الباحث القرآني

رَهِينَةٌ ليست بتأنيث رهين [[قال محمود: «وليست بتأنيث رهين ... الخ» قال أحمد: لأنه فعيل بمعنى مفعول، يستوي مذكره ومؤنثه، كقتيل وجديد.]] في قوله كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين، لأنّ فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة: أبعد الّذى بالنّعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذى تراب وجندل [[أبعد الذي بالنعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذى تراب وجندل أأذكر بالبقيا على من أصابنى ... وبقياى أنى جاهد غير مؤتل لمسور بن زيادة الحارثي. وقيل: لعبد الرحمن بن زيد، قتل أبوه زيادة فعرض عليه فيه سبع ديات، فأبى إلا الثأر. والاستفهام إنكارى. والنعف- بالفتح-: الجبل والمكان المرتفع. وقيل: ما يستقبلك من الجبل. وكويكب: جبل بعينه. وفي هذا الاندال من التفصيل بعد الإجمال: ما ينبئ عن تفخيم المحل والحال، أى: أبعد قتل أبى المدفون في ذلك الموضع حال كونه محتبسا في رمس. وقيل: رهينة بالجر، بدل من الذي، فهو اسم ملحق بالجوامد بمعنى الرهن. ويقال: رمست الشيء رمسا إذا دفنته في التراب، فأطلق المصدر وأريد مكانه، وهو القبر. والجندل: الحجارة، وكررت همزة الاستفهام في قوله «أأذكر» توكيدا للأولى. لأنها داخلة على هذا الفعل تقديرا أيضا. ويحتمل أنها داخلة على مقدر، أى: أبعد أبى أفرح بالدية. وروى «أذكر» بالتشديد والبناء للمجهول، فالهمزة الأولى داخلة عليه، ولا شاهد فيه حينئذ. والبقيا: الإبقاء على الشيء، أى: لا أذكر بين الناس بأنى أبقيت على قاتل أبى، والحال أن إبقائى عليه كوني جاهدا ومصمم العزم على الفتك به غير حالف على ذلك، لأنى لا أحتاج إلى الحلف في تنفيذ أمورى. أو غير مقصر في الاجتهاد، لأن الائتلاء يجيء بمعنى الحلف وبمعنى التقصير،]] كأنه قال: رهن رمس. والمعنى: كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. وعن على رضى الله عنه أنه فسر أصحاب اليمين بالأطفال، لأنهم لا أعمال لهم يرتهنون بها. وعن ابن عباس رضى الله عنه: هم الملائكة فِي جَنَّاتٍ أى هم في جنات لا يكتنه وصفها يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ يسأل بعضهم بعضا عنهم [[قال محمود: «يتساءلون يعنى يسأل بعضهم بعضا عنهم ... الخ» قال أحمد: إنما أورد السؤال ذريعة وحيلة لتحميل الآية الدلالة على أن فساق المسلمين تاركي الصلاة مثلا، يسلكون في النار مخلدين مع الكفار، فجعل كل واحدة من الخلال الأربع توجب ما توجب الأخرى من الخلود. والصحيح في معنى الآية أنها خاصة بالكفار. ومعنى قولهم لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ: لم نك من أهل الصلاة، وكذلك إلى آخرها، لأنهم يكذبون بيوم الدين، والمكذب لا يصح منه طاعة من هذه الطاعات، ولو فعلها لم تنفعه وقدرت كالعدم، وإنما يتأسفون على ترك فعل هو نافع لهم.]] . أو يتساءلون غيرهم عنهم، كقولك: دعوته وتداعيناه. فإن قلت: كيف طابق قوله ما سَلَكَكُمْ وهو سؤال للمجرمين: قوله يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ وهو سؤال عنهم؟ وإنما كان يتطابق ذلك لو قيل: يتساءلون المجرمين ما سلككم قلت: ما سلككم ليس ببيان للتساؤل عنهم، وإنما هو حكاية قول المسئولين عنهم، لأنّ المسئولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، فيقولون: قلنا لهم ما سلككم فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه. الخوض: الشروع في الباطل وما لا ينبغي. فإن قلت: لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت: توبيخا لهم وتحسيرا، وليكون حكاية الله ذلك في كتابه تذكرة للسامعين. وقد عضد بعضهم تفسير أصحاب اليمين بالأطفال: أنهم [[قوله «أنهم» لعله: بأنهم. (ع)]] إنما سألوهم لأنهم ولدان لا يعرفون موجب دخول النار. فإن قلت: أيريدون أنّ كل واحد منهم بمجموع هذه الأربع دخل النار، أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بهذه؟ قلت: يحتمل الأمرين جميعا. فإن قلت: لم أخر التكذيب وهو أعظمها؟ قلت: أرادوا أنهم بعد ذلك كله كانوا مكذبين بيوم الدين تعظيما للتكذيب. كقوله ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا والْيَقِينُ الموت ومقدماته، أى: لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملائكة والتبيين وغيرهم لم تنفعهم شفاعتهم، لأنّ الشفاعة لمن ارتضاه الله وهم مسخوط عليهم. وفيه دليل على أنّ الشفاعة تنفع يومئذ، لأنها تزيد في درجات المرتضين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب