كان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها، فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم تكن حالهم وحالنا إلا مثل ما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا ولم يفضلونا، وأقصى أمرهم أن يساوونا، فقيل: أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين. ثم قيل لهم على طريقة الالتفات [[قال محمود: «هذا خطاب على وجه الالتفات لأهل مكة إذا اعتقدوا أنهم في الآخرة أكثر نعيما من المؤمنين ... الخ» قال أحمد: ولما كان الدرس قولا كسرها.]] ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ هذا الحكم الأعوج؟ كأنّ أمر الجزاء مفوّض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أَمْ لَكُمْ كِتابٌ من السماء تَدْرُسُونَ في ذلك الكتاب أنّ ما تختارونه وتشتهونه لكم، كقوله تعالى أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ والأصل تدرسون أنّ لكم ما تخيرون، بفتح أنّ، لأنه مدروس، فلما جاءت اللام كسرت. ويجوز أن تكون حكاية للمدروس، كما هو، كقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ. وتخير الشيء واختاره:
أخذ خيره، ونحوه: تنخله وانتخله: إذا أخذ منخوله. لفلان علىّ يمين بكذا: إذا ضمنته منه وحلفت له [[قوله «إذا ضمنته منه وحلفت له» لعله: عنه، وكذا قوله «منكم» لعله «عنكم» وفي الصحاح: ضمنته الشيء تضمينا فتضمنه عنى. (ع)]] على الوفاء به، يعنى: أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد فإن قلت: بم يتعلق إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ؟ قلت: المقدر في الظرف، أى: هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم وأعطيناكم ما تحكمون. ويجوز أن يتعلق ببالغة، على أنها تبلغ ذلكم اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه من التحكيم. وقرأ الحسن: بالغة، بالنصب على الحال من الضمير في الظرف إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ جواب القسم، لأنّ معنى أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا أم أقسمنا لكم.
{"ayahs_start":35,"ayahs":["أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ","مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","أَمۡ لَكُمۡ كِتَـٰبࣱ فِیهِ تَدۡرُسُونَ","إِنَّ لَكُمۡ فِیهِ لَمَا تَخَیَّرُونَ","أَمۡ لَكُمۡ أَیۡمَـٰنٌ عَلَیۡنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ"],"ayah":"أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ"}