الباحث القرآني

مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض من الكل. ومعنى أخذ ذرّياتهم من ظهورهم: إخراجهم من أصلابهم نسلا وإشهادهم على أنفسهم. وقوله أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى شَهِدْنا من باب التمثيل والتخييل [[قال محمود: «هذا من باب التمثيل والتخييل ... الخ» قال أحمد: إطلاق التمثيل أحسن، وقد ورد الشرع به. وأما إطلاقه التخييل على كلام الله تعالى فمردود، ولم يرد به سمع، وقد كثر إنكارنا عليه لهذه اللفظة. ثم إن القاعدة مستقرة على أن الظاهر ما لم يخالف المعقول يجب إقراره على ما هو عليه، فلذلك أقره الأكثرون على ظاهره وحقيقته ولم يجعلوه مثالا. وأما كيفية الإخراج والمخاطبة فالله أعلم بذلك.]] ! ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا: بلى أنت ربنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك. وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله عليه السلام، وفي كلام العرب. ونظيره قوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وقوله: إذْ قَالَتِ الأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِ [[مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص 181 فراجعه هناك إن شئت اه مصححه.]] قَالَتْ لَهُ رِيحُ الصَّبَا قَرْقَارِ [[قالت له ريح الصبا قرقار ... واختلط المعروف بالإنكار لأبى النجم العجلى. و «قرقار» اسم فعل بمعنى قرقر: أمر للسحاب لتنزيله منزلة العاقل، أى: صوت بالرعد. هذا قول سيبويه. وقال المبرد تبعاً للمازنى: هو حكاية صوت الرعد، وهو على كل مبنى على الكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، لكنه على الأول متحمل للضمير، فهو مركب. وعلى الثاني: لا ضمير فيه، فهو مفرد، لكن فيه أن حكاية الأصوات لا تفيد حثا ولا زجراً. وهنا يفيد الحث لقرينة المقام ولا فعل لها، وهذا له فعل. يقال: قرقرت الدجاجة إذا صوتت، إلا أن يقال إن المعنى: صوت يا رعد قرقار. وقولهم. قرقرت الدجاجة، مأخوذ من قرقار، كما أخذوا العياط من عيط بكسرتين بينهما سكون، حكاية لصوت المتلاعبين. واختلط يحتمل أنه أمر وهو أنسب بما قبله. ويحتمل أنه ماض. والمراد بالإنكار المنكر، ولا قول للريح. وإنما شبهها حيث تسوق السحاب بمن يصح منه القول، على طريق المكنية والقول تخييل. ويجوز أن يستعار القول لصوب السحاب، على طريق التصريح. ويجوز أنه من باب الكناية. وعلى هذا النحو قوله في ناقة صالح: فأتاها أحيمر كأخى السهم بغضب، فقال كوني عقيراً. وصرف الممنوع الضرورة. وأضاف الملقى لغير الملقى، ليدل على الملازمة لوجه شبه العاقر بالمبهم. أى قالت الصبا للسحب: قرقر بالرعد. واختلط الأماكن التي اعتدت سقيها بالتي كنت لا تبلغها بالسقى، أى سو بين الجميع فيه. ويحتمل أن المعروف المطر والمنكر الرعد والبرق والصواعق، أى افعل الجميع على أنه ماض، فهو عطف على قالت. وليس من قول الريح. وعليه فيجوز أيضاً رفع المعروف، ويكون الفعل لازما. وهذا البيت من أبيات الكتاب.]] ومعلوم أنه لا قول ثم، وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى أَنْ تَقُولُوا مفعول له، أى فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول، كراهة أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ لم ننبه عليه أَوْ كراهة أن تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم، لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء. كما لا عذر لآبائهم في الشرك- وأدلة التوحيد منصوبة لهم- فإن قلت: بنو آدم وذرّياتهم من هم [[عاد كلامه. قال: «فان قلت بنو آدم وذرياتهم من هم ... الخ» ؟ قال أحمد: والأظهر أنها شاملة لجملة بنى آدم فتدخل اليهود في عمومها، لأن كل واحد من بنى آدم يصدق عليه الأمران جميعاً أنه ابن آدم وأنه ذريته، ولا يخرج من هذا إلا آدم عليه السلام، وإنما لم يذكر لظهوره، ولا يخلو الكلام عن النوع المسمى في فن البلاغة باللف اختصاراً وإيجازاً.]] ؟ قلت: عنى ببني آدم: أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله، حيث قالوا: عزير ابن الله. وبذرّياتهم: الذين كانوا في عهد رسول الله ﷺ من أخلافهم المقتدين بآبائهم. والدليل على أنها في المشركين وأولادهم: قوله أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ والدليل على أنها في اليهود: الآيات التي عطفت عليها هي، والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها، وذلك قوله وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ، إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ، وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا. أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أى كانوا السبب في شركنا، لتأسيسهم الشرك، وتقدّمهم فيه، وتركه سنة لنا وَكَذلِكَ ومثل ذلك التفصيل البليغ نُفَصِّلُ الْآياتِ لهم وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها. وقرئ: ذريتهم، على التوحيد. وأن يقولوا: بالياء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب