إذا قرئ أَوَلَمْ يَهْدِ بالياء كان أَنْ لَوْ نَشاءُ مرفوعاً بأنه فاعله، بمعنى: أو لم يهد للذين يخلفون، من خلا قبلهم في ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن، وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، كما أصبنا من قبلهم، وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورّثين. وإذا قرئ بالنون، فهو منصوب كأنه قيل: أو لم يهد الله للوارثين هذا الشأن، بمعنى: أولم نبين لهم أنا لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ كما أصبنا من قبلهم. وإنما عدّى فعل الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين. فإن قلت: بم تعلق قوله تعالى وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ [[قال محمود: «إن قلت بم يتعلق قوله وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ ... الخ» قال أحمد: بل يجوز والله عطفه عليه، ولا يلزم أن يكون المخاطبون موصوفين بالطبع، ولا يضرهم إن كانوا كفارا أو مقترفين للذنوب، فليس الطبع من لوازم اقتراف الذنب ولا بد، إذ الطبع هو التمادي على الكفر والإصرار والغلو في التصميم، حتى يكون الموصوف به مأيوسا من قبوله للحق. ولا يلزم أن يكون كل كافر بهذه المنابة. بل إن الكافر يهدد من تماديه على كفرهم بأن يطبع الله على قلبه، فلا يؤمن أبداً، وهو مقتضى العطف على أصبناهم، فتكون الآية قد هددتهم بأمرين، أحدهما:
الاصابة ببعض ذنوبهم، والآخر الطبع على قلوبهم. وهذا الثاني أشد من الأول، وهو أيضا نوع من الاصابة بالذنوب أو العقوبة عليها، ولكنه أنكى أنواع العذاب وأبلغ صنوف العقاب. وكثيرا ما يعاقب الله على الذنب بالإيقاع في ذنب أكبر منه وعلى الكفر بزيادة التصميم عليه والغلو فيه، كما قال تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ كما زادت المؤمنين إيمانا إلى إيمانهم. وهذا النوع من الثواب والعقاب مناسب لما كان سببا فيه وجزاء عليه، فثواب الايمان إيمان وثواب الكفر كفر. وإنما الزمخشري يحاذوا من هذا الوجه دخول الطبع في مشيئة الله تعالى. وذلك عنده محال، لأنه قبيح والله عنه متعال، وأنى يتم الفرار من الحق. وكم من آية صرحت بوقوع الطبع من الله، فضلا عن تعلق المشيئة به.]] ؟ قلت: فيه أوجه، أن يكون معطوفا على ما دلّ عليه معنى أَوَلَمْ يَهْدِ كأنه قيل: يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم. أو على يرثون الأرض أو يكون منقطعاً بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم. فإن قلت: هل يجوز أن يكون وَنَطْبَعُ بمعنى وطبعنا، كما لَوْ نَشاءُ بمعنى: لو شئنا، ويعطف على أصبناهم؟ قلت: لا يساعد عليه المعنى؟ لأن القوم كانوا مطبوعا على قلوبهم موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذنوب والإصابة بها. وهذا التفسير يؤدى إلى خلوهم عن هذه الصفة، وأن الله تعالى لو شاء لا تصفوا بها.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَهۡدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَاۤ أَن لَّوۡ نَشَاۤءُ أَصَبۡنَـٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَسۡمَعُونَ"}