : أي: وكما أنمناهم، وبعثناهم، لما فيه من الحكم الظاهرة؛ أعثرنا، أي: أطلعنا. وتقدَّم الكلام على مادَّة «عثر» في المائدة. يقال: عثرتُ على كذا، أي: علمته، وأصله أن من كان غافلاً عن شيءٍ فعثر به، نظر إليه، فعرفه، وكان العثارُ سبباً لحصول العلم، فأطلق اسم السَّببِ على المسبَّب «ليَعْلَمُوا» متعلق ب «أعْثرْنَا» والضمير: قيل: يعود على مفعول «أعْثَرنَا» المحذوف، تقديره: أعثرنا النَّاس، وقيل: يعود على أهل الكهف. * فصل في سبب تعرف الناس عليهم اختلفوا في السَّبب الذي عرف الناس به واقعة أصحاب الكهف، فقيل: لطول شعورهم، وأظفارهم؛ بخلاف العادة، وظهرت في بشرة وجوههم آثار عجيبةٌ يستدلُّ بها على أن مدَّتهم طالت طولاً بخلاف العادة. وقيل: لأن أحدهم لما ذهب إلى المدينةِ؛ ليشتري الطَّعام، أخرج الدراهم لثمن الطَّعام، فقال صاحب الطعام: هذه النُّقود غير موجودة في هذا الزَّمان، وإنها كانت موجودة قبل هذا الوقت بمدَّة مديدة؛ [فلعلك] وجدتَّ كنزاً، فحملوه إلى ملك تلك المدينة، فقال له الملك: أين وجدتَّ تلك الدَّراهم؟ فقال: بعتُ بها أمس تمراً، وخرجنا فراراً من الملك دقيانوس، فعرف الملك أنَّه ما وجد كنزاً، وأنَّ الله تعالى بعثه بعد موته. ومعنى قوله: ﴿ليعلموا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي: إنما أطلعنا القوم على أحوالهم؛ ليعلم القوم أنَّ وعد الله حقٌّ بالبعث والنَّشر؛ فإنَّ ملكَ ذلك الزَّمان كان منكر البعث، فجعل الله أمر الفتية دليلاً للملكِ. وقيل: اختلف أهلُ ذلك الزَّمانِ، فقال بعضهم: الرُّوحُ والجسد يبعثان جميعاً. وقال آخرون: إنَّما يبعثُ الرُّوح فقط، فكان الملك يتضرَّع إلى الله تعالى أن يظهر له آية يستدلُّ بها على الحقِّ في هذه المسالة، فأطلعه الله تعالى على أصحاب الكهف، فاستدلَّ بهم على صحَّة بعث الأجساد؛ لأنَّ انتباههم بعد ذلك النَّوم الطويل يشبه من يموت، ثم يبعث. قوله: «إذ يَتنازعُونَ» يجوز أن يعمل فيه «أعْثَرنا» أو «لِيعْلمُوا» أو لمعنى «حقٌّ» أو ل «وَعْد» عند من يتَّسعُ في الظرف، وأمَّا من لا يتَّسعُ، فلا يجوز عنده الإخبار عن الموصول قبل تمامِ صلته. واختلف في هذا التَّنازع، فقيل: كانوا يتنازعون في صحَّة البعث، فاستدلَّ القائلون بصحَّة هذه الواقعةِ، وقالوا: كما قدر الله على حفظ أجسادهم مدَّة ثلاثمائةٍ وتسع سنين، فكذلك يقدر على حشر الأجساد بعد موتها. وقيل: إنَّ الملك وقومه، لما رأوا أصحاب الكهف، ووقفوا على أحوالهم، عاد القوم إلى كهفهم، فأماتهم الله، فعند هذا اختلف الناس، فقال قومٌ: إنَّ بعضهم قال: إنهم نيامٌ، كالكرَّة الأولى. وقال آخرون: بل الآن ماتوا. وقيل: إن بعضهم، قال: سدّوا عليهم باب الكهف مسجدٌ، وهذا القول يدلُّ على أنَّ هؤلاء القوم كانوا عارفين بالله تعالى، ويعترفون بالعبادة والصلاة. وقيل: إنَّ الكفار قالوا: إنهم على ديننا، فنتخذ عليهم بنياناً، وقال المسلمون [إنهم] على ديننا، فنتخذ عليهم مسجداً. وقيل: تنازعوا في مقدار مكثهم. وقيل: تنازعوا في عددهم، وأسمائهم. قوله: «بُنْياناً» يجوز أن يكون مفعولاً به، جمع بنيانةٍ، وأن يكون مصدراً. قوله: ﴿رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ يجوز أن يكون من كلام الله تعالى، وأن يكون من كلامِ المتنازعين فيهم، ثم قال ﴿قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ﴾ قيل: هو الملك المسلم، واسمه بيدروس وقيل: رؤساء البلد. قوله «غلبوا» قرأ عيسى الثقفيُّ، والحسن بضمِّ الغين، وكسر اللام. قوله: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً﴾ يعبد الله فيه، ونستبقي آثار اصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب