الباحث القرآني
إنا بلونا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله ﷺ عليهم كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ وهم قوم من أهل الصلاة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين، [[قال محمود: «أصحاب الجنة قوم من أهل الصلاة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين ... الخ» قال أحمد: وفائدة التنكير الإبهام تعظيما لما أصابها، ومعنى كالصريم: أى لهلاك ثمرها. وقيل الصريم الليل، لأنها احترفت واسودت. وقيل: النهار، أى خالية فارغة من قولهم: بيض الإناء، إذا فرغه. قلت: ومنه البياض من الأرض، أى: الخالية من الشجر. ورد في الحديث، ويستعمله الفقهاء في المساقاة، ومعنى صارمين: حاصدين.
قال: وإنما عدل عن «إلى» في قوله عَلى حَرْثِكُمْ لأن غدوهم كان ليصرموه، فهو غدو عليه، ومعنى يَتَخافَتُونَ يسرون حديثهم خيفة من ظهور المساكين عليهم. وقوله أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ مثل: لا أرينك هاهنا، والحرد من حاردت السنة إذا منعت خيرها والمعنى: وغدوا على نكد ومنع غير عاجزين عن النفع. وقيل: الحرة السرعة، أى: غدوا مسارعين نشطين لما عزموا عليه من الحرمان. ومعنى قادِرِينَ على هذا التأويل: عند أنفسهم. وقيل: حرد اسم الجنة المذكورة، وقولهم إِنَّا لَضَالُّونَ قالوه في بديهة أمرهم دهشا لما رأوا ما لم يعهدوه فاعتقدوا أنهم ضلوا عنها وأنها ليست هي، ثم لما تبينوا وأيقنوا أنها هي أضربوا عن الأول إلى قولهم بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.]] فكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل، وما في أسفل الأكداس، [[قوله «وما أسفل الأكداس» في الصحاح «الكدس» بالضم: واحد الأكداس الطعام (ع) .]] وما أخطأه القطاف من العنب، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ليصر منها مصبحين في السدف [[قوله «مصبحين في السدف خفية» في الصحاح «السدفة» في لغة نجد: الظلمة، وفي لغة غيرهم الضوء. (ع)]] خفية عن المساكين، ولم يستثنوا في يمينهم، فأحرق الله جنتهم. وقيل: كانوا من بنى إسرائيل مُصْبِحِينَ داخلين في الصبح مبكرين وَلا يَسْتَثْنُونَ ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت. لم سمى استثناء، وإنما هو شرط؟ قلت: لأنه يؤدى مؤدى الاستثناء، من حيث أن معنى قولك: لأخرجنّ إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله. واحد فَطافَ عَلَيْها بلاء أو هلاك طائِفٌ كقوله تعالى وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وقرئ: طيف فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل:
الصريم الليل، أى. احترقت فاسودت. وقيل: النهار أى: يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها، من قولهم: بيض الإناء، إذا فرغه. وقيل الصريم الرمال صارِمِينَ حاصدين. فإن قلت: هلا قيل: اغدوا إلى حرثكم، وما معنى عَلى؟ قلت: لما كان الغدوّ إليه ليصرموه ويقطعوه:
كان غدوّا عليه، كما تقول: غدا عليهم العدوّ. ويجوز أن يضمن الغدوّ معنى الإقبال، كقولهم:
يغدى عليه بالجفنة ويراح، أى: فأقبلوا على حرثكم باكرين يَتَخافَتُونَ يتسارّون فيما بينهم.
وخفى، وخفت، وخفد: ثلاثتها في معنى الكتم، ومنه: الخفدود للخفاش أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا أن مفسرة. وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول، أى يتخافتون يقولون لا يدخلنها، والنهى عن الدخول للمسكين نهى لهم عن تمكينه منه، أى: لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل، كقولك: لا أرينك هاهنا. الحرد: من حردت السنة إذا منعت خيرها، وحاردت الإبل إذا منعت درّها. والمعنى: وغدوا قادرين على نكد، لا غير عاجزين عن النفع، يعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة. أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين، بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها، أى: غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم: عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد. وقادِرِينَ من عكس الكلام للتهكم، أى: قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين، وعلى حرد ليس بصلة قادرين، وقيل: الحرد بمعنى الحرد.
وقرئ: على حرد، أى لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض، كقوله تعالى يَتَلاوَمُونَ وقيل: الحرد القصد والسرعة، يقال: حردت حردك. وقال:
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنّة المغلّه [[يصف سيلا بالكثرة، ولذلك قال: من عند الله. ويروى: من أمر الله، وحذفت الألف قبل الهاء من لفظ الجلالة لأنه جائز في الوقف. وحرد يحرد من باب ضرب، بمعنى قصد وأسرع، أى: يسرع إسراع الجنة أى البستان المغلة كثير الغلة والخير، ومعنى إسراع الجنة: ظهور خيرها قبل غيرها في زمن يسير، واختارها لأنها تنشأ عن السيل.]]
وقطا حراد: سراع، يعنى: وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط، قادرين عند أنفسهم، يقولون: نحن نقدر على صرامها وزى [[قوله «وزى منفعتها» في الصحاح: تقول: زوى فلان المال عن وارثه زيا. (ع)]] منفعتها عن المساكين. وقيل حَرْدٍ علم للجنة، أى غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم. أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان قالُوا في بديهة وصولهم إِنَّا لَضَالُّونَ أى ضللنا جنتنا، وما هي بها لما رأوا من هلاكها، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا أَوْسَطُهُمْ أعدلهم وخيرهم، من قولهم: هو من سطة قومه، وأعطنى من سطات مالك. ومنه قوله تعالى أُمَّةً وَسَطاً. لَوْلا تُسَبِّحُونَ لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم، كأن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك: اذكروا الله وانتقامه من المجرمين، وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم، وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة، فعصوه فعيرهم. والدليل عليه قولهم سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة، ولكن بعد خراب البصرة. وقيل: المراد بالتسبيح. الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأنّ الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم. وعن الحسن: هو الصلاة، كأنهم كانوا يتوانون في الصلاة، وإلا لنهتهم عن الفحشاء والمنكر، ولكانت لهم لطفا في أن يستثنوا ولا يحرموا سُبْحانَ رَبِّنا سبحوا الله ونزهوه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء يَتَلاوَمُونَ يلوم بعضهم بعضا، لأنّ منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض أَنْ يُبْدِلَنا قرئ بالتشديد والتخفيف إِلى رَبِّنا راغِبُونَ طالبون منه الخير راجون لعفوه كَذلِكَ الْعَذابُ مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ
أشد وأعظم منه، وسئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتنى تعبا.
وعن مجاهد: تابوا فأبدلوا خيرا منها. وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه: بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان: فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["إِنَّا بَلَوۡنَـٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَاۤ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُوا۟ لَیَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِینَ","وَلَا یَسۡتَثۡنُونَ","فَطَافَ عَلَیۡهَا طَاۤىِٕفࣱ مِّن رَّبِّكَ وَهُمۡ نَاۤىِٕمُونَ","فَأَصۡبَحَتۡ كَٱلصَّرِیمِ","فَتَنَادَوۡا۟ مُصۡبِحِینَ","أَنِ ٱغۡدُوا۟ عَلَىٰ حَرۡثِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰرِمِینَ","فَٱنطَلَقُوا۟ وَهُمۡ یَتَخَـٰفَتُونَ","أَن لَّا یَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡیَوۡمَ عَلَیۡكُم مِّسۡكِینࣱ","وَغَدَوۡا۟ عَلَىٰ حَرۡدࣲ قَـٰدِرِینَ","فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوۤا۟ إِنَّا لَضَاۤلُّونَ","بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ","قَالَ أَوۡسَطُهُمۡ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ لَوۡلَا تُسَبِّحُونَ","قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَاۤ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِینَ","فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَلَـٰوَمُونَ","قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَاۤ إِنَّا كُنَّا طَـٰغِینَ","عَسَىٰ رَبُّنَاۤ أَن یُبۡدِلَنَا خَیۡرࣰا مِّنۡهَاۤ إِنَّاۤ إِلَىٰ رَبِّنَا رَ ٰغِبُونَ","كَذَ ٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ یَتَلَـٰوَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق