الباحث القرآني

ولما عدد النعم في نفسه: أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه، فقال فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ يعنى الغيث. قرئ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح على البدل من الطعام. وقرأ الحسين بن على رضى الله عنهما. أنى صببنا، بالإمالة على معنى: فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء. وشققنا: من شق الأرض بالنبات ويجوز أن يكون من شقها بالكراب على [[قوله «من شقها بالكراب» في الصحاح: كربت الأرض، إذا قلبتها للحرث. (ع)]] البقر، وأسند الشك إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب. والحب: كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما. والقضب: الرطبة [[قوله «والقضب الرطبة» في الصحاح «القضبة، والقضب» الرطبة. وفيه أيضا «الرطبة» بالفتح: القضب اه وفيه دور. وقال بعض الفضلاء «القضب» : هو المسمى في مصر بالبرسيم الحجازي. (ع)]] . والمقضاب: أرضه، سمى بمصدر قضبه إذا قطعه، لأنه يقضب مرّة بعد مرّة وَحَدائِقَ غُلْباً يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء، فيريد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها، كما تقول: حديقة ضخمة، وأن يجعل شجرها غلبا، أى: عظاما غلاظا. والأصل في الوصف بالغلب: الرقاب، فاستعير. قال عمرو بن معد يكرب: يمشى بها غلب الرّقاب كأنّهم ... بزل كسين من الكحيل جلالا [[لعمرو بن معديكرب. ويقال: أسد أغلب، أى: غليظ العنق، والغلب: جمعه، ثم استعير لكل غليظ والبزل: جمع بازل للمذكر والمؤنث من الإبل إذا انفطر نأيه، وذلك في السنة التاسعة: والكحيل: القطران. والجلال: جمع جل: يصف مفازة تمشى فيها أسود غلاظ الأعناق، كأنها فتيات من الإبل دهنت بالقطران حتى صار عليها كالجلال، فكسين: استعارة مصرحة، والجلال: ترشيح. ويروى: كأنهم، باستعارة ضمير العقلاء لغيرهم.]] والأب: المرعى، لأنه يؤبّ أى يؤم وينتجع. والأبّ والأمّ: أخوان. قال: جذمنا قيس ونجد دارنا ... ولنا الأبّ به والمكرع [[الجذم- بالكسر وقد يفتح: الأصل الذي يقتطع منه غيره. والأب والأم- بالفتح والتشديد- بمعنى المرعى، لأنه يؤب ويؤم، أى: يقصد. والمكرع: المنهل. يقول: نحن من قبيلة قيس ونجد هي ديارنا، ولنا به أى في نجد المرعى والمروي. وفيه تمدح بالشرف والشجاعة على غيره.]] وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه سئل عن الأب فقال: أىّ سماء تظلني، وأىّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به [[أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن. حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر رضى الله عنه سئل عنه فذكره ورواه ابن أبى شيبة وعبد بن حميد من هذا الوجه. وهذا منقطع. ورواه يحيى الحماني وابن عبد البر في العلم من طريقه من رواية إبراهيم النخعي عن أبى معمر عن أبى بكر فذكره.]] . وعن عمر رضى الله عنه: أنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا قد عرفنا، فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت بيده [[أخرجه الطبري والطبراني في مسند الشاميين من طريق ابن وهب عن يونس وعمرو بن الحارث. ورواه الحاكم والبيهقي في الشعب في التاسع عشر من طريق صالح بن كيسان: وابن مردويه من رواية شعيب كلهم عن الزهري «أن إنسانا أخبره أنه سمع عمر فذكره. وله طريق أخرى من رواية حميد عن أنس أخرجها الحاكم. وروى الحاكم أيضا من وجه آخر عن عمر رضى الله عنه أنه سأل ابن عباس رضى الله عنهما عن الآية فقال: هو نبت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام. ولا يأكله الناس.]] وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدرى ما الأب، ثم قال: اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه. فإن قلت: فهذا يشبه النهى عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته. قلت: لم يذهب إلى ذلك، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفا عندهم، فأراد أنّ الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعا له أو لإنعامه، فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله- على ما تبين لك ولم يشكل- مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له، واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب