الباحث القرآني

مكية، وهي إحدى عشرة آية، وست وثلاثون كلمة، ومائة واثنان وخمسون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: ﴿القارعة مَا القارعة﴾ كقوله تعالى: ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: 1، 2] ، وكقوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ [الواقعة: 27] ، وقد تقدم ما نقله مكي من أنه يجوز رفع «القَارِعَةُ» بفعل مضمر ناصب ل «يوم» . وقيل: ستأتيكم القارعة. وقيل: القارعة: مبتدأ وما بعده الخبر. وقيل: معنى الكلام على التحذير. قال الزجاجُ: والعرب تحذر، وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد: [الخفيف] 5287 - لجَدِيرُونَ بالوَفَاءِ إذَا قَا ... لَ أخُو النَّجدةِ: السِّلاحُ السِّلاحُ وقد تقدم ذلك في قوله تعالى: ﴿نَاقَةَ الله﴾ [الشمس: 13] ، فيمن رفعه، ويدل على ذلك قراءة عيسى: «القَارِعَة ما القارعة» بالنصب، بإضمار فعل، أي: احذروا القارعة و «مَا» زائدة، و «القَارِعَة» تأكيد للأولى تأكيداً لفظيًّا. والقرعُ: الضرب بشدةٍ واعتماد. والمراد بالقارعة: القيامة، لأنها تقرع الخلائق بأهوالها، وأفزاعها. وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة , إذا وقع الخلائق بأهوالها , وأفزاعها. وأهل اللغة يقولون: تقول العرب: قرعتهم القارعة , وفقرتهم الفاقرة , إذا وقع بهم أمر فظيع، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ﴾ [الرعد: 31] ، وهي الشديدة من شدائد الدَّهرِ. قوله تعالى: ﴿مَا القارعة﴾ استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كقوله تعالى: ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: 1، 2] ، واختلفوا في سبب تسمية القيامة بالقارعة، فقيل: المراد بالقارعة: الصيحة التي يموت منها الخلائقُ؛ لأنها تقرع أسماعهم. وقيل: إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان، فيموت العالم بسبب تلك القرعة، فلذلك سميت بالقارعة، [وقيل: تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات، وأقطارها وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، ودك الجبال ونسفها، وطي الأرض. وقيل: لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب] ، وقوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ ، أي: لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد، وعلى هذا يكون آخر السورة مطابقاً لأولها. فإن قيل: هاهنا قال: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ ، ثم قال في آخر السورة: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ ، ولم يقل: وما أدراك ما هاوية؟ فالجواب: الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، وكونها هاوية ليس كذلك، فظهر الفرق. قوله: ﴿يَوْمَ يَكُونُ﴾ . في ناصب «يَوْمَ» أوجه: أحدها: مضمر يدلّ عليه القارعة، أي: تقرعهم يوم يكون وقيل: تقديره: تأتي القارعة يوم. الثاني: أنه اذكر مقدراً، فهو مفعول به لا ظرف. الثالث: أنه «القَارِعَةُ» قاله ابن عطية، وأبو البقاء، ومكيٌّ. قال أبو حيان: فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول، فلا يجوز، للفصل بين العاملين وهو في صلة «أل» والمعمول بأجنبي، وهو الخبر، وإن جعل القارعة علماً للقيامة، فلا يعمل أيضاً، وإن عنى الثاني والثالث، فلا يلتئم معنى الظرفية معه. الرابع: أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعة يوم يكون. قاله مكي. وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً، وهو بعيد جداً منافر لنظم الكلامِ. وقرأ زيد بن علي: «يَوْمُ» بالرفع، خبراً لمبتدأ محذوف، أي: وقتها يوم. قوله: «كالفَراشِ» . يجوز أن يكون خبراً للناقصة، وأن يكون حالاً من فاعل التامة، أي: يؤخذون ويحشرون شبه الفراش، وهو طائر معروف. وقال قتادة: الفراش: الطَّير الذي يتساقط في النار والسراج، الواحدة: فراشة. وقال الفراءُ: هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما، وبه يضرب المثل في الطّيش والهوج، يقال: أطيش من فراشة؛ وأنشد: [البسيط] 5288 - فَراشَةُ الحِلْمِ فِرعَوْنُ العَذابُ وإنْ ... يَطلُبْ نَداهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كُلُبُ وقال آخر: [الطويل] 5289 - وقَدْ كَانَ أقْوَامٌ رَدَدْتَ قُلوبَهُمْ ... عَليْهِمْ وكَانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ وقال آخر: [الرجز] 5290 - طُويِّشٌ من نَفرٍ أطْيَاشِ ... أطْيَشُ من طَائرةِ الفَراشِ والفراشة: الماءُ القليلُ في الإناء وفراشة القُفل لشبهها بالفراشة، وروى «مسلم» عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَثلِي ومَثلكُمْ كَمَثلِ رجُلٍ أوْقدَ نَاراً فجعَلَ الجنَادِبُ والفراشُ يَقعْنَ فِيهَا وهو يذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وأنَا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ، وأنْتُمْ تَفْلتُونَ مِنْ يَدِي» . في تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتَّى: منها الطيشُ الذي يلحقهم، وانتشارهم في الأرض، وركوب بعضهم بعضاً، والكثرة، والضعف، والذلة والمجيء من غير ذهاب، والقصد إلى الداعي من كل جهة، والتطاير إلى النار؛ قال جريرٌ: [الكامل] 5291 - إنَّ الفَرزْدَقَ ما عَلمْتَ وقوْمَهُ ... مِثْلُ الفَرَاشِ غشيْنَ نَارَ المُصْطَلِي والمبثوث: المتفرق، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ [القمر: 7] . فأول حالهم كالفراش لا وجه له يتحير في كل وجه، ثم يكون كالجراد، لأن لها وجهاً تقصده والمبثوث: المتفرق المنتشر، وإنما ذكر على اللفظ كقوله تعالى: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: 7] . قال ابن عباس: «كالفَرَاشِ المبثُوثِ» كغوغاء الجراد، يركب بعضها بعضاً، كذلك الناس، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا. فإن قيل كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً، لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟ . فالجواب: أما التشبيه بالفرش، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر، وأما التشبيه بالجراد، فبالكثرة والتتابع، ويكون كباراً، ثم يكون صغاراً. قوله: ﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش﴾ . أي: الصوف الذي ينفش باليد، أي: تصير هباء وتزول، كقوله تعالى: ﴿هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾ [الواقعة: 6] . قال أهل اللغة: العهنُ: الصوف المصبوغ. وقد تقدم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب