الباحث القرآني
قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ﴾ جوابها محذوف، أي: لكان هذا القرآن، لأنه في غاية ما يكون من الصحة، واكتفى بمعرفة السامعين من مراده؛ كقوله الشاعر: [الطويل]
3180 - فأقْسِمُ لو شَيءٌ أتَاناَ ... سِواكَ ولكِنْ لَمْ نَجْدْ عنْكَ مَدْفَعَا
أراد: لرددناهن، وهذا معنى قول قتادة: قالوا: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وقيل: تقديره لما آمنوا.
ونقل عن الفراء: جواب «لو» هي الجملة من قوله ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن﴾ [الرعد: 30] وفي الكلام تقديم وتأخير وما بينهما اعتراض، وتقدير الكلام: وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآناً سيرت به الجبال كأنه قيل: لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم الموتى به لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا لما سبق من علمنا فيهم، كقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملاائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا﴾ [الأنعام: 111] وهذا في الحقيقة دال على الجواب.
وإنما حذفت التاء شفي قوله ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتى﴾ وثبتت في الفعلين قبله؛ لأنه من باب التغليب، لأن الموتى تشمل المذكر والمؤنث.
قوله ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا﴾ أصل اليأتس: قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه، واختلف الناس فه ههنا، فقال بعضهم هو هنا على بابه، والمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش، وذلك أنهم لما سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم وطلبوا نزول هله الآيات ليؤمن الكفار، وعلم الله أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم ييأس الذين آمنوا من آيات الكفار، أي: ييأس من إيمانهم قال الكسائي.
وقال الفراء: «أوقع الله للمؤنين أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فقال: أفلم ييأسوا علماً» يقول: يؤيسهم العلم، فكان فيهم العلم مضمراً كما تقول في الكلام: «يئست منك إن لا تفلح» كأنه قال: علمه علماً، قال: فيئست بمعنى علمت، وإن لم يكن سمع فإنه يتوجه لذلك بالتأويل «.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه وذلك لأنه لما أبعد إيمانهم في قوله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ﴾ على [التأويلين] في المحذوف المقدر، قال في هذه الآية» أفلمْ يَيْأسٍ «المؤمنون من إيمان هؤلاء علماً منهم ﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله لَهَدَى الناس جَمِيعاً﴾ .
وقال الزمخشري:» ويجوز أن يتعلق ﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله﴾ ب» آمَنَوا «على أو لو يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم» .
وهذا قد سبقه إليه أبو العباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وقال أبو حيان: ويحتمل عندي وجه آخر غير الذي ذكروه، وهو: أن الكلام تام عند قوله تعالى ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا﴾ إذ هو تقرير، أي: قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعنادين، و ﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله﴾ جواب قسم محذوف، أي: وأقسم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً، ويدل على هذا القسم [وجود] » أنْ «مع» لَوْ «في قول الشاعر: [الوافر]
3181 - أمَا واللهِ أن لوْ كُنَْ حُرًّا ... وما الحُرِّ أنْتَ ولا العَتِيقِ
وقول الآخر: [الطويل]
3182 - فأقْسِمُ أن لَوِ التَقيْنَا وأنتمُ ... لكَانَ لكُم يَوْمٌ مِنَ الشَّر مُظْلِم
وقد ذكر سيبويه أن» أن» تأتي بعد القسم، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم بالجملة المقسم عليها، وقال بعضهم بل هو ههنا بمعنى «عَلِمَ» و «تَبيَّن» .
قال القاسم بن مَعنٍن وهو من ثقاب الكوفيين: هي من لغة هوازن.
وقال الكلبي: هي لغة حي من النَّخع، ومنه قول رباح بن عدي: [الطويل]
3183 - ألَمْ يَيأسِ الأقْوامُ أنِّي أنَا ابنهُ ... وإن كُنْتُ عن أرْضِ العَشِيرةِ نَائِيا
وقول سحيم بن وثيل الرياحي: [الطويل]
4184 - أقُولُ لهُمْ بالشِّعْبِ إذ يَأسِرُونَنِي ... ألمْ تَيأسُوا أنِّي ابنُ فارسِ زَهْدمِ
وقول الآخر: [الكامل]
3185 - حتَّى إذَا يَئسَ الرُّماةُ فأرْسَلُوا ... غُضْفاً دَواجِنَ قافِلاً أعْصامُهَا ورد الفراء هذا وقال: «لم أسمع» يَئِسْتُ «بمعنى عَلْمتُ» .
وردَّ عليه بأن من حفظ حجة على من لكم يحفظ، ويدل على ذلك: قراءة علي وابن عباس وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المدني وعبد الله بن يزيد، وعلي بن بذيمة: (أفلم يتبين) من: «تبينت كذا» إذا عرفته، وقد افترى من قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس، كان أصله: «أفلم يتبين» فسوى هذه الحروف [فتوهَّم] أنها سين.
قال الزمخششري: «وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى هذا حتى يبقى بين دفتي الإمام، وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها المبنى، هذه والله فرية ما فيها مرية» .
وقال الزمخشري أيضاً: «وقيل: إنما استعمل اليأس بمعنى العلم؛ لأن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنيسان في معنى الترك لتضمنه ذلك» .
وتحصل في «أنْ» قولان:
أحدهما: أنها «أن» المخففة من الثقيلة، فأسمها ضمير الشأن، والجملة الامتناعية بعدها خبرها، وقد وقع الفصل ب «لو» و «أن» وما في حيزها إن علقنا ب «ءامنوا» يكون في محل نصب، أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه، إذا أصلها الجر بالحرف، أي: آمنوا بأن لو يشاء الله، وإن علقناها ب: يَيْأس «على أنه بمعنى علم كانت في محل نصب لسدها سمد المفعولين.
والثاني: رابطة بين القسم والمقسم عليه، كما تقدم.
فصل
قال المفسرون: إن أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لما سعموا كلام المشركين طمعوا في أن يفعل الله تعالى ما سألوا فيؤمنوا، فنزل ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا﴾ يعني الصحابة من إيمان هؤلاء، يعني: الم ييأسوا وكل من علم شيئاً ييِأس عن خلافه.
يقول: ألم يؤيسهم العلم ﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله﴾ .
فصل
احتج أهل السنة بقوله: ﴿أَن لَّوْ يَشَآءُ الله﴾ وكلمة» لَوْ» تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، والمعنى: أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء، وتارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الهداية إلى طريق الجنة، ومنهم من يجري الكلام على الظاهر، ويقول: إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون مبايناً لهداية جميع الناس، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة مراراً.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ﴾ ألآية قيل: أراد جميع الكفار؛ لأن الوقائع الشديدة [التي وعقت لبعض الكفار من القتل والسبي، أوجب حصول الغم] في قلوب الكل.
وقيل: أراد بعض الكفار وهم جماعة معينون، فتكون الألف واللام للعهد، والمعنى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم القبيحة «قارِعَةٌ» أي: نازلة وداهيةٌ تقرعهم من أنواع البلاء أحياناً بالجدب وأحياناً بالسلب وأحياناً بالقلب.
يقال: قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع: الضرب أي: لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد، أو من قتل أو أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل يخاطب المستهزئين من رؤساء المشركين.
وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أراد كفار قريش يصيبهم بما صنعوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من العداوة والتكذيب بأن لايزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم وتصيب من مواشيهم «.
قوله» أوْ تَحُلُّ «يجوز أن يكون فاعله ضمير الخطاب، أي: تحل أنت يا محمد وأن يكون ضمير القارعة، وهذا أبين، أي: تصيبهم قارعة أو تحل القارعة، وموضعها نصب عطف علىخبر» يَزالُ» .
وقرأ ابن جبير ومجاهد: «أوْ يَحُلُّ» بالياء من تحت، والفاعل على ما تقدم إما ضمير القارعة وإنما ذكر العفل؛ لأنها بمعنى العذاب ولأن التاء للمبالغة، والمراد: قارع وإما ضمير الرسول صلوات الله وسلامه عليه أتى به غائباً، وقرأ أيضاً: «مِن دِيَارهِمْ» جمعاً، وهي واضحة.
المعنى: أو تحل القارعة أو أنت يا محمد صلوات الله وسلامه عليك بجيشك قريباً من دراهم كما حل بالحديبية ﴿حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله﴾ وهو فتح مكة، وكان قد وعده ذلك. وقيل: يوم القيامة.
﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ والغرض منه: [تقوية] قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإزالة الحزن عنه وتسليته.
فصل
قال القاضي: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد﴾ يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بمعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق [الفساق] من العناد.
والجواب: أن الخلق غير، وتخصيص العموم غير، ونحن لا نقول بالخلف، ولكننا تخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.
{"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ قُرۡءَانࣰا سُیِّرَتۡ بِهِ ٱلۡجِبَالُ أَوۡ قُطِّعَتۡ بِهِ ٱلۡأَرۡضُ أَوۡ كُلِّمَ بِهِ ٱلۡمَوۡتَىٰۗ بَل لِّلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ جَمِیعًاۗ أَفَلَمۡ یَا۟یۡـَٔسِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۗ وَلَا یَزَالُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ تُصِیبُهُم بِمَا صَنَعُوا۟ قَارِعَةٌ أَوۡ تَحُلُّ قَرِیبࣰا مِّن دَارِهِمۡ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ وَعۡدُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق