الباحث القرآني
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل من سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. لا تُبْقِي شيئا يلقى فيها إلا أهلكته، وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد. أو لا تبقى على شيء ولا تدعه من الهلاك، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة لَوَّاحَةٌ من لوح الهجير. قال:
تقول ما لاحك يا مسافر ... يا ابنة عمّى لاحنى الهواجر [[لاحه الحر لوحا: غيره وسوده. والهاجرة: شدة الحر. وأهجر القوم وهجروا بالتشديد وتهجروا: ساروا في الهاجرة، وفيه النفات، كأنه خاطب غيرها أولا. وعجبه من استفهامها عن الشيء الظاهر سببه وهو السفر، بل هي معترفة أنه مسافر كما قالت، ومن قساوة قلبها عليه، ثم التفت إليها بجواب سؤالها. وفي ندائها معنى التنبيه والإيقاظ والاستعطاف.]]
قيل. تلفح الجلد لفحة فتدعه أشدّ سوادا من الليل. والبشر: أعالى الجلود. وعن الحسن.
تلوح للناس، كقوله ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ وقرئ: لواحة، نصبا على الاختصاص للتهويل عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ أى يلي أمرها ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا. وقيل: صنفا من الملائكة.
وقيل: صفة. وقيل: نقيبا. وقرئ: تسعة عشر، بسكون العين لتوالى الحركات في ما هو في حكم اسم واحد. وقرئ: تسعة أعشر، جمع عشير، مثل: يمين وأيمن. جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم، ولأنهم أشد الخلق بأسا وأقواهم بطشا. عن عمرو بن دينار: واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. وعن النبي ﷺ. «كأن أعينهم البرق، وكأن أفواههم الصياصي، [[قوله «الصياصي» هي الحصون، واحدها صيصية. أفاده الصحاح. (ع)]] يجرون أشعارهم، لأحدهم مثل قوّة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم في النار ويرمى بالجبل عليهم» [[لم أجده.]] . وروى أنه لما نزلت عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال أبو جهل لقريش. ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبى كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش. أنا أكفيكم سبعة عشر، فاكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً أى ما جعلناهم رجالا من جنسكم يطاقون. فإن قلت: قد جعل افتنان الكافرين بعدة الزبانية سببا لاستيقان أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين، [[قال محمود: «إن قلت قد جعل افتتان الكافرين بعدة الزبانية سببا ... الخ» قال أحمد: ما جعل افتتانهم بالعدة سببا لذلك، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سببا، لأن المراد: وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا موضع ذلك، لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من العشرين: أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ولا يذعن، وإن خفى عليه وجه الحكمة كأنه قيل: لقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب. قال أحمد: السائل جعل الفتنة التي هي في تقدير الصفة العدة، إذ معنى الكلام ذات فتنة سببا فيما بعدها، والمجيب جعل العدة التي عرضت لها هذه الصفة سببا لا باعتبار عروض الصفة لها. ويجوز أن يكون لِيَسْتَيْقِنَ راجعا إلى ما قبل الاستثناء، كأنه قيل: جعلنا عدتهم سببا لفتنة الكافرين وسببا ليقين المؤمنين، وهذا الوجه أقرب مما ذكره الزمخشري، وإنما ألجأه إليه اعتقاد أن الله تعالى ما فتنهم ولكنهم فتنوا أنفسهم، بناء على قاعدة التبعيض في المشيئة وبئست القاعدة فاحذرها.]] فما وجه صحة ذلك؟ قلت. ما جعل افتتانهم بالعدة سببا لذلك، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سببا، وذلك أن المراد بقوله وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا موضع تِسْعَةَ عَشَرَ لأن حال هذه العدة الناقصة واحدا من عقد العشرين. أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ويعترض ويستهزئ، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفى عليه وجه الحكمة، كأنه قيل.
ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها، لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب، لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين، فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله، وازدياد المؤمنين إيمانا لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل، ولما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك. فإن قلت: لم قال وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ والاستيقان وازدياد الإيمان دالا على انتفاء الارتياب؟ قلت. لأنه إذا جمع لهم إثبات اليقين ونفى الشك. كان آكد وأبلغ لوصفهم [[قال محمود: «وقوله تعالى وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بعد قوله لِيَسْتَيْقِنَ ليحصل لهم فائدة الجمع بين إثبات اليقين ... الخ» قال أحمد: أطلق الغرض على الله عز وجل، مع أنه موهم ولم يرد فيه سماع.
وأورده السؤال على قاعدته بعد ذلك كله في أن الله لم يرد من المنافقين والكافرين أقوالهم، وإنما قالوا على خلاف «ما أراد، وقد عرفت فساد القاعدة فأرح فكرك من هذا السؤال. فالكل مراد، وحسبك تتمة الآية كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.]] بسكون النفس وثلج الصدر، ولأن فيه تعريضا بحال من عداهم، كأنه قال: ولتخالف حالهم حال الشاكين المرتابين من أهل النفاق والكفر. فإن قلت: كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون، والسورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما نجم بالمدينة؟ قلت: معناه وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة وَالْكافِرُونَ بمكة ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وليس في ذلك إلا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب، وذلك لا يخالف كون السورة مكية. ويجوز أن يراد بالمرض: الشك والارتياب، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين وبعضهم قاطعين بالكذب. فإن قلت: قد علل جعلهم تسعة عشر بالاستيقان وانتفاء الارتياب وقول المنافقين والكافرين ما قالوا، فهب أن الاستيقان وانتفاء الارتياب يصح أن يكونا غرضين، فكيف صح أن يكون قول المنافقين والكافرين غرضا؟ قلت: أفادت اللام معنى العلة والسبب، ولا يجب في العلة أن تكون غرضا، ألا ترى إلى قولك: خرجت من البلد لمخافة الشر، فقد جعلت المخافة علة لخروجك وما هي بغرضك. مَثَلًا تمييز لهذا، أو حال منه، كقوله هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً. فإن قلت: لم سموه مثلا؟ قلت: هو استعارة من المثل المضروب. لأنه مما غرب من الكلام وبدع، استغرابا منهم لهذا العدد واستبداعا له. والمعنى: أى شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأى غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين سواء، ومرادهم إنكاره من أصله، وأنه ليس من عند الله، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص.
الكاف في كَذلِكَ نصب، وذلك: إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى، أى:
مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدى المؤمنين، يعنى: يفعل فعلا حسنا مبنيا على الحكمة والصواب، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا، وينكره الكافرون ويشكون. فيه فيزيدهم كفرا وضلالا وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ وما عليه. كل جدد من العدد الخاص من كون بعضها على عقد كامل وبعضها على عدد ناقص، وما في اختصاص كل جند بعدده من الحكمة إِلَّا هُوَ ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك كما لا يعرف الحكمة في أعداد السماوات والأرضين وأيام السنة والشهور والبروج والكواكب وأعداد النصب والحدود والكفارات والصلوات في الشريعة. أو: وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها وهو يعلمها. وقيل: هو جواب لقول أبى جهل: أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر، وما جعلنا أصحاب النار- إلى قوله- إلا هو: اعتراض. وقوله وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى متصل بوصف سقر وهي ضميرها، أى: وما سقر وصفتها إلا تذكرة لِلْبَشَرِ أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["سَأُصۡلِیهِ سَقَرَ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ","لَا تُبۡقِی وَلَا تَذَرُ","لَوَّاحَةࣱ لِّلۡبَشَرِ","عَلَیۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ","وَمَا جَعَلۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰۤىِٕكَةࣰۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیَسۡتَیۡقِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَیَزۡدَادَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا وَلَا یَرۡتَابَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِیَقُولَ ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ مَاذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلࣰاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ"],"ayah":"وَمَا جَعَلۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰۤىِٕكَةࣰۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیَسۡتَیۡقِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَیَزۡدَادَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا وَلَا یَرۡتَابَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِیَقُولَ ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡكَـٰفِرُونَ مَاذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلࣰاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَمَا یَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِیَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











