الباحث القرآني

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ فيه وجهان [[قال محمود: «في «كما» وجهان، أحدهما: أن يرتفع محل الكاف ... الخ» قال أحمد: وكان جدي أبو العباس أحمد الفقيه الوزير رحمه الله يذكر في معنى الآية وجها أوجه من هذين، وهو أن المراد تشبيه اختصاصه عليه السلام بالأنفال، وتفويض أمرها إلى حكمه من حيث الاثابة والجزاء، بإخراجه من بيته مطيعا لله تعالى سامعا لأمره راضيا بحكمه على كراهة المؤمنين لذلك في الطاعة، فشبه الله تعالى ثوابه بهذه المزية بطاعته المرضية، فكما بلغت طاعته الغاية في نوع الطاعات، فكذلك بلغت إثابة الله له الغاية في جنس المثوبات. وجماع هذا المعنى هو المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام «الأجر على قدر النصب» ولك على هذا المعنى أن تجعل الكاف مرفوعة ومنصوبة على حسب التقدير، والله الموفق.]] أحدهما. أن يرتفع محل الكاف على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره. هذه الحال كحال إخراجك. يعنى أنّ حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة، مثل حالهم في كراهة خروجك للحرب. والثاني: أن ينتصب على أنه صفة مصدر الفعل المقدّر في قوله الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أى الأنفال استقرّت لله والرسول، وثبتت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون. ومِنْ بَيْتِكَ يريد بيته بالمدينة، أو المدينة نفسها، لأنها مهاجره ومسكنه، فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه بِالْحَقِّ أى إخراجاً ملتبسا بالحكمة والصواب الذي لا محيد عنه وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ في موضع الحال، أى أخرجك في حال كراهتهم، وذلك أن عير قريش أقبلت من الشأم فيها تجارة عظيمة [[هذه القصة منتزعة من سيرة ابن هشام إلا قوله «إن في أهل العير عمرو بن هشام فان عمرو بن هشام هو أبو جهل ولم يكن في العير، وإنما كان في النفير وأخرجه الطبري من قول ابن إسحاق، وبعضه عن ابن عباس وعن عروة وعن السدى بتقديم وتأخير وزيادة ونقس وفي مغازي الواقدي عن محمود بن لبيد بعضه. وعن سعيد بن المسبب بعضه.]] معها أربعون راكبا، منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمرو ابن هشام، فأخبر جبريل رسول الله ﷺ فأخبر المسلمين، فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم، فلما خرجوا بلغ أهل مكة خبر خروجهم، فنادى أبو جهل فوق الكعبة: يا أهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول، عيركم أموالكم، إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبداً، وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رؤيا فقالت لأخيها: إنى رأيت عجبا رأيت كأنّ ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابه حجر من تلك الصخرة. فحدّث بها العباس فقال أبو جهل: ما يرضى رجالهم أن يتنبئوا حتى تتنبأ نساؤهم، فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير. في المثل السائر: لا في العير ولا في النفير، فقيل له: إنّ العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع بالناس إلى مكة، فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور، ونشرب الخمور، ونقيم القينات والمعازف ببدر، فيتسامع جميع العرب بمخرجنا، وإن محمداً لم يصب العير، وإنا قد أعضضناه [[قوله «وإنا قد أعضضناه» في الصحاح: أعضضته الشيء فعضه. وفي الحديث «فأعضوه بهن أبيه» ويقال: أعضضته سيفي، أى ضربته به. وأعض القوم. أكلت إيلهم العض، وهو بالضم علف الأمصار، وبالكسر الشوك الصغير. (ع) .]] ، فمضى بهم إلى بدر- وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة- فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله وعدكم إحدى الطائفتين: إمّا العير، وإمّا قريشا، فاستشار النبي ﷺ أصحابه وقال: ما تقولون، إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أن النفير؟ قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدوّ، فتغير وجه رسول الله ﷺ: ثم ردّد عليهم فقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدوّ، فقام عند غضب النبي ﷺ أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال: انظر أمرك فامض. فو الله لو سرت إلى عدن أبين [[قوله «إلى عدن أبين» في الصحاح: أبين اسم رجل نسب إليه عدن، فقيل: عدن أبين. (ع)]] ما تخلف عنك رجل من الأنصار، ثم قال المقداد بن عمرو يا رسول الله، امض لما أمرك الله، فإنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا إنما معكما مقاتلون، ما دامت عين منا تطرف، فضحك رسول الله ﷺ ثم قال: أشيروا علىّ أيها الناس وهو يريد الأنصار، لأنهم قالوا له حين بايعوه على العقبة: إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا، نمنعك مما نمنع منه آباءنا ونساءنا، فكان النبي ﷺ يتخوّف أن لا تكون الأنصار لا ترى [[قوله «يتخوف أن لا تكون الأنصار لا ترى» لعله «أن تكون» أو لعله «الأنصار ترى» وبالجملة فأحد الحرفين يغنى عن الآخر. (ع)]] عليهم نصرته إلا على عدوّ دهمه بالمدينة، فقام سعد بن معاذ فقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّبه عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله ﷺ وبسطه قول سعد، ثم قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنّ الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم. وروى أنه قيل لرسول الله ﷺ حين فرغ من بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو في وثاقه: لا يصلح [[أخرجه الترمذي وأحمد وإسحاق وأبو يعلى والبزار وابن حيان والحاكم من رواية إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما.]] فقال له النبي ﷺ: لم؟ قال: لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين. وقد أعطاك ما وعدك، وكانت الكراهة من بعضهم لقوله وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب