الباحث القرآني

قرئ وَإِلى ثَمُودَ بمنع الصرف بتأويل القبيلة، وإلى ثمود بالصرف بتأويل الحىّ، أو باعتبار الأصل، لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح. وقيل: سميت ثمود لقلة مائها، من الثمد وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الشام والحجاز إلى وادى القرى قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ آية ظاهرة وشاهد على صحة نبوّتى. وكأنه قيل: ما هذه البينة؟ فقال هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً وآية نصب على الحال، والعامل فيها ما دل عليه اسم الإشارة من معنى الفعل، كأنه قيل: أشير إليها آية. ولكم: بيان لمن هي له آية موجبة عليه الإيمان خاصة وهم ثمود، لأنهم عاينوها وسائر الناس أخبروا عنها وليس الخبر كالمعاينة، كأنه قال: لكم خصوصاً، وإنما أضيفت إلى اسم الله تعظيما لها وتفخيما لشأنها، وأنها جاءت من عنده مكوّنة من غير فحل وطروقة آية من آياته، كما تقول: آية الله. وروى أن عاداً لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعماراً طوالا، حتى أن الرجل كان يبنى المسكن المحكم فينهدم في حياته، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في سعة ورخاء من العيش، فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان، فبعث الله تعالى إليهم صالحا عليه السلام، وكانوا قوما عربا وصالح من أوسطهم نسبا، فدعاهم إلى الله تعالى فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون، فحذرهم وأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أية آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة، فتدعوا إلهك وندعو آلهتنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإن استجيب لنا اتبعتنا، فقال صالح: نعم، فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوها الاستجابة فلم تجبهم، ثم قال سيدهم- جندع بن عمرو، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاثبة- أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء- والمخترجة التي شاكلت البحت- فإن فعلت صدّقناك وأجبناك. فأخذ صالح عليه السلام عليهم المواثيق لئن فعلت ذلك لتؤمننّ ولتصدّقنّ، قالوا: نعم، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء. كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى، وعظماؤهم ينظرون، ثم نتجت ولداً مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه، ومنع أعقابهم ناس من رؤسهم أن يؤمنوا، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء، وكانت ترد غبا، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كلّ ماء فيها، ثم تتفحج [[قوله «ثم تتفحج» أى تفرج ما بين رجليها. (ع)]] فيحتلبون ما شاءوا حتى تمتلئ أوانيهم، فيشربون ويدخرون. قال أبو موسى الأشعرى: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا. وكانت الناقة إذا وقع الحرّ تصيفت بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطنه وإذا وقع البرد تشتت بطن الوادي فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان: عنيزة أمّ غنم، وصدقة بنت المختار- لما أضرّت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشي- فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه، فانطلق سقبها حتى رقى جبلا اسمه قارة فرغى ثلاثا وكان صالح قال لهم: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه وانفجت [[قوله «وانفجت الصخرة» أى انفتحت. (ع)]] الصخرة بعد رغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبحون غداً ووجوهكم مصفرّة، وبعد غد ووجوهكم محمرة، واليوم الثالث ووجوهكم مسودّة، ثم يصبحكم العذاب فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه. فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أى الأرض أرض الله والناقة ناقة الله، فذروها تأكل في أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ لا تضربوها ولا تطردوها ولا تريبوها بشيء من الأذى إكراماً لآية الله. ويروى: أنّ رسول الله ﷺ حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه «لا يدخلنّ أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائها، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم [[متفق عليه من حديث ابن عمر رضى الله عنهما من طرق.]] » وقال ﷺ «يا علىّ، أتدري من أشقى الأوّلين» ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال «عاقر ناقة صالح، أتدرى من أشقى الآخرين» ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال «قاتلك [[أخرجه ابن إسحاق في المغازي: حدثني يزيد بن محمد بن خيثم عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خيثم والد يزيد المذكور عن عمار بن ياسر قال «كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة العسرة إلى أن قال: فقال يا على، ألا أخبرك بأشقى الناس: رجلين؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال رسول الله ﷺ «ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا على على هذه وأشار إلى رأسه- حتى يبل هذه- ووضع يده على لحيته» ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في الخصائص والحاكم والطبري والبيهقي في الدلائل. وفي الباب عن جابر بن سمرة أخرجه الطبراني وعن صهيب أخرجه أبو يعلى والطبراني. وعن على أخرجه ابن مردويه في تفسير والشمس وضحاها «تنبيه» في رواية المذكورين «أن النبي ﷺ سأل عليا، فقال له في الأول: عاقر الناقة، قال صدقت. وقال في الثانية «لا علم لي» وفي رواية جابر بن سمرة «الله أعلم» .]] » وقرأ أبو جعفر في رواية تأكل في أرض الله، وهو في موضع الحال بمعنى آكلة وَبَوَّأَكُمْ ونزلكم. والمباءة: المنزل فِي الْأَرْضِ في أرض الحجر بين الحجاز والشام مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أى تبنونها من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرهص [[قوله «من الرهص» هو الصخر الثابت في أسفل الحائط. اهـ من الصحاح. (ع)]] واللبن والآجر. وقرأ الحسن: وتنحتون بفتح الحاء وتنحاتون بإشباع الفتحة، كقوله: يَنْبَاعُ مِنْ ذَفْرَى أَسِيلٍ حُرَّةٍ [[وكان ربا أو كحيلا معقدا ... حش الوقود به جوانب قمقم ينباع من ذفرى أسيل حرة ... زيافة مثل الفنيق المكرم لعنترة بن شداد العبسي من معلقته، يصف عرق ناقته من السير، فشبه بالرب، وهو العصير والطلاء. أو بالكحيل وهو القطران المنعقد بالنار على جوانب القمقم. وأعقدت الدواء: أغليته حتى خثر. وحش الوقود: أشعله وأوقده. وهو هنا مبنى للمجهول وأصل «ينباع» ينبع، فتولدت الألف للأشباع، والذفرى: نقرة منخفضة جنب الأذن، إذا طال سير البعير انتفخ من وسطها جلدة وارتفعت وسال منها العرق في النقرة، وهي المشبهة بالقمقم سابقاً. وقيل الذفرى أصل الأذن. والأسيل: الناقة المستقيمة الخلق، من قولهم: خد أسيل، وكف أسيل، وحر كل شيء: خالصه. زيافة: كثيرة الزيف وهو التبختر في السير. والفنيق: فحل الإبل المكرم باعفائه عن العمل لأجل الضراب، فالمكرم: نعت مفسر. ويروى المكدم بالدال. ويقال: كدمه إذا عضه. وأما أكدمه فلم أقف عليها، ولعلها لغة قليلة. والمكدم اسم مفعول منها، أى الذي كدمته الفحول وعضته فأثرت فيه لتنقب جلدها من أثر الرحل والركض. وروى: من ذفرى غضوب جسرة، أى شديدة الغضب صلبة موثقة الخلق. وقيل «ينباع» وزنه «ينفعل» من البوع، وهو طى المسافة البعيدة، ولا معنى له في البيت.]] فإن قلت: علام انتصب بُيُوتاً؟ قلت: على الحال، كما تقول: خط هذا الثوب قميصاً وأبر هذه القصبة قلما، وهي من الحال المقدّرة، لأن الجبل لا يكون بيتاً في حال النحت، ولا الثوب ولا القصبة قميصاً وقلما في حال الخياطة والبرى. وقيل: كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب