الباحث القرآني

قُلْ للمتظاهرين عليه [[قوله «قال للمتظاهرين عليه» هذه قراءة غير عاصم وحمزة، كذا في النسفي، وهو يفيد أن قراءتهما قُلْ بصيغة الأمر، كأنه سقط من كلام المصنف ذكر هذه القراءة فليحرر.]] إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي يريد: ما أتيتكم بأمر منكر، إنما أعبد ربى وحده وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً وليس ذاك مما يوجب إطباقكم على مقتى وعداوتي. أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين: ليس ما ترون من عبادتي الله ورفضى الإشراك به بأمر يتعجب منه، إنما يتعجب ممن يدعو غير الله ويجعل له شريكا. أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله ﷺ وَلا رَشَداً ولا نفعا. أو أراد بالضر: الغىّ، ويدل عليه قراءة أبىّ «غيا ولا رشدا» والمعنى: لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم، إنما الضارّ والنافع الله [[قال محمود: «معناه أى لا أستطيع أن أنفعكم أو أضركم إنما النافع والضار الله عز وجل ... الخ» قال أحمد: في الآية دليل بين على أن الله تعالى هو الذي يملك لعباده الرشد والغى أى يخلقهما لا غير، فان النبي ﷺ إنما سلب ذلك عن قدر» ليمحض إضافته إلى قدرة الله وحده، وفطن الزمخشري لذلك فأخذ يعمل الحبل، فتارة يحمل الرشد على مطلق النفع، فيضيف ذلك إلى الله تعالى، وتارة يكنع عنه لأن فيه إبطالا لخصوصية الرشد المنصوص عليه في الآية، فيثور له من تقليده الرأى الفاسد ثوائر تصرفه عن الحق وعن اعتقاد أن الله تعالى هو الذي يخلق الرشد لعبيده مقارنا لاختيارهم، فيدخل زيادة القسر، لأن معنى ما ورد من إضافة الرشد إلى قدرة انه تعالى عندهم أنه يخلق أن يخضع لها الرقاب، فيخلق العبد لنفسه عند ظهورها رشدا. فيضاف إلى قدرة الله تعالى، لأنه خلق السبب وهو في الحقيقة مخلوق بقدرة العبد «هذه قاعدة القدرية وعقيدتهم، وما الجن بعد هذا إلا أوفر منهم عقلا وأسد منهم نظرا، لأنهم قالوا: وأنا لا ندرى أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، فأضافوا الرشد نفسه إلى إرادة الله عز وجل وقدرته.]] . أو لا أستطيع أن أقسركم على الغىّ والرشد، إنما القادر على ذلك الله عز وجل: وإِلَّا بَلاغاً استثناء منه. أى لا أملك إلا بلاغا من الله [[قال محمود: «هو اعتراض. وقوله إِلَّا بَلاغاً استثناء من قوله لا أَمْلِكُ أى لا أملك لكم إلا بلاغا. وقيل بلاغا يدل من ملتحدا ... الخ» قال أحمد: فيكون تقدير الكلام: بلاغا من الله مستفادا من قوله قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً.]] . وقُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفى الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه، على معنى أنّ الله إن أراد به سوءا من مرض أو موت أو غيرهما: لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوى إليه: والملتحد الملتجأ، وأصله المدّخل، من اللحد. وقيل: محيصا ومعدلا. وقرئ: قال لا أملك، أى قال عبد الله للمشركين أو للجن. ويجوز أن يكون من حكاية الجن لقومهم. وقيل بَلاغاً بدل من مُلْتَحَداً أى: لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلنى به. وقيل: إِلَّا هي «إن لا» ومعناه: أن لا أبلغ بلاغا، كقولك: إن لا قياما فقعودا وَرِسالاتِهِ عطف على بلاغا، كأنه قيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات. والمعنى: إلا أن أبلغ عن الله فأقول: قال الله كذا، ناسبا لقوله إليه، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلنى بها من غير زيادة ولا نقصان. فإن قلت: ألا يقال: بلغ عنه. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «بلغوا عنى بلغوا عنى» ؟ [[أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي بلفظ «بلغوا عنى ولو آية ... الحديث» .]] قلت: من ليست بصلة للتبليغ، إنما هي بمنزلة من في قوله بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ بمعنى بلاغا كائنا من الله. وقرئ: فأن له نار جهنم، على: فجزاؤه أنّ له نار جهنم، كقوله فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أى: فحكمه أنّ لله خمسه. وقال خالِدِينَ حملا على معنى الجمع في من. فإن قلت: بم تعلق «حتى» ، وجعل ما بعده غاية له؟ قلت: بقوله يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة، ويستضعفون أنصاره ويستقلون عددهم حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ من يوم بدر وإظهار الله له عليهم. أو من يوم القيامة فَسَيَعْلَمُونَ حينئذ أنهم أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال: من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده، كأنه قال: لا يزالون على ما هم عليه حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ قال المشركون: متى يكون هذا الموعود؟ إنكارا له، فقيل قُلْ إنه كائن لا ريب فيه، فلا تنكروه، فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فما أدرى متى يكون، لأنّ الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة. فإن قلت: ما معنى قوله أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً والأمد يكون قريبا وبعيدا ألا ترى إلى قوله تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً؟ قلت: كان رسول الله ﷺ يستقرب الموعد، فكأنه قال: ما أدرى أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية أى: هو عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ فلا يطلع. ومِنْ رَسُولٍ تبيين لمن ارتضى، يعنى: أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة، لا كل مرتضى. وفي هذا إبطال للكرامات [[قوله «وفي هذا إبطال للكرامات» إبطالها مذهب المعتزلة، وإثباتها مذهب أهل السنة، وهي لا تنحصر في الاخبار بالغيب. (ع)]] ، لأنّ الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين، فليسوا برسل [[قال محمود: «إبطال للكرامات، لأنه حصر ذلك في المرتضى من الرسل، والولي وإن كان من المرتضين ... الخ» قال أحمد: ادعى عاما واستدل خاصا، فان دعواه إبطال الكرامات بجميع أنواعها، والمدلول عليه بالآية إبطال اطلاع الولي على الغيب خاصة، ولا يكون كرامة وخارق للعادة إلا الاطلاع على الغيب لا غير، وما القدرية إلا ولهم شبهة في إبطالها، وذلك أن الله عز وجل لا يتخذ منهم وليا أبدا وهم لم يحدثوا بذلك عن أشياعهم فط، فلا جرم أنهم يستمرون على الإنكار ولا يعلمون أن شرط الكرامة الولاية، وهي مسلوبة عنهم اتفاقا وأما سلب الايمان فمسألة خلاف، فما أطمع من يكون إيمانه مسألة خلاف وهو يريد الكرامة لأنه لم يؤتها والله الموفق.]] . وقد خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم، لأنّ أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ يدي من ارتضى للرسالة وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين يطردونهم عنه ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم، حتى يبلغ ما أوحى به إليه. وعن الضحاك: ما بعث نبىّ إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك لِيَعْلَمَ الله أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ يعنى الأنبياء: وحد أولا على اللفظ في قوله مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ثم جمع على المعنى، كقوله فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ والمعنى: ليبلغوا رسالات ربهم كما هي، محروسة من الزيادة والنقصان، وذكر العلم كذكره في قوله تعالى حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ وقرئ: ليعلم، على البناء للمفعول وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ بما عند الرسل من الحكم والشرائع، لا يفوته منها شيء ولا ينسى منها حرفا، فهو مهيمن عليها حافظ لها وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً من القطر والرمل وورق الأشجار، وزبد البحار، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه. وعددا: حال، أى: وضبط كل شيء معدودا محصورا. أو مصدر في معنى إحصاء. عن رسول الله ﷺ: «من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جنى صدق محمدا ﷺ وكذب به عتق رقبة» [[أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب