الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ القصة.
قيل: المراد ب «الآيات» التَّوارة مع ما فيها من الشَّرائع والأحكام، ومن السُّلطان المبين المعجزات الباهرةِ.
وقيل: المرادُ ب «الآيات» المعجزات، وبالسُّلطانِ الحجَّة كقوله: ﴿إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذآ﴾ [يونس: 68] وقوله: و ﴿مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ [يوسف: 40] وقيل: المرادُ بالسلطان المبين: العصا؛ لأنَّها أبهرُ الآيات، وذلك أنَّ الله تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات، وهي: العصا، واليدُ البيضاءُ، والطُّوفان، والجرادُ والقُمَّلُ، والضَّفادعُ، والدمُ ونقصٌ من الثمرات والأنفس، ومنهم من أبدل نقص الثمرات والأنفس بإظلال الجبل وفلق البحر واختلفوا في تسمية الحُجَّة بالسلطان، فقيل: لأنَّ صاحب الحُجَّة يقهر من لا حجَّة له عند النَّظر كما يقهر السُّلطان غيره.
وقال الزَّجّاج: السُّلطان هو الحُجَّةُ، وسُمِّي السلطان سلطاناً؛ لأنه حُجَّة الله في أرضه، واشتقاقه من السَّليط الذي يُستضاء به، ومنه قيل للزَّيت السَّليط. وقيل: مشتقٌ من التَّسليط، والعلماءُ سلاطين بسبب كمالهم في القُوَّةِ العلميَّةِ، والملوك سلاطين بسبب قدرتهم ومكنتهم، إلاَّأنَّ سلطنة العلماءِ أكمل، وأبقى من سلطنة الملوك؛ لأنَّ سلطنة العلماءِ لا تقبل النَّسخ والعَزْل، وسلطنة الملوك تقبلهما، وسلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنةِ، وسلطنة الملوك تابعة لسلطنة العلماء.
فإن قيل: إذا حملتم الآيات على المعجزات والسُّلطان على الدَّلائل، ولامُبين أيضاً معناه كونه سبباً للظهورن فما الفرقُ بين هذه المراتبِ الثَّلاثِ؟ .
فالجوابُ: أنَّ الآيات اسم للقدر المشترك بين العلامات التي تفيد الظَّنْ، وبين الدَّلائل التي تفيد اليقينَ، وأمَّا السُّلطانُ فهو اسمٌ لما يُفيد القطع واليقين.
وكانت معجزةُ موسى هكذا، فلا جرم وصفها الله تعالى بأنَّها سلطانٌ مبين.
ثم قال: ﴿إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي: جماعته. ﴿فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْن﴾ قيل: أمره إياهم بالكفر بموسى، وقيل: الأمر الطريق.
ثم قال: ﴿وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ أي: بمُرشدٍ إلى خيرٍ.
وقيل: ذو رشد؛ لأنَّهُ كان دهريًّا نافياً للصَّانع وللمعاد، فلهذا كان خالياً عن الرشد بالكليَّةِ.
ثم وصفه فقال: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة﴾ يقالُ: قدمَ فلانٌ فلاناً بمعى تقدَّمهُ، ومنه قادمة الرَّجُل كما يقالُ: قدَّمهُ بمعنى تقدَّمهُ، ومنه: مقدَّمة الجيش.
والمعنى: أنَّ فرعون كان قُدوةً لقومه في الضَّلال حال ما كانوا في الدنيا، وكذلك مقدمهم إلى النَّار، وهم يتبعونه ويجُوزُ أن يكون معنى قوله: ﴿وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ أي: وما أمره بصالحٍ حميد العاقبةِ، ويكون قوله: «يَقْدمُ قومُه» تبييناً لذلك وإيضاحاً، أي: كيف يكون أمره رشيداً مع أنَّ عاقبته هكذا؟ .
قوله: ﴿فَأَوْرَدَهُمُ﴾ يجوزُ أن تكون هذه المسألةُ من باب الإعمال، وذلك أنَّ «يقدمُ» يصلح أن تسلَّط على «النَّارِ» بحرف الجر، أي: يقدمُ قومه إلى النَّار، وكذا: «أوْرَدهُم» يصحُّ تسلّثطه عليها أيضاً، ويكون قد أعمل الثاني للحذفِ من الأوَّل، ولو أعمل الأوّل لتعدَّى ب «إلى» ولأضمر في الثاني، ولا محلَّ ل «أوْرَدَ» لاستئنافه، وهو ماضٍ لفظاً مستقبلٌ معنى؛ لأنَّهُ عطف على هو نص في الاستقبال.
والهمزةُ في «أوْرَدَ» للتعدية؛ لأنَّه قبلها يتعدَّى لواحدٍ، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: 23] .
وقيل: أوقع المستقبل بلفظ الماضي هنا لتحققه. وقيل: بل هو ماض على حقيقته، وهذا قد وقع وانفصل وذلك أنَه أوردهم في الدُّنيا النَّار. قال تعالى: ﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ [غافر: 46] وقيل: أوردهم موجبها وأسبابها، وفيه بعدٌ لأجْلِ العطف بالفاءِ.
والوِرْد: يكون مصدراً بمعنى الوُرُود، ويكون بمعنى الشيء المُورَد كالطِّحن والرِّعي.
ويُطلق ايضاً على الواردِ، وعلى هذا إنْ جعلت الورد مصدراً أو بمعنى الوارد فلا بدَّ من حذفِ مضاف تقديرهُ: وبئس مكانُ الورد المورود، وهو النَّارُ، وإنَّما احتيج إلى هذا التقدير؛ لأنَّ تَصَادُقَ فاعل «نِعْمَ» و «بِئْسَ» ومخصوصهما شرطٌ، لا يقال: نِعْمَ الرَّجُلُ الفرس. وقيل: بل المورود صفة للوردِ، والمخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ تقديره: بئس الوردُ المورود النَّارُ، جوَّز ذلك أبُو البقاءِ، وابنُ عطيَّة، وهو ظاهر كلام الزمخشري.
وقيل: التقديرُ: بئس القومُ المورودُ بهم هم، فعلى هذا «الورد» المرادُ به الجمعُ الواردُون، قال تعالى: ﴿وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم: 86] والمورود صفةٌ لهم، والمخصوصُ بالذَّمِّ الضميرُ المحذوف وهو «هم» ، فيكونُ ذلك للواردين لا لموضع الورد كذا قالهُ أبو حيَّان وفيه نظرٌ من حيث إِنَّه: كيف يراد بالورد الجمع الواردُون، ثم يقولُ: والمورودُ صفةٌ لهم؟ .
وفي وصف مخصوص «نِعمَ» و «بِئْسَ» خلافٌ بين النَّحويين منعه ابن السَّراج وأبو علي.
قال الواحديُّ: لفظ «النار» مؤنث، ينبغي أن يقال: وبئست الورد المورود، إلاَّ أنَّ لفظ «الورد» مذكر؛ فكان التَّذكيرُ والتَّأنيثُ جائزين، كما تقولُ: نعم المنزلُ دارك، ونعمت المنزل دارك، فمن ذكَّر عن المنزل ومن أنَّث عن الدَّار.
فصل
والمعنى: أدخلهم النَّار وبئس المدخلُ المدخولُ؛ وذلك لأنَّ الورد إنَّما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد، والنَّار ضدُّه.
ثم قال: ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هذه لَعْنَةً﴾ أي: أنَّ اللَّعن من الله، والملائكة، والأنبياء ملتصقٌ بهم في الدُّنيا والآخرة لا يزولُ عنهم، كقوله: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين﴾ [القصص: 42] .
ثم قال: ﴿بِئْسَ الرفد المرفود﴾ والكلامُ فيه كالذي قبله. وقوله: ﴿وَيَوْمَ القيامة﴾ عطفٌ على موضع «في هَذِه» والمعنى: أنَّهُم ألحِقُوا لعنةً في الدُّنيا وفي الآخرة، ويكونُ الوقف على هذا تامًّا، ويبتدأ بقوله «بِئْس» .
وزعم جماعةٌ أنَّ التَّقسيم: هو أنَّ لهم في الدُّنيا لعنةً، ويوم القيامةِ بِئْس ما يرفدُون به، فهي لعنةٌ واحدةٌ أولاً، وقبح إرفاد آخراً. وهذا لايصحُّ؛ لأنه يُؤدّي إلى إعمال «بِئْسَ» فيما تقدم عليها، وذلك لا يجُوزُ لعدم تصرُّفها؛ أمَّا لو تأخَّر لجاز؛ كقوله: [الكامل]
3014 - ولَنْعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنتَ إذَا ... دُعِيِتْ نَزالِ ولُجَّ في الذُّعْر
وأصلُ الرِّفْد كمال قال الليثُ: العطاءُ والمعونةُ، ومنه رفاده قريش، رَفَدْتُه أرْقِدهُ رِفْداً بكسر الرَّاء وفتحها: أعْطَيته وأعنته. وقيل بالفت مصدر، وبالكسر اسم، كأنَّهُ نحو: الرِّعْي والذِّبْح ويقال: رفَدْت الحائِطَ، أي: دَعَمْتُه، وهو من معنى الإعانةِ.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ","إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦ فَٱتَّبَعُوۤا۟ أَمۡرَ فِرۡعَوۡنَۖ وَمَاۤ أَمۡرُ فِرۡعَوۡنَ بِرَشِیدࣲ","یَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ","وَأُتۡبِعُوا۟ فِی هَـٰذِهِۦ لَعۡنَةࣰ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ بِئۡسَ ٱلرِّفۡدُ ٱلۡمَرۡفُودُ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق