الباحث القرآني

أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما المرئيات وَلِساناً يترجم به عن ضمائره وَشَفَتَيْنِ يطبقهما على فيه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ أى طريقى الخير والشر. وقيل: الثديين فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ يعنى: فلم يشكر تلك الأيادى والنعم بالأعمال الصالحة: من فك الرقاب وإطعام اليتامى والمساكين، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة، وأساس كل خير، بل غمط النعم [[قوله «بل غمط النعم» أى: استحقرها. (ع)]] وكفر بالمنعم. والمعنى: أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضى النافع عند الله، لا أن يهلك مالا لبدا في الرياء والفخار، فيكون مثله مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ... الآية. فإن قلت: قلما تقع «إلا» الداخلة على الماضي إلا مكررة، ونحو قوله: فأىّ أمر سيّئ لأفعله لا يكاد يقع، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟ قلت: هي متكررة في المعنى، لأن معنى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكينا. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزجاج قوله: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يدل على معنى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، ولا آمن. والاقتحام: الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة. والقحمة: الشدة، وجعل الصالحة: عقبة، وعملها: اقتحاما لها، لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس. وعن الحسن: عقبة والله شديدة. مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوّه الشيطان. وفك الرقة: تخليصها من رق أو غيره. وفي الحديث: أن رجلا قال لرسول الله ﷺ: دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: تعتق النسمة وتفك الرقبة. قال: أو ليسا سواء؟ قال: لا، إعتاقها أن تنفرد بعتقها. وفكها: أن تعين في تخليصها من قود أو غرم [[أخرجه ابن حبان والحاكم وأحمد وإسحاق وابن أبى شيبة والبخاري في الأدب المفرد، والبيهقي في الشعب، والثعلبي وابن مردويه والواحدي من رواية عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب وليس عند أحد منهم قوله «من قود أو غرم» وكأنه من كلام الزمخشري.]] . والعتق والصدقة: من أفاضل الأعمال. وعن أبى حنيفة رضى الله عنه: أن العتق أفضل من الصدقة. وعند صاحبيه: الصدقة أفضل، والآية أدل على قول أبى حنيفة، لتقديم العتق على الصدقة. وعن الشعبي في رجل عنده فضل نفقة: أيضعه في ذى قرابة، أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل، لأن النبي ﷺ قال: «من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار [[أخرجه الحاكم من حديث عقبة بن عامر بلفظ «من أعتق رقبة» .]] . قرئ: فك رقبة، أو إطعام على: هي فك رقبة، أو إطعام. وقرئ: فك رقبة، أو أطعم، على الإبدال من اقتحم العقبة. وقوله وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ اعتراض، ومعناه: أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله. والمسغبة، والمقربة، والمتربة: مفعلات من سغب: إذا جاع. وقرب في النسب، يقال: فلان ذو قرابتي. وذو مقربتى. وترب: إذا افتقر، ومعناه. التصق بالتراب. وأما أترب فاستغنى، أى: صار ذا مال كالتراب في الكثرة، كما قيل: أثرى. وعن النبي ﷺ في قوله ذا مَتْرَبَةٍ الذي مأواه المزابل [[أخرجه ابن مردويه من رواية مجاهد عن عبد الله بن عمر بهذا. وعند الحاكم عن ابن عباس: قال «هو الذي لا يقيه من التراب شيء» موقوف.]] ، ووصف اليوم بذي مسعبة نحو ما يقول النحويون في قولهم: هم ناصب: ذو نصب. وقرأ الحسن: ذا مسغبة نصبه بإطعام. ومعناه: أو إطعام في يوم من الأيام ذا مسغبة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب